سياسة الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامي في القرن القادم


من باب إطلاع القارئ المسلم على ما يتم نشره في الغرب من دراسات استراتيجية لها أبعاد ذات أهمية بواقع المنطقة العربية ومستقبلها، نقدم هذه الترجمة لواحدة من أهم الدراسات التي قدمها >معهد جيمس بيكر للسياسة العامة< في جامعة >رايس< الأمريكية، وأشرف على كتابتها مساعد وزير الخارجية السابق إدوارد جرجيان كرؤية تلخص السياسة الحالية والقادمة التي يجب على الحكومة الأمريكية اعتمادها في التعامل مع الإسلام ونقاط حضوره الساخنة على الساحة العالمية.

ما الذي يجب عمله؟

ماذا يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة تجاه الإسلام، وكيف يمكن للولايات المتحدة القيام بدورها القيادي في وضع سياسة معتبرة وشاملة تجاه عالم قوس الأزمات ودور الإسلام فيه؟

أولا : على الولايات المتحدة أن تعرف أن انتشار الخلافات المحلية في عالم قوسالأزمات يهدد مصالح أمريكا الرئيسية وحتى الحيوية، ولذا يجب التركيز على أن مصالح الولايات المتحدة والدول الديمقراطية الصناعية ذات أهمية بالغة وذات عامل جغرافي حساس، حيث إن دول قوس الأزمات تحتوي على مخزون هائل من الزيت والغاز الطبيعي وأنابيب التوريد إلى الخارج، فمخزون الزيت والغاز الطبيعي في هذه البلدان يكون ثلاثة أرباع المخزون العالمي ولابد من الأخذ بعين الاعتبار النتائج الناجمة عن الخلافات في هذه المنطقة على التزويد بالطاقة وسلامتها وأسعارها، لقد اشتركنا بالفعل في حرب الخليج لنرد العدوان ونحمي تلك المصالح… وإذا نظرنا إلى الأمام… إلى القرن الحادي والعشرين، سنجد أن الحاجة للطاقة ستزداد خصوصاً إذا سارت بلدان أخرى كالصين والهند قدماً في تطويراتها الاقتصادية.

إن استمرار الاضطرابات في البوسنة قد يؤدي إلى اشتعال الحرب في البلقان، ومن ثم الاضرار بأمن أوروبا وحلف شمالالأطلسي وروسيا، وإن إطالة الحرب في الشيشان قد تؤثر على استقرار روسيا وبالتالي تحوّل مجرى موسكو عن مجراها الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي… أما النزاع على ناكورنو كاراباخ فيمكن أن يجر تركيا إلى جانب أذربيجان ضد الأرمن، مما قد يجبر روسيا على التدخل، الأمر الذي من شأنه أن يخلق توتراً في علاقات تركيا مع أوروبا والولايات المتحدة.

وإن إسقاط الحكومة الجزائرية على أيدي الإسلاميين المتطرفين سيخلق -إذا وقع- سابقة خطيرة على منطقة المغرب والعالم العربي بالإضافة إلى ما يجلبه ذلك من ويلات على الأقطار الأوروبية خصوصاً فرنسا التي يسكن فيها عدد كبير من المهاجرين المغاربة.. وفي غياب التقدم في عملية السلام بين إسرائيل والعرب على المسارات الفلسطينية واللبنانية والسورية فقد تستطيع بعض الجماعات الإسلامية مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وحزب الله من تكثيف جهدها لإحباط العمليةبرمتها.. والفشل في دفع المسيرة الى الأمام سيكون له عواقب وخيمة على مصر، التي تعتبر حجر الزاوية في بناء السلام العربي – الإسرائيلي وهي نفسها تواجه تهديداً من الإسلاميين.

وفي الشرق أىضاً نجد أن كشمير مازالت عبوة متفجرة كامنة، فالتوتر بين المسلمين والهندوس قد يزيد من حدة الخلاف بين البلدين ويقود إلى مجابهة عسكرية.. والوضع في أفغانستان – حيث تتصارع الفئات الإسلامية على السلطة- سيجلب نتائج سلبية على أوزبكستان وتوركمانستان وطاجيكستان، وسيمتد هذا التأثير السلبي على سكان روسيا ذوي الأعراق الجنسية المختلفة في جمهوريات آسيا الوسطى، الذين يحاولون التغلب على المشاكل الناجمة عن تفكك الاتحاد السوفييتي.. وبالتزامن مع تلك التطورات تستمر الحكومتان الإيرانية والسودانية في البحث عن مناسبات مواتية لتصدير نموذجهما النضالي للإسلام.

إن فهم ما قد يترتب على هذه الاوضاع هو الخطوة الأولى في تطوير سياسة فعالة.. وعندما شغلت منصب مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى حددنا المنهج السياسي الذي أصبح فيما بعد الموقف الرسمي بشأن هذا الموضوع في إدارتي الرئيسين بوش وكلينتون، وكانت النقاط الرئيسية لتلك السياسة هي :

1- إن الولايات المتحدة لا تعتبر الإسلام كواحد من المذاهب التي تناصب الغرب العداء أو تهدد سلام العالم، ولا شك أن هذا جواب مبسط لحقيقة معقدة، وبالإضافة إلى ذلك ففهم كهذا يفيد المتطرفين، (لابد من التنويه بما قاله الرئيس الإيراني بمناسبة عيد الثورة الإسلامية الإيرانية السادسة هذا العام، عندما قال : >يريد الغرب وبشكل خاص الولايات المتحدة أن تجابه الأصولية الإسلامية بنفس الطريقة التي كانت تتحدى بها الشيوعية… إنها مخطئة في مقارنتها، ومن شأن هذه السياسة أن تقوي الحركة الأصولية، >وقد ظهرت هذه المقولة أيضا في الاجتماع الإسلامي الدولي الذي عقدفي الخرطوم في السودان في مارس (آذار) عام 1995م : (إن إحياء الإسلام كقوة سياسية قاد العالم والولايات المتحدة بالذات للتعامل مع المسلمين كأعداء في حرب باردة جديدة).

2- لم تستبدل الحرب الباردة بتنافس جديد بين الإسلام والغرب، لقد انتهت الحروب الصليبية منذ وقت طويل.

3- يعترف الأمريكيون بأن الإسلام أحد العقائد العالمية العظيمة ويمارس في جميع القارات، ويبلغ تعداد المسلمين الذين يحملون الجنسية الأمريكية بالملايين في الولايات المتحدة، ونحن في الغرب نعترف بأن حضارة الإسلام التاريخية كانت من بين العوامل التي أثّرت على ثقافتنا وأغنتها.

4- إن هناك مجموعات أو حركة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحاول إصلاح مجتمعاتهم باتباع مثلهم الإسلامية… على أن هناك تشعباً ذا اعتبار في التعبير عن تلك المثل، فمعظم المسلمين الذين يبلغ عددهم قرابة البليون في العالم يعيشون خارج العالم العربي ويختلفون في اللغات والأعراق والأجناس والثقافة… ويوجد عدد كبير من المسلمين في جنوب وجنوب شرق آسيا وفي الصين وفي إفريقيا، كما ينقسم المسلمون أيضاً إلى مذهبين رئيسيين -السنة والشيعة- إضافة إلى الثقافات المتعددة الموجودة في العالم الإسلامي.

5- لانجد معسكراً موحداً متجانساً أو جهدا دولياً يدفع أو يساعد المجموعات أو الحركات الإسلامية، إلا أننا مهتمون باستغلال إيران للجماعات المتطرفة في المنطقة وبدور السودان في دعم مثل هذه الجماعات في شمال إفريقيا، إن ازدياد التنسيق بين هذه الدول والجماعات المتطرفة ولجوئهم الى الإرهاب يتطلب منا اليقظة… ولكننا نجد في نهاية المطاف أن عدم توفر العدالة الاجتماعية -اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وسياسياً- هو العامل الأساسي الذي يغذي التطرف في تلك المناطق.

6- سوف نؤيد الحكومات التي تنشد توسيع المشاركة السياسية في المنطقة، ولكننا فينفس الوقت ننظر بريبة إلى أولئك الذين يستخدمون العملية الديمقراطية ليصلوا إلى الحكم ثم يهدمون العملية نفسها حتى يحتفظوا بالسلطة والسيطرة السياسية.. إننا نؤمن بقاعدة الشخص الواحد للصوت الانتخابي الواحد، على أننا لا نؤيد الشخص الواحد للصوت الانتخابي الواحد لمرة واحدة.

7- ونحن نختلف مع هؤلاء الذين يمارسون الإرهاب ويلجؤون الى العنف ويرفضون الحلول السلمية للخلافات ويهضمون حقوق الأقليات، ويحتقرون التعددية السياسية أو يخالفون حقوق الإنسان المعترف بها دولياً، إننا نختلف معهم مهما كان دينهم.

هذه هي الأسباب التي أوجدت الفروق بيننا وبين دول علمانية كالعراق وليبيا… ونقولها بكل بساطة إن الدين لا يقرر سلباً أو إيجاباً طبيعة العلاقات مع البلدان الأخرى.. إن خلافنا هو مع التطرف في حد ذاته، ومع ما يصحبه من عنف ونكران وتعصب وتخويف وقسر وإرهاب.

ما بعد السياسة الحالية

مع أن هذا الأسلوب يحتوي على أسس صالحة لسياسة الولايات المتحدة في معالجة هذا الموضوع البالغ الأهمية في الوقت الحاضر، فقد حان الوقت للنظر إلى ما بعدها بطريقة شاملة لمعالجة التحديات التي سنواجهها في بلدان قوس الأزمات عندما ندخل في القرن الحادي والعشرين، فما الذي يجب عمله الآن؟ للذهاب الى ما بعد السياسة الحالية نحتاج لرسم سياسة تعترف بأهداف التحديات وتبتعد عن قواعد العمل التالية:

الأسلوب التنظيمي

أولا : بالنسبة للنواحي التنظيمية، يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تفهم أن القوى التي تلعب دوراً في بلدان قوس الأزمات ككل هي في غاية التعقيد، وهي لذلك تشكل الأساس لإيجاد ورسم سياسة واقعية وفعالة، ويجب على وكالة الاستخبارات المركزية ومركز الاستخبارات والبحث التابع لوزارة الخارجية أن تركز جهودها لتزويد صانعي السياسة بالمعرفة والمعلومات التي يحتاجونها لوضع سياسات واقعية وفعالة بشأن هذه المنطقة المهمة، ومع أن وضع سياسات لمكافحة الإرهاب والقيام بعمليات ضد الآليات الحالية وغيرها التابعة للجماعة المتطرفة أمر هام، إلا أنه لا يمكن أن يكون مركز الاهتمام الرئيسي لتلك  السياسة، ويجب أن يكون دور مخططي السياسة الخارجية للولايات المتحدة مركزياً في الجهد المتكامل لوضع هذه السياسة، وكذلك يجب على الخدمات الخارجية للولايات المتحدة وضع طريقة رئيسية للحصول على الخبرات القطرية من خلال الدراسات في هذا المجال، وتدريب الموظفين على لغات بلدان قوس الأزمات، كما يجب التركيز بشكل خاص على اللغتين الفارسية والتركية.

الإسلام والتطرف

ثانيا مع أننا نعترف بأن الإسلام واحد من الديانات العالمية ورسالته السائدة تدعو إلى التسامح والاعتراف >بأهل الكتاب< (أي اليهود والنصارى)، إلا أنه يجب على سياسة الولايات المتحدة أن تفرق بقوة بين كلمات وأفعال الاتجاه السائد للإسلام منجهة، وبين الأفراد المسلمين والجماعات والحكومات التي تعمل ضد مصالح الولايات المتحدة، ومنهم من يدعو إلى الإرهاب والاضطهاد والسعي وراء الحكم الفردي المتسلط.. وعلى الولايات المتحدة أن تزيد من مساعداتها وتتعاون بشكل أقوى مع الحكومات المسلمة المعتدلة التي تبذل على الأقل جهداً جدياً للاستجابة لمطالب شعوبهم في العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية والنمو الاقتصادي من خلال تطوير اقتصاد حر.. إننا بحاجة للتعامل مباشرة مع مثل هذه البلدان عندما نصيغ سياستنا للتعامل مع الإسلام.. وبهذا الصدد يجب أن لا ننسى أندونيسيا (أكبر دولة إسلامية من حيث السكان والتي توجد فيها حركة إسلامية في طور النشوء) وماليزيا عند رسم سياستنا.

إن العديد من الدول تستطيع بالفعل أن تقدم كقوة إيجابية للإسلام المعتدل خارج حدودها، ويجب اعتبار هذه الدول كجسور محتملة للإسلام بمفهومه السائد إلى مسلمي العالمفي الشرق الأوسط وأواسط آسيا.

ومن الأمثلة على ذلك تركيا ونموذجها العلماني للمجتمع الإسلامي وطاقاتها للوصول إلى البلدان التي تتكلم اللغة التركية في أواسط آسيا، وكذلك مصر الملتقى الهام للحوار بين المفكرين الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين، والبلد الذي توجد فيه أعظم جامعة إسلامية.. جامعة الأزهر.

ولكن يجب أن نتقدم بأسلوب معقول وبدون أوهام كبيرة، ففي بعض الأقطار نجد بعض الشخصيات تعبر عن آراء متفرقة تتراوح بين معتدلة ومتطرفة، وعلى كل دولة أن تتعامل بشكل فعال مع المشاكل الداخلية المتعلقة بالحركات والجماعات الإسلامية السياسية، وإضافة إلى ذلك، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي بوقت قصير أشارت التوقعات الى تطور سباق بين تركيا وإيران >لعبة أخرى كبيرة< لكسب عقول وقلوب الشعوب المسلمة في آسيا الوسطى.. وفي الواقع لم تتمكن أي من الدولتين أن تحصل على نفوذ حاسم في تلك المنطقة بسببالعوامل القومية والدينية (الفروق بين السنة والشيعة) وعوامل أخرى معقدة.

أما بخصوص البوسنة فقد تكون الفرصة التاريخية قد ضاعت لخلق كيان ديمقراطي متعدد الديانات والأعراق الجنسية في قلب القارة الأوروبية التي كان يمكن أن تخدم تفاعل بين مختلف الثقافات والديانات بين المسلمين والمسيحيين.

إن الخلافات التي ظهرت بين أعضاء المجلس الرئاسي في البوسنة حول مدى انتماء الجيش البوسني إلى الإسلام يعكس -ما أوردت جريدة نيويورك تايمز في أوائل عام 1995م- >التوتر بين هؤلاء الذين يفضلون النموذج العلماني وتعدد الجنسيات للمجتمع الذي يعيش تحت ضغط حرب مدمرة، ومازال هذا الخلاف موجوداً في المجتمع ومازالت النزعات الديمقراطية تظهر بين طيات هذا الخلاف، وهذا يدل على أن التأييد للتعددية والتنوع في البوسنة يجد تأييداً<.

هناك أمل بأن يظهر مجتمع ديمقراطي متعدد الثقافات ومتعدد الأجناس في البوسنة، واليوم يبدو الاحتمال للوصول إلى هذه النتيجة ضئيلا، ولابد من التوضيح بهذا الشأن بأنه بينما كان التوتر موجوداً باستمرار -تاريخيا- إلا أن المسلمين والصرب والكرواتيين لم يقتلوا بعضهم البعض لقرون مضت كما كان متوقعاً، ويبين سجل التاريخ أنهم تمكنوا من التعايش تحت ظل مجتمع متعدد الجنسيات والأديان ولم تحدث بينهم مواجهات عنيفة، وأما الأوروبيون فرغم درايتهم وخبرتهم التاريخية بمنطقة الشرق الأوسط إلا أنهم يعانون من قصر النظر عند التعامل مع الإسلام، ولقد طغت المتطلبات الاقتصادية ومتطلبات الأمن الناجمة عن وجود عدد كبير من المهاجرين المسلمين في بلادهم -وهذا لاشك أمر مهم في حساباتهم السياسية- على قراراتهم، ولم يركزوا اهتمامهم لإيجاد أسلوب شامل.

وبالفعل فبدلا من أن تنظر بعض الدول الأوروبية إلى أن خلق كيان ديمقراطي في أوروبا من شأنه أن يفتح المجال لإيجاد اتصال وجسر متعدد الثقافات يربط بينهم وبين العالم الإسلامي، نظروا إلى مشكلة البوسنة بأنها تهديد إسلامي.

أسلوب المسار المزدوج

ثالثاً : يجب على الولايات المتحدة أن تتبع سياسة متسقة وأن تعمل جاهدة مع حكومات الدول الإسلامية للتعامل مع مجتمعاتهم على مسار مزدوج، مشاركة الحكومة الواسعة وقوى السوق الحرة بالسرعة التي تسمح بها ظروفهم الخاصة، ففتح الأردن المجال للإخوان المسلمون يعتبر تطوراً جريئاً وموضوع دراسة في الإصلاح السياسي، وفي نفس الوقت يجب على الولايات المتحدة أن تشجع اقتصاد الملكية الخاصة والسوق الحرة كأفضل أسلوب فعال لإزالة بوادر الظلم الاجتماعي الذي من شأنه أن يشجع التطرف، وعند القيام بذلك يجب أن ندرك الأمور المعقدة الواردة، ربما نظر بعض دول العالم الى التقدم المدني في الغرب بريبة حتى بروح العداوة وبأنها مدنية غريبة على ثقافتهم وعقائدهم، وفرض آراء علمانية ربما تقود إلى المقاومة، وهذا هو بالتأكيد وضع الأفراد والجماعات والطبقات الاجتماعية في هذه البلاد التي لا تشارك في عملية التقدم المدني، والذين يرون أنفسهم كضحايا محرومة، وهذه أرض خصبة للتطرف.. ولهذا فإنه من الضروري عند الشروع بتبني البرامج المدنية العصرية أن نضمن  أن تعود فوائد الاشتراك السياسي وتطوير السوق الحرة والتطور السياسي والاقتصادي على أكبر عدد ممكن من الناس، ولذلك فالعامل الأساسي هنا هو الحوار السياسي بين الحكومات وشرائح واسعة من مجتمعاتها، وفي نفس الوقت تبني سياسات اقتصادية تعود بالنفع على قطاعات كبيرة من السكان وعلى خلق طبقات وسطى، يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى أسلوب التعامل مع كل قطر على أن يكون مفهوما لديهم أننا لا نريد أن ننشئ نماذج سياسية غربية في الكثير من هذه المجتمعات التي هي تقليدية في طبيعتها ولها مجالس شورى يمكن تطويرها على نحو ديمقراطي… هذا هو الأسلوب الذييجب التأكيد عليه.

وأما بخصوص الناحية الاقتصادية وبعد سقوط الشيوعية والاعتراف بفشل النماذج الماركسية والاشتراكية داخل وخارج العالم الإسلامي، فقد بدأت فوائد امتلاك القطاع الخاص للأعمال واقتصاد السوق الحرة تظهر بوضوح أكثر فأكثر، ويجب على الولايات المتحدة بالتعاون مع الأوروبيين واليابانيين أن تتبنى دوراً فاعلا في تشجيع بلدان تلك المنطقة على أن تبدأ وتحافظ على بقاء الإصلاحات في مجالات السوق الحرة وخصوصاً في تلك البلدان التي التصقت بأنظمة مهجورة وعديمة الجودة والتطور، (ومرة أخرى فإنه من المهم في هذا المجال أن نصوغ أسلوبنا ليناسب الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية الخاصة بكل بلد).

الخلاف العربي-الإسرائيلي

رابعاً : حل الخلاف العربي- الإسرائيلي من شأنه أن ينهي الشعور المعادي للغرب عند المسلمين، ويقلل من تأثير الجماعات المسلمة المتطرفة وقدرتها على إلحاق الضرر خاصة في الشرق، لقد كان هذا الخلاف عاملا هاماً في تبني هذا الموقف تجاه الغرب، لقد حدث هذا بالفعل، فقد رأينا كيف أن دكتاتور العراق، صدام حسين، لف نفسه ساخراً بعباءة الإسلام أثناء حرب الخليج ليحارب إسرائيل ومؤيديها الغربيين، وكيف أن علماء الدين في الحكومة الثورية في إيران ترجموا موقفهم العلني ضد إسرائيل والغرب بمساعدتهم العنف والإرهاب من خلال جماعات كحزب الله و>حماس< والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين -القيادة العامة- والجهاد الإسلامي الفلسطيني!!.

وبهذا الصدد فقد أصبح في غاية الأهمية للولايات المتحدة أن تسارع في دفع عمليات السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام، فالخيارات السياسية ستضيق في عام 1996م عند إجراء الانتخابات الوطنية، لقد اشتدت وطأة السباق بين المفاوضات والعنف والإرهاب على أرضية إضعاف التأييد الإسرائيلي لعملية السلام، ولعل أسوأ تصور هو أن يشتد ساعد الإرهاب بينما تتوقف عملية السلام عن التقدم، إنه يتوجب على الرئيس ووزير الخارجية أن يستعملا تأثيرهما ومكانتهما كمحاور مشتركة بين أطراف التفاوض العربية والإسرائيلية بشكل مباشر ومستمر وأكثر نشاطاً حتى تصل المفاوضات إلى نهايتها فيما تبقى من الوقت لئلا تضيع فرصة تاريخية.. أما على المسار الفلسطيني-الإسرائيلي فالانتخابات وتوسيع نطاق الحكم الذاتي أهداف ضئيلة يجب تحقيقها في سنة 1995م، كما يجب أن يتم تعبيد الطريق لبدء مفاوضات المرحلة النهائية لبحث المواضيع الحساسة كالقدس والمستوطنات، أما على المسار الجغرافي الحساس، المسار الإسرائيلي- السوري، فمواضيع الأرض والسلام والأمن كانت جاهزة منذ بعض الوقت لتدفعها الولايات المتحدة بدورها الفاعل في المفاوضات إلى الأمام، إن الاجتماعات بين رؤساء الجيش في إسرائيل وسورية حدث إجرائي هام ويجب البناء عليه للتغلب على الخلافات بشأن الترتيباتالأمنية، فالتقدم على هذا المسار سيؤدي إلى تقدم مواز على المسار اللبناني، وبالتالي سيقود ذلك إلى سلام عربي-إسرائيلي شامل على جميع الجبهات.

دور الدين

خامسا : يجب على  حكومات الولايات المتحدة وهي ترسم سياستها لما بعد الحرب الباردة وهي تقف على عتبة القرن القادم أن تقدر دور الإسلام حق قدره في الشئون العالمية، ويجب أن نكون على استعداد لإكمال سياساتنا الاقتصادية والأمنية والسياسية من أجل إدارة الحوار بين الجماعات الدينية المختلفة عندما يكون ذلك صائباً.. إنه من الواضح أن تبادل وجهات النظر بين اليهود والمسيحيين والمسلمين سيساعد على تحقيق السلام والتفاهم في الشرق الأوسط، كما أن إنشاء روابط دبلوماسية بين الفاتيكان والأحزاب الدينية وإسرائيل يعتبر خطوة هامة لتحسين الحوار الديني بين المسيحية واليهودية، إنه دور مهم حتى بالنسبة لإسرائيل نفسها فيما يتعلق بعملية السلام، فالمجهود الذي قدمه رئيس الوزراء رابين في الماضي بخصوص اشتراك حزب شاس المتشدد دينيا في الحكومة الائتلافية يمكن أن يكون له وقع مهم على المحادثات الإسرائيلية – السورية حيث يعظ قائد حزب شاس الحاخام أوفاديا يوسف بأن قدسية الحياة تسمو على قدسية الأرض.

والحوار في البلقان بين الأرثوذكس الشرقيين والكاثوليك الرومانيين والمسلمين قد يساعد قضية السلام، كما أن بإمكان منظمة المؤتمر الإسلامي والعالم الإسلامي أن يوسعوا برامجهم التعليمية وجهودهم لحل الخلافات العربية كمحاولة لإيجاد نقطة اتصال مع الجماعات والمنظمات الدينية لتشجيع الحوار بين مختلف العقائد.. أما بخصوص جنوب آسيا فيجب بذل الجهود لتشجيع الحوار بين المسلمين والهندوس.

المقارنة بين الجسور والحيطان

هناك دراسات وأمثلة على رجال ذوي عقائد دينية اشتركوا في عمل سياسي لحل الخلاف عندما عجزت الوسائل الأخرى عن ذلك، فبالنسبة للمسيحية يمكن الاستشهاد بحركة إعادة التسليح الأخلاقي التي تلت الحرب العالمية الثانية بين فرنسا وألمانيا، ودور الكنيسة المينونية في المحادثات التوفيقية بين حكومة ساندانيستيا والهنود الميسكيتو في شرق نيكاراغوا في الثمانينيات، ودور الكنيسة الكاثوليكية في الفليبين أثناء ثورة 1986م، ودور جمعية الكويكرز في الحرب النيجيرية، ودور الكنائس في إنهاء التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وهكذا فنحن نرى مع أن هناك انطباعاً عاماً بأن الخلافات الدينية كانت وستبقى سبباً وحجة للخلاف والحرب، فإن هناك جانباً آخر، وهو أن أعمال الجماعات الدينية والأفراد قد تساعد في إيجاد حل للخلافات.

وبناء على ذلك يمكن القول أنه بالإمكان بناء الجسور بدلا من بناء الحيطان، وإن التحدي الذي يواجهنا ونحن نقف على عتبة القرن الجديد هو أن نقرر كيف يمكننا أن نطور قيمنا الخاصة بنا، وفي نفس الوقت نتعايش ونتفاعل مع القيم والعادات الأخرى التي ستستمر على مسارها الخاص بها، يقول (الإنثروبولوجي) عالم الإنسان كليفورد كريتز : >لا تستطيع فرض نفسك على العالم وكأنه لا يوجد فيه أحد غيرك، لأن هذا ليس صداماً بين الآراء، فهناك أشخاص مرتبطون بتلك الآراء، فإن كنت تريد أن تعيش بسلام فعليك أن تعرف بأن الناس الآخرين هم أشخاص حقيقيون مثلك<، وأما فيما يتعلق ببلدان قوس الأزمات ومركبتها الإسلامية فالحاجة ماسة لصياغة سياسة مترابطة للتعامل معها، وعناصر سياسة شاملة كالتي وردت في هذه الدراسة من شأنها أن تزيد من احتمالات نجاح الدبلوماسية الوقائية وحل الخلافات سلمياً، وبإمكان الولايات المتحدة إذا تصرفت بإبداع وحزم أن تظهر الدليل على قيادتها في هذا المفترق التاريخي في منطقة مهمة من العالم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>