لأول مرة، إسلامي رئيسا لوزراء تركيا


بقلم : نيكول پوپ Nicole Pope

نشرت صحيفة لوموند عدد الأربعاء 10/7/96 مقالا جاء فيه :

منح البرلمان التركي ثقته يوم الإثنين 8/7/96 لأول حكومة يرأسها إسلامي هو نجم الدين أربكان منذ تأسيس الجمهورية العلمانية سنة 1923، يتعلق الأمر بتحالف يضم كلا من حزب الرفاه وحزب الطريق القويم. وقد حرص الوزير الأول الجديد في أول تصريحاته على طمأنة الجميع، متنكراً بذلك لتصريحات متطرفة كان أدلى بها خلال الحملة الانتخابية، ومن جهة أخرى دعا الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيكولاس بورن، السيد أربكان إلى احترام الالتزام والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها تركيا، وخصوصا منها ما يتعلق باتفاقية الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

اسطانبول -من مراسل لوموند.

قال نجم الدين أربكان عقب فوزه بثقة البرلمان التركي ب278 صوتا ضد 265 وامتناع نائب واحد عنالتصويت بأن تركيا قد دخلت عهداً جديداً بهذا الانتصار، وقد عبر هذا السياسي التركي العريق (أو المخضرم) الذي بدأ مشواره السياسي قبل 27 عاما عن ابتهاجه بوصوله الى قمة السلطة بقوله : >إنني أطير مثل الفراشة<. لكن الصحافة التركية لا تشاطره هذا التفاؤل، إذ تصدّر صحيفة >جمهوريت< العلمانية المتشددة هذا العنوان >لقد استسلمت تركيا للرفاه< أما صحيفة >ىيني يوزيل< فقد نقلت بسخرية مقالة أربكان لشريكته في الحكم : >شكراً جزيلا يا تشيلر!<، في حين انتقدت صحيفة >صباح< سلوك النواب الذين تبادلوا اللكمات والشتائم أثناء عملية التصويت. لقد كان الجو بالفعل مشحونا ومتوتراً داخل القاعة الكبرى للبرلمان التركي عندما اجتمع 544 نائبا من أصل 550 للتصويت على منح الثقة للائتلاف الحكومي بين حزبي الرفاه والطريق القويم.

أما الأيام العشرة التي سبقت عملية التصويت فقد شهدت حركة دائبة من المساومات والاستقالات، إذ انتقل العديد من النواب من صف المؤيدين الى صف المعارضين، وتحول البعض الآخر من المعارضة الى التأييد.

لقد لعب النواب السبعة لحزب الوحدة الكبرى -وهو حزب ذو توجه اسلامي من أقصى اليمين- دوراً حاسما في عملية الاقتراع إذ صوتوا لصالح حزب الرفاه، بعدما دخلوا البرلمان منضوين تحت لواء حزب الوطن الأم، في حين تحدى عشرة من نواب حزب الطريق القويم  تعليمات حزبهم واتخذوا مواقف خاصة بهم. أما سافي قمحي، وهو النائب اليهودي الوحيد في البرلمان، فقد امتنع عن اعطاء صوته لحزب الرفاه بحجة أنه معاد للسامية. البعض الآخر مثل وزير الخارجية السابق ونائبتين من حزب الطريق القويم اتخذوا موقف المعارضة من هذا الائتلاف خوفاً على علمانية الدولة.

إن تانسو تشيلر لم تُقدم على التحالف مع الإسلاميين إلا خوفاً من المثول أمام المحكمة العليا بتهمة الفساد والرشوة، بينما وصف معارضوها داخل الحزبهذا التحالف بأنه >انتحار سياسي<.

إن الحكومة الجديدة ستجد في انتظارها ملفات معقدة، إذ يتعين عليها إحياء التوازنات الاقتصادية والتصدي للمشكلات العويصة التي أهملت في خضم النزاعات والمكايدات الحزبية، وقبل ذلك عليها أن تجد حلا للمشكلة الكردية، فقد استأنف حزب العمال الكردستاني عملياته المسلحة في الآونة الأخيرة بعد أن عاد التوتر ليخيم على أجواء العلاقات السورية التركية! وفي هذا الإطار يطرح السؤال التالي : هل يستطيع التقارب مع الدول الاسلامية الذي يدعو اليه أربكان أن يقنع سوريا بالتخلي عن دعم المقاتلين الأكراد؟

أما الأمر الأخير الذي يتحتم على الحكومة الجديدة البث فيه فيتعلق بمسألة التجديد لقوات عملية المطرقة التي توفر الحماية الجوية للأكراد في شمال العراق (وهي العملية التي عارضها أربكان سابقا) ثم مسألة تمديد حالة الطوارئ في جنوب شرق الأناضول التي كان من المقرر رفعهامن قِبَل الحكومة السابقة.

يحرص نجم الدين أربكان على الظهور بمظهر المتعقل والواقعي، هدفه الأساسي هو إبداء حسن النية وطمأنة الجيش والناخبين الأتراك والمجتمع الدولي، ومن المتوقع أن يتجنب أي نزاع مع المؤسسة ذات النفوذ الأقوى في تركيا حول مسائل السياسة الخارجية، فالبرنامج الحكومي الذي أدلى به أمام البرلمان لم يحمل أي إشارة الى تحول جذري في السياسة التركية، على العكس من ذلك يمكن القول بأنه شبيه ببرامج التحالفات السابقة.

إن الاسلاميين يؤملون على المدى البعيد أن يصلوا الى السلطة بأغلبية مريحة تمكنهم من الحكم بمفردهم ومن فرض برنامج حكومي إسلامي صريح، أما في اللحظة الراهنة فانهم يفضلون التصدي للمشاكل التي تهم رجل الشارع مثل التضخم ورواتب الموظفين بدلا من الدخول في صراعات وخلافات مع الفرقاء السياسيين.

يتوقع كثير من المراقبين في تركيا ألا يدوم هذا التحالف طويلا، غير أنه في الوقت الحاضر يخدم مصالح طرفيه معاً. فتانسو تشيلر لايمكن أن تنال ثقة ناخبيها إلا إذا حقق هذا التحالف نتائج ايجابية، بالاضافة الى أن وثيقة التحالف تنص على أن رئاسة الوزراء يجب أن تؤول الى تشيلر بعد سنتين. أما الإسلاميون فهم يدركون جيداً بأن الرأي العام والمؤسسات التشريعية في تركيا ليسا مهيأين بعد لتقبل حكم الاسلاميين بمفردهم. إن هذا التحالف في نظر بعض الأتراك مرحلة خطيرة قد تؤدي إلى قيام نظام شمولي، بينما يرى البعض الآخر أن عدم تدخل الجيش رغم كون أحد طرفيه إسلاميا مؤشر على أن الديموقراطية في تركيا قد بلغت مرحلة متقدمة من النضج.

العلمانيون يتأهبون للدفاع عن مواقعهم، فهم لم ينسوا أن أربكان هو الرجل الذي تزعم عقب انقلاب 1980 مسيرة تطالب صراحة وعلانية بالعمل بالشريعة الاسلامية، إلا أنه في الآونة الأخيرة، وخصوصا بعد نيله ثقة البرلمان حرص على الظهور بمظهر مختلف،إذ ذكّر بأن حكومته عازمة على احترام قواعد الديموقراطية وأنها سوف تكون رهن إشارة الجمعية الوطنية وأنها لن تضع مبدأ العلمانية موضع نقاش، كل ذلك وفقا لوثيقة التحالف وطبقا لأحكام الدستور.

إن العلمانيين الأتراك لا يخافون من ثورة إسلامية بقدر ما يخافون من تسلل تدريجي الى الوزارات ومن تغييرات ذكية في المجال الثقافي ومن قضم متواصل للأسس التي يقوم عليها بناء الدولة العلمانية التركية، وحزب الرفاه ليس الوحيد الذي يستطيع الاضطلاع بهذه المهمة، فحزب الوطن الأم وحزب الطريق القويم يضمان في صفوفهما العديد من النواب ذوي التوجه الاسلامي.

خلاصة القول، فإن الحكومة الجديدة تخضع لمراقبة دقيقة من طرف الخائفين منها والمتربصين بها، ونجم الدين أربكان يدرك ذلك تمام الادراك، إنه أكثر حنكة ودهاء من أن يعرض أهدافه البعيدة (الاستراتيجية) للخطر بتصرفات غير محسوبة خصوصا في هذه المرحلة بالغةالدقة والحساسية.

نقله الى العربية : أبو اسماعيل

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>