من عاصفة الصحراء إلى عواصف البوسنة و الصومال و الهند أو ملامح النظام الدولي الجديد محمد بدوي


البحوث والدراسات والاحداث التي يفترض من خلالها تنبيه الغافلين وترشيد السالكين لا تعد ولا تحصى، فمصير الأمة وما يُراد لها من “الآخر” أصبح هو المادة الإعلامية والعلمية الأولى عند وكالات الأنباء، ومجلات وصحف ومختبرات ومخابرات ومحطات ومراصد عالم الأغنياء الشمالي.
في كل صباح يُخرج الغرب عنا قصاصات إخبارية قد تكشف لنا ما نجهله عن أنفسنا ومحيطنا.. ولا ينتهي أسبوع أو شهر دون ان يكون مستقبلنا قد طرح على بساط البحث والتداول في مجالس مَلإِ النصف الشمالي للكرة الأرضية المتنوعة الأشكال والتخصصات والتي غالبا ما ينتج عنها مئات الكتب والدراسات وعشرات المواقف “والاختيارات” والقرارات “الأممية” و “الإقليمية” و”الوطنية”.
ولا تزال أمتنا بجامعتها العربية ومؤتمرها الاسلامي ووحدتها المغاربية او الافريقية ناهيك عن “عدم انحيازها”عاجزة عن تكوين مركز يجمع ويوثق ويصنف ويدرس ويترجم جانبا -اقتصاديا او ثقافيا أو دينيا أو سياسيا…- من هذا السيل الذي يغمر مطابع الغرب حولنا مع العلم أن لنا عشرات الآلاف من الشباب الحاصل على أعلى الشواهد الجامعية والمتحفز للخدمة والنهضة…
ولا يخامرني شك أن تحقيق هذا المقصد جزء من الطريق به تنفتح آفاق فقه الواقع ومقدمات “التنزيل الجديد” والاجتهاد المعافى من دخن الانحطاط..
نقرأ اليوم عن النظام العالمي الجديد بأقلام أصحابه الغربيين فلا نجد عند المسلمين وهم خمس العالم مجرد إحاطة كاملة بالموضوع كما هو مطروح عند أهله فضلا عن تأصيل وفقه ذلك وفق مقاصد الشريعة ولا شك أن تشخيص “النازية” وتحديد حجمها وظروفها وأسبابها وفلسفتها والآثار المترتبة عليها هو المقدمة الطبيعية “للإفتاء” فيها وقد استوقفني في هذا الإطار “العالمي الجديد” حوار أجرته صحيفة “لومند” الفرنسية اليومية(بتاريخ 22 – 12 – 1992 صفحة 2) مع ألان جوكس Alain Joxe المختص في الدراسات العسكرية والاستراتيجية، ومدير أبحات بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية Ecole des Hautes études en Sciences sociales (E H E S S) حيث يشرف أيضا على >مجموعة علم اجتماع الدفاع< " groupe de sociologie de la défence" وهو شقيق بيير جوكس Pierre Joxe وزير الدفاع الفرنسي السابق يتناول الحوار مواضيع متنوعة هي : - الموقف من الامبراطورية العالمية الامريكية الأحادية - وجهة النظر الفرنسية من النظام العالمي الجديد. - 2 غشت 1992 وخطاب جورج بوش بالكولورادو Colorado كلحظة انطلاقا لتصور النظام العالمي الجديد. - قضيتا البوسنة والصومال - اتفاقية ماستريخت حول الوحدة الاوروبية والنظام العالمي الجديد... ومن البديهيات التي قد لا تكون جلية في اذهان المستضعفين كما يجب، أن التأصيل والتنظير على ضوء "ثورة المعلومات" و "المقاصد"وتطوير الأساليب بموازاة مع ذلك شرط من شروط رفع الخطاب ومن ثم العمل إلى مستوى "البلاغ" المحمدي و "الشهادة" العصرية. لقد كانت سمة المرحلة الاستعمارية التي يمكن التأريخ لبدايتها الواضحة بسقوط غرناطة وسبتة ومليلية قبل سقوط الجزائر ودخول خيل نابليون الى الأزهر الشريف هي الاستئصال الثقافي والتجزئة السياسية... وبلغ كل ذلك أوجه مع اتفاقية سايكس - بيكو (1916) ووعد بلفور (1917) وإعلان "العلمانية" دينا رسميا لتركيا (1925) لأول مرة في تاريخ المسلمين... وكانت سمة "الاستقلال" هي ظهور أكثر من أربعين كيانا محسوبا على الاسلام منها ما تقل مساحته عن مئة الف كيلومتر مربع وسكانه عن المليون اوالمليوني نسمة... وفي ظل "الاستقلال" تم تركيز التجزئة والتغريب ليؤسس عليهما مسلسل التدمير والاستنزاف المنبثق من موازين وأهداف "النظام العالمي الجديد" يقول ألن جوكس >في يوم 2 غشت 1990 كان خطاب بوش الحامل للاستراتيجة الجديدة وفي يوم 19 شتنبر تم وضع مقولة النظام العالمي الجديد. كان خطاب أسبن Aspen بالصدفة يوم غزو العراق للكويت عرضا للنظرية العسكرية الجديدة للولايات المتحدة لما بعد الحرب الباردة، كان التحول يأخذ بعين الاعتبار انهيار المنظومة السوفياتية والتطور البطيء للاسلحة المتقدمة حيث تم الانتقال من عالم الرعب النووي والمواجهة مع الشرق إلى عالم الاسلحة “التدخلية” تنضج قبل حرب الخليج وقبل سقوط جدار برلين<(لومند 22 – 12 – 92) وكان محور النظرية الامريكية الجديدة يقوم على ثلاثة محاور : 1- في اتجاه الغرب هناك القوات الاطلسية ومجالها أوروبا والخليج. 2- في اتجاه الشرق هناك قوات المحيط الهادئ ومجالها الرئيسي كوريا واليابان وطيوان… الخ. 3- في اتجاه الجنوب : قوات التدخل السريع ومجالها النقاط الساخنة في أمريكا الجنوبية وافريقيا. ومن معاني هذا التقسيم ان الخليج لا يقل أهمية عن أوروبا بالنسبة لأمريكا وأن الخطة الجديدة تقتضي وجود نقاط ارتكاز دائمة وصالحة للاستعمال في كل وقت مما يوجب الدخول القوي في مسلسل تطويع أنظمة بعينها بكل وسائل التطويع حتى تكون طرق التدخل آمنة واحتمالات المفاجآت شبه منعدمة، وعلى هذا الأساس تعود المنطقة إلى عهد القواعد العسكرية بعد أن ادعت القطيعة معها والاكتفاء بما أسموه بالزيارات والتسهيلات العسكرية… لقد تكلم غورباتشوف عن “النظام العالمي الجديد” في خطابه بالأمم المتحدة يوم 7 – 12 – 1988… وقبله كان هذا الكلام رائجا على ألسنة بعض قادة دول “عدم الانحياز” مثل هواري بومدين وغيره إلا أن “المصطلح” استحوذت عليه أمريكا في شتنبر 1990 وأعطته مدلول الإشراف على تسيير العالم في إطار مؤسسات إقليمية وعالمية هي : - حلف شمال الأطلسي O.T.A.N - السوق الأوربية المشتركة C. E. E أو U. E - اتفاقية التعاون والأمن الأوربي C.S.C.E (التي اجتمع رؤساؤها الخمسون يومي 5و6 – 12 – 94 لتشييع جنازة البوسنة في بودابست) تتمة من عاصفة الصحراء الى عواصف… - الأمم المتحدة O.N.U - صندوق النقد الدولي F.M.I - اتفاقية التجارة الحرة والتعرفة الجمركية GATT - البنك العالمي B.M وتكون أمريكا بمثابة رئيس مجلس إدارة (P.D.G) هذه المؤسسات، وبها وبامكاناتها الضخمة تؤسس نظامها “العالمي الجديد”. ويقوم بتسويق “شرعية” هذه المؤسسات إعلام الشركات المتعددة الجنسية Multi – nationales وأشهر أعلامه من أتباع الطائفة اليهودية… وتعتبر المفاوضات الثنائية والمتعددة الاطراف ومَحْور السوق التجارية العالمية حول القطب الباسيفيكي الأمريكي – الياباني – الصيني – الاسترالي من جهة والقطب الأوربي المكون من ستَّ عشرة دولة فضلا عن المجموعة الشمال – أمريكية (كندا – الولايات المتحدة – المكسيك)… يعتبر كل هذا من سمات وخصائص ومكونات “العالم الجديد”. واذا كان الخطاب “البروباغندي” لهذا العالم الجديد يقوم على أساس تمجيد الديمقراطية والتعددية والليبرالية وحقوق الانسان ومكافحة الارهاب وتفعيل دور الأمم المتحدة ومواثيقها ومؤسساتها… فاننا لا نجد إلا ما يكذب ذلك جملة وتفصيلا… ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: - حرمان المسلمين المطلق من قضية حق تقرير المصير المنصوص عليها في “المقدسات” -المكدسات الأممية-في كل من البوسنة والهرسك، وكوسوفو، وسانجاك، وقبرص، وفلسطين، وكشمير، والشاشان والإينگوش، وتتارستان، وتركستان… الخ. - حرمانهم التام من حق الانتخابات الحرة النزيهة في أغلب البلدان وخاصة طاجكستان، وأوزبيكستان، وأدريبجان، وكيرغيزيا، وأندونيسيا، والعراق، وسوريا، والجزائر، وتونس… واللائحة تطول طول ليل المسلمين. - جعل العقائد اليهودية المحرفة ووجود اسرائيل وعدد ما يسمى بضحايا اليهود في الحرب العالمية الثانية فوق أي نقاش، وعدم استطاعة أي فنان (بمعنى حمار وحشي) أو أديب أو مسرحي إخراج شيء من ذلك في شكل هزلي فضلا عن الشكل الانتقادي الحر… ووضع عقائد الاسلام ومقدساته وقيمه في مواطيء الاقدام ومخارج الأزبال من سلمان رشدي إلى المرتدة تسليمة مروراً عبر “أساتذة” التطبيع والتضبيع وانتهاء بمنع المسلمات من حقهن في اللباس الحر في ديار “الإبريز”(نسبة إلى الابريز في اخبار باريز لصاحبه رفاعة الطهطاوي) وملحقاتها الأتاتوركية – البورقيبية – الاستئصالية. ولا استبعد في هذا الاطار أن يصدر قرار من مجلس الأمن “الدولي” قبل نهاية هذا القرن الميلادي معلنا للمسلمين أن القرآن الكريم – كما قالت المرتدة تسليمة – كتاب “متحفي” تاريخي، لا كتاب عقائد وشرائع وشعائر وأخلاق… ومن باب دعم السلام وحتى لا نعيش دائما في الذاكرة الجمعية والازدواجية فان مجلس الأمن بإجماع الدائمين يأمر بسحب القرآن الحالي من الاسواق لما فيه من كلام عن أرض الاسراء والمعراج واليهود “المسالمين” و “الأنفال” و “الفتح”… ويأمر بتعميم نسخة جديدة عصرية وديمقراطية ومطعّمة ببعض تراتيل “إنجيل الحب” و “مزامير داوود” مع حاشية تفسيرية توراتية – تلموذية تساعد المسلمين على “فهم” العصر الاسرائيلي الجديد و “تطهر” عقولهم وقلوبهم من الأحقاد التي توارثوها من التفاسير “الإرهابية” للطبري والقرطبي وابن العربي والشوكاني وبن عاشور ورشيد رضا وسيد قطب وسعيد حوى وبما أن “أولياء الأمر” تقبلوا بكل تفهم وضع القدس الحالي، فعليهم أن يفعلوا نفس الشيء مع الطبعة الأممية للقرآن، وبذلك تنتهي اسباب وجود “حماس” و”حزب الله” و”الجهاد الاسلامي” وتصبح الدنيا كلها سلاماً، وعاصمتها أورشليم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>