خواطر خريفية


الخاطرة الأولى : 
نقلت صحيفة "لوموند"(ع 13/10/95) عن الرئيس الفرنسي شيراك قوله متحدثا عن وزيره الأول : "لايمكن لأحد أن يستمر في الحكم إذا عارض الأسواق (المالية) والنقابات وأرباب العمل فضلا عن القضاة" ومعنى هذا أن الوزير الأول الفرنسي أخطأ في تعامله مع الأسواق المالية حين لم يستطع التخفيض من العجز، وفعل مثل ذلك مع النقابات حين لم يستطع إقناعها بقبول تجميد الأجور سنة 1995... ووقع في حيص بيص مع العدالة في شأن مسكنه ومسكن ابنه في باريس.. الخ
عندنا نحن في بلاد العرب والبربر ومماليك العبيد والغجر يمكن للحاكم أن يحكم إذا كان مُمسكا بالجيش والأمن ولو عارضه أهل البورصات والنقابات والجمعيات والطوائف والأحزاب وأرباب العمل والمنتظرون للعمل والمتقاعدون عن العمل وماسحوا الأحذية ومنظموا "الحْلاَقِي" السوقية، وبائعوا "الطيبوهاري" والفول المدمس ومحترفوا "الطرابندو" و"البيزنس"... بل إننا نعطي للحاكم 99.99% من أصواتنا ولو كان السؤال : هل تقبلون بيع الأرض والعرض لليهود مقابل سماحهم لنا باستنشاق الهواء واستمرار تسميتنا أمراء ورؤساء؟؟!
ندعو فخامة الرئيس جاك شيراك ودولة رئيس وزرائه إلى استدعاء خبراء من العربان في مجال الأمن الانتخابي والإعلامي والاقتصادي... حتى يدلُّوهما على كيفية الاستمرار في الحكم، وكيفية "طبخ" الانتخابات، و"صناعة" الأحزاب وعلاج "مرض" المظاهرات والاضرابات والاحتجاجات، وأصول منهج الاختطافات والمحاكمات والتحقيقات، وخفي الضغوطات، ومرتكزات إعلام الاستمرارية والاستقرار... فهل يفعل ذلك رئيس فرنسا ووزيرها الأول فيحكما فرنسا كما يحكم العربانُ إخوانَهم؟
الخاطرة الثانية : 
نشرت صحيفة "لوكنار أنشيني" بتاريخ 18-10-1995 رواية بنكية مفادها أن الديون المترتبة على الخزينة الفرنسية تصل إلى 3400 مليار فرنك فرنسي... وهذا رقم مخيف بالنسبة للمواطنين الفرنسيين.. إلا أنهم يعلمونه... ولهم من الأحزاب والنقابات والصحافيين مايكفي لتعريفهم بحجم ديونهم وسبل التخلص منها دون أن يتم حرمان مواطن واحد من الضمان الاجتماعي... ودون أن يتجرأ أحد على اقتراح خوصصة التعليم العمومي المجاني... ودون أن يصبح الكهرباء والغاز وحافلات النقل الحضري والمترو مِلكية خصوصية للمقربين... لأن مبدأ "الخدمة العامة" le service public من المبادئ والمصالح المقدسة في فرنسا سواء عند أهل اليمين أو أهل اليسار... فهل لا يقرأ الحاكمون عندنا هذا الذي نقرؤه ونسوقه إلى كريم عنايتهم؟ 
الخاطرة الثالثة : 
نشرت وسائل الإعلام الفرنسية خبر قرار الرئيس الفرنسي اللقاء بالحاكم العسكري للجزائر وذلك على هامش اجتماعات الدورة الخمسين للأمم المتحدة بنيويورك... واعتراض كثير من الصحافيين والسياسيين بل ورجال الأمن -عبر نقاباتهم- على هذا الأمر وكانت أهم حجج المعارضين لهذا القرار الرئاسي تتلخص في أن زروال لا يمثل الشعب الجزائري، وهو مرشح لانتخابات تعارضها الأحزاب الرئيسية الموقعة على عقد روما Le pacte de Roma، وأن هذا اللقاء سينقل العنف إلى فرنسا حيث يوجد أكثر من مليون جزائري جلّهم مقيم إقامة دائمة...
 وقرار الرئيس والاعتراض عليه من خصائص الديمقراطية العصرية التي نصح البنك الدولي بتوسيع نطاقها عندنا، فهل يمكن أن يحدث مثل هذا في بلادنا؟ هل يكون من حقنا الدستوري القول -مثلا- بأن اللقاء بقادة الكيان الصهيوني خطأ لأنهم يحتلون جنوب لبنان والجولان وبيت المقدس، وينتهكون اتفاقيات جنيف الدولية حول السجناء وحقوق الإنسان... الخ هل يمكن أن تصبح حرية النقد والتصحيح أكثر قداسة من الأشخاص والمناصب؟ هل يمكن لصحافتنا المكتوبة أولا والمسموعة ثانيا والمرئية ثالثا السير في هذا الاتجاه؟ هل تقبل أم الوزارات بهذا المنطق العصري العقلاني الديموقراطي؟ 
الخاطرة الرابعة : 
نشرت نفس الصحيفة على صفحتها الثانية خبراً مفاده أن هناك أسلوبين متناقضين للتعامل مع المهاجرين les immigrés : الأسلوب المؤسّس على الاحترام الكامل لحقوق الانسان، والأسلوب المنطلق من "أولوية النظام العام والمصلحة الوطنية"... ثم بيّنت أن الأسلوب الثاني هو المعتمد... والأسئلة التي تخطر على بالنا عند قراءة مثل هذه الأخبار المتعلقة بوضع جاليتنا هي :
1- تنشر مثل هذه الأخبار يوميا في الصحافة الفرنسية التي إذا ذُكرت الصحافة فهي الصحافة عند وزرائنا وكبرائنا فماذا أعدّوا لهذا الذي يقرؤونه وهم ساهون؟
2- هل تستطيع وزارة الخارجية وربع وزارة الجالية (نيابة كتابة الدولة!) جمع مثل هذه الأخبار والقصاصات والمقالات في كتاب سنوي أبيض يكون حجة علمية أكاديمية تدين العنصرية اليومية وانتهاك حقوق جاليتنا اللغوية والدينية والإدارية والاجتماعية... الخ.
3- تتوفر بلادنا على سفارة ضخمة فخمة في باريس، تقف أمام بابها كوكبة من السيارات الدبلوماسية الفاخرة الراقية الغالية، فما هي الخدمات التي تقدمها هذه السفارة لجاليتنا خارج المهام الروتينية المتعلقة بالجوازات والأوراق الإدارية؟ هل لهذه السفارة مركز دراسات وبحوث حول مشاكل ومستقبل جاليتنا؟ هل تنظم زيارات أسبوعية أو شهرية للمرضى في المستشفيات، والمحتجزين والمسجونين فوق التراب الفرنسي؟ هل فكرت في تعليم المغاربة الصغار لغتهم العربية بطريقة غير الطريقة الحالية الفاشلة بإجماع المحققين؟ هل تعمل هذه السفارة مع المغاربة في فرنسا كما تعمل السفارة الفرنسية مع الفرنسيين في المغرب؟ 
أسئلة وخواطر لا ندري هل تصل إلى مخ الذين أحلوا قومهم دار البوار، وبدلوا شكر نعم الله الظاهرة والباطنة فسادا وإلحادا «وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل»-العنكبوت 38-.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>