بــارقة


الشيوخ الشباب والشباب الشيوخ

منذ أكثر من ثلاثين سنة بثثت كلمة باذاعة طنجة عن الشباب والشيخوخة، وكان المقياس الوحيد الذي يفرق بينهما الإنتاج العلمي وضربتُ مثلا بالفقيه التطواني رحمه الله الذي كان بيته مدرسة علمية عظيمة، لا يدخله عالم إلا وزاد علماً ولا طالب إلا وعاد بفائدة جديدة، فالرجل رحمه الله كانت مجالسه مجالس علم من الطراز العالي، وكذلك بالفقيه محمد المختار السوسي وبالفقيه محمد داود، وبأضرابهما من المؤلفين المغاربة الكبار الذين خلفوا لنا ثروة هامة من إنتاجهم رغم تجاوزهم الستين آنذاك.

وقد كتبت عن الشيخ الحاج الحسن بوعياد والذي ألف كتابا هاما عن الظهير البربري وأصدائه بالمشرق وطبعه ونشره على نفقته رغم قلة ذات يده رحمه الله رحمة واسعة، أما الشيخوخة فهي عدم الإنتاج والكسل والعجز ولو كنت في ربيع الشباب، ورحم الله العقاد الذيكان يقول عن أمثال هؤلاء : مات فلان شيخاً وهو في عنفوان شبابه. واليوم أمامي إنتاج غزير للشيخ الفقيه الأستاذ الحاج احمد الحبابي الذي عرفته عالما شاباً يدرس بالقرويين سنة 1947 وشاء الله أن نلتقي بفاس بعد سنوات من الغياب..

وهذا العالِم القروي الأصيل من ذلك الرعيل الذي لا تراه إلا مؤلفا وكاتبا ومدرسا ومحاضراً ومناقشاً ومناظراً، لا تكاد تجلس إليه إلا وأثار معك قضية علمية أو مشكلة من مشاكل الفكر الإسلامي أو نازلة من النوازل.. وقد أتحفني ببعض انتاجه وآخر ذلك : محاضراته في الأصول نظريات وتطبيقات ورسالته في موضوع : هل المؤمن يصله ثواب العمل الصالح من غيره.

وقد طرح هذا الموضوع للمناقشة، تقع هذه الرسالة في 66 صفحة واستعرض فيها آراء بعض أئمة الإسلام، ابتداءً من الإمام مالك الذي حظى هو وبعض المالكية بنحو نصف الرسالة، ومروراً بآراء الشافعي وأبي حنيفة والإمام أحمد، وانتهاءبرأي ابن حزم الظاهري..

وقد ناقش كل رأي أورده هؤلاء الأئمة، وفي الكتاب استخدام لبعض علوم القرآن والحديث والأصول، >كل هذا -كما يقول- عسانا أن نثير مناقشة علمية صريحة ونزيهة بين علماء الاسلام لينيروا للناس سبيلهم إلى ما هو حق وصواب بالمناقشة والحجة، إذ هما مظهر لحرية الرأي في التشريع الاسلامي، معاملات وعبادات< >ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة< ولنكون ممن يستمع القول فيتبع أحسنه” ص 6.

وقد أشرت على أستاذنا الكريم بما كتبه ابن القيم في بعض كتبه كالروح ومدارج السالكين، وهذا الموضوع ليستحق أن يفرد بدراسة خاصة وواسعة، لذلك تعتبر هذه الرسالة الهامة بداية لهذا المشروع العلمي الذي أثاره الشيخ أحمد الحبابي بارك الله في عمره.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>