بأي حال عدت يا عيد!


يعرف ميدان التشغيل في القطاع الخاص ببلادنا خروقات خطيرة تمس بأبسط مقتضيات حقوق الانسان الشيء الذي حدى باحد أطباء التشغيل، أثناء زيارته لمناجم جرادة للقول بأنه لو قدر لاحدى جمعيات الرفق بالحيوانات أن تزور هذه المناجم لما وسعها سوى البكاء على حال العمال والذي هو أسوأ بكثير من حال كثير من الحيوانات.
فالمتتبع لخروقات التشغيل والوضعية المزرية التي يعاني منها العمال لا يكاد يصدق أن هناك شيئا اسمه قانون التشغيل يطبق في هذا البلد الأمين.
ومن جملة هذه الخروقات أذكر ما يلي على سبيل التّمْثيل فقط :
1- انعدام الظروف والضمانات الصحية :
بحيث لا تتوفر في كثير من المعامل خاصة تلك التي تستعمل مواد كيماوية خطيرة، قلت لا تتوفر على أبسط التجهيزات والوسائل لوقاية عمالها من اخطار هذه المواد، بحيث وجدنا العمال والعاملات يشتغلن بدون قفازات ولا واقيات الوجه (les masques) وفي أماكن ضيقة لا تتوفر على أي نافذة أو أي فتحة تسمح بتجديد الهواء!!
وفاجعة الاطفال الخمسة الذين أصيبوا بالشلل نتيجة استنشاقهم للزاق الأحذية (la colle) كان قد انقضى اجل استعمالها فلجأ صاحب المصنع النهم إلى اضافة مادة سامة إليها حتى تصبح صالحة للاستعمال فكان الضحايا خمسة اطفال أبرياء كانوا يشتغلون لمدة طويلة في حجرة ضيقة لا تهوية فيها ولامنفذ.
وهذه الفاجعة ليست الا واحدة من الفواجع العديدة التي تقع في غياب مراقبة صارمة من طرف المسؤولين عن التشغيل!
أما ما يقع في مناجم جرادة أو مناجم الفوسفاط فحدث ولا حرج حتى أن إدارة المنجم قد لا تعترف بالامراض التي تصيب عمالها وحتى إن اعترفت فالتعويضات زهيدة جداً، وأغرب مثال سمعته عن عامل قضى ازيد من عشرين سنة فلما أصيب بمرض عضال أعطي له بعد جهد جهيد تعويض لا يتعدى (350.00 درهما) كل ثلاثة أشهر! وذلك اعتماداًعلى راتبه عندما التحق بالمنجم سنة 1972!!
2- الاهانات والتحرشات :
في استجواب مع أحد العمال أجرته القناة الثانية قال الشاب العامل والدمع ينهمر من عينيه أن ما يلاقيه العامل يوميا من الذل والامتهان من طرف المشغلين لهو أسوأ بكثير مما تتعرض له بعض الحيوانات الضالة، حتى أنه أضاف بأن “الداخل الى المعمل مفقود والخارج منه مولود”.
أما الفتيات والنساء العاملات فنصيبهن من الامتهان والتحرش أوفر، فهن عاملات في المعمل طيلة اليوم وخادمات في منازل مستخديمهم في الليل، وكثيرات منهن يتعرضن لتحرشات جنسية من طرف رؤسائهن بل قد يخيرن بين اعراضهن أو الشغل، وكثيرات منهن يرضخن لنزوات المشغلين حفاظا على الشغل تحت طائلة الفقر والحاجة.
3- انعدام ابسط الضمانات :
ومع انعدام هذه الضمانات يصبح العامل المقهور تحت رحمة المشغل، يشغله أنى شاء وكيفما شاء وبأي ثمن شاء، وإذا مرض كان الشارع والضياع أنيسه ورفيقه!
وما ظاهرة إغلاق المعامل وتسريح العمال بالمرَّة إلا دليل على ماذهبت إليه، وللسائل أن يسأل -والحالة هاته- أين دور مفتش الشغل! ويأتي الجواب على لسان بعض العمال قامت القناة الثانية باستجوابهم؛ فصنف منهم لا يعرف مفتش الشغل ولم يسبق أن رآه في المعمل اما الصنف الثاني فيقول بأن دور مفتش الشغل غالبا ما يقتصر على المصالحة بين الطرفين مع الميل الشديد الى الطرف المشغل!! إذ غالبا ما تعمل الرشاوي والمصالح المتبادلة عملها في مثل هاته الحالات، والضحايا هم العمال الشرفاء!
هذا غيض من فيض مما يعانيه العمال والعاملات من بعض مشغليهم، وما خفي أكبر فمتى يتقي هؤلاء المشغلون اللَّه في عمالهم ويعطونهم أجورهم كاملة غير منقوصة ويحفظوا لهم كرامتهم وكرامة من يعولون! أم أن الجشع وحب المال والدنيا قد أعمى بعض البصائر فصارت تستبرئ أكل الحرام من عَرَقِ العمال الشرفاء وشرف العذارى والنساء الحرائر.. فيعملون بذلك على نشر الفساد والرذيلة بين الناس (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة<(سورة النور)

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>