أعلنت الأمم المتحدة سنة 1996 السنة الدولية لمحو الأمية -والمقصود هنا طبعا الأمية الأبجدية- وهي بادرة طيبة لأنه من العار أن تستقبل الإنسانية القرن الواحد والعشرين بهذا الكم الهائل من الأميين، مع العلم أن الانسان اكتشف الكتابة قبل حوالي سبعة آلاف سنة (تاريخ اكتشاف الكتابة هو 5000 قبل الميلاد)، كما أن الله سبحانه وتعالى أنزل على البشرية الألواح والكتب منذ أمد بعيد، وآخر كتاب نزل هو القرآن الكريم منذ حوالي خمسة عشر قرنا. هذا بالإضافة إلى أن العالم يعرف ثورة هائلة وكبيرة في مجال المعلوميات، الشيء الذي جعل المفكرين والخبراء ينعتون أمي القرن الواحد والعشرين هو ذاك الذي لا يعرف استعمال الحاسوب، وليس من يجهل القراءة والكتابة. وأمة "اقرأ" هوت واندحرت وأصبحت ضعيفة تابعة بعدما كانت متبوعة لأنها لم تعد تقرأ بل حاربت القراءة -كما بينا ذلك في العدد 37- ولن تعود إلى ما كانت عليه إلا إذا "قرأت"، «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». بالنسبة إلينا في "المحجة" لقد سبق لنا أن نشرنا سنة 1994 ثلاث مقالات قصيرة في هذه المسألة " المغرب ومحاربة الأمية" عدد 6؛ "قادرون على محو الأمية في سنتين" عدد 7؛ "تدابير مقترحة لتصفية الأمية" عدد 9، لذلك فإننا سنقتصر في هذا المقال على نشر بعض فقرات منها : «لما كانت نسبة الأمية في بلادنا تصل إلى 65% صُنِّفنا ضمن دول العالم الثالث، الذي تصل نسبة الأمية فيه إلى 50% فقط... يوجد أكثر من 200 ألف شخص يتلقون دروسا في محو الأمية... في الوقت الذي لا توفر فيه المدارس إلا 80% من المقاعد للأطفال البالغين من التمدرس، أي أن 126 ألف طفل وطفلة يتعرضون للأمية في سن مبكرة... إن ما يبذل في محاربة الأمية لا يساوي شيئا مقابل ما يولد من الأميين سنويا في مختلف مراحل التعليم، يحدث هذا في الوقت الذي تحتفل ألمانيا بوفاة آخر أمي في بلادها كما أن كوريا الجنوبية التي كانت بالأمس تعد ضمن الدول المتخلفة تراجعت نسبة الأمية فيها إلى حوالي 2% فقط... فهل نستطيع نحن أن نحذو حذو هذه الدول ونتخلص من هذا الوباء في زمن قياسي؟ خاصة ونحن ننتمي إلى أمة "إقرأ" التي التعليم فيها واجب والأمية إثم كبير...» (عدد 6). «في بلادنا حوالي 14 مليون نسمة يعانون الأمية، سيتم تقسيمهم إلى مجموعات أو فصول، كل فصل سيتكون من 20 شخصا بمعنى أن مجموع الفصول سيكون هو 700 ألف فصل. وبالنسبة لعدد سنوات الدراسة، فإن سنتين تعتبر مدة كافية للخلاص من الأمية الهجائية... يتلقى فيها المستفيدون 200 حصة كل سنة (الحصة : ساعة ونصف).. أما أماكن الدراسة فإن المشروع يحتاج لـ350 ألف حجرة دراسة، وفيما يخص هيئة التدريس فإنها ستختار من الشباب العاطل أساسا والعدد المطلوب هو 350 ألف مدرس -وللإشارة فإنه يوجد في المغرب حوالي 165 ألف عاطل من حملة شهادات الباكلوريا فما فوق -على أن يُمنح لهؤلاء المدرسين راتبا شهريا قيمته 1000 درهما، وهكذا فإن التكلفة الإجمالية السنوية للمشروع ستصل إلى 350 مليار سنتيم سيساهم المستفيدون بنسبة 80% أي 280 مليار سنتيم وذلك بأداء واجب شهري رمزي بقيمة 20 درهما والـ 20 % الباقية أي 70 مليار سنتيم ستجمع من التبرعات الشعبية والمساعدات الحكومية...» (عدد 7). «الإجراءات اللازم اتخاذها قبل وخلال وبعد العملية النهائية الشاملة لتصفية الأمية، والتي سبق وأن نعتناها بأنها عملية تاريخية. ستمر هذه العملية بأربع مراحل هامة : - المرحلة الأولى : وهي مرحلة إعداد البرامج والمقررات للمستويين الدراسيين.. - المرحلة الثانية : وهي مرحلة إحصاء وتصنيف المستفيدين.. - المرحلة الثالثة : مرحلة تكوين التلاميذ والطلبة الذين سيقومون بمهمة التدريس، وذلك لمدة شهر على الأقل في كل سنة، بالإضافة إلى بعض اللقاءات الدورية... - المرحلة الرابعة : مرحلة توزيع الحجرات والفصول والحصص على المعلمين..»(عدد 9). إننا في المغرب بدأنا نروج في إعلامنا للاهتمام بهذه السنة الدولية مثل غيرنا من الدول، إلا أن هذا الاهتمام كعادته ظل محدودا في مستوى الاحتفالية لا غير، ذلك أننا لم نطلع لحد الساعة على المبادرات التي ستقوم بها الحكومة في هذا الصدد، مع العلم أن رأس السنة الجديدة على الأبواب. وحتى وإن لم يسبق ولم يوازي هذه الاحتفالية أي مخطط وبرنامج للقضاء على الأمية في بلادنا، فإننا غير ملزمين دوليا للإنطلاق في هذا المشروع الحضاري في هذه السنة، ولكن هذا لا ينبغي أن يكون مبررا لتقاعدنا وتقاعسنا، وينبغي على الحكومة على الأقل أن تبدأ التفكير والتخطيط في حل لهذه المعضلة.