لقد أصبح الاعلام اليوم اللسان الناطق لهذا العصر. وبفضل تطور الامكانات الاعلامية أضحى العالم كالقرية الواحدة إذ بإمكان المرء أن يصول ويجول في هذه النقطة أو تلك من الكرة الارضية دون عناء مكلف سوى القاء سمعه وبصره من مقعده ليعرف الاخبار عن أبعد بقعة منه، والجديد في عالم الصناعة والابداع والثقافة والادب والفن.
ومن ثم فإن من أخطر التحديات التي تواجهها الامة الاسلامية اليوم مشكل الغزو الاعلامي الذي أصبح اداة من ادوات ما يسمى >بالنظام العالمي الجديد< يبث من خلالها قيمه وثقافته. وان خطورة هذا الغزو تتجسد ليس فقط في احتكار الغرب وهيمنته على الصناعة الاعلامية، بل وأيضا في توظيف الامكانات الاعلامية الهائلة التي يتوفر عليها في سياق المعركة الحضارية التي يخوضها مع الاسلام.
بل أن الامر يزداد استفحالا عندما يلحظ المرء غياب إعلام عربي مستقل يعكس هموم الامة وقضاياها ويرسخ ثوابتها وقيمها الحضارية في مواجهة الثقافة والقيم الغازية ذلك أن هذا الاعلام وبفعل الهيمنة الاجنبية عليه، لا يعدو أن يكون مجرد تابع لصنوه الغربي ليس فقط في نوع الاخبار والقضايا التي يطرحها بل وحتى في طريقة معالجتها والمواقف التي يأخذها إزاءها. ويكفي أن نأخذ كمثال في هذا المقام موقف الاعلام العربي مما سمي بقضية >الاصولية< أو >الاسلام السياسي< فهذا الاعلام لا يكتفي بترديد ذات التعابير التي يستعملها الاعلام الغربي وإنما يربط >الاصولية< بالعنف والتطرف، والحال أن مصطلحات >الاصولية< أو >الاسلام السياسي< أو >الحركات المتطرفة< هي من صنع الاعلام الغربي وتنبع من خلفية الحرب الحضارية التي يخوضها الغرب مع الشعوب الاسلامية وارادتها في التنمية والتحرر.
اذن لسنا نجافي الحقيقة إذا قلنا بأن الاعلام هو سلاح ذو حدين، فبقدر ما هو أداة هدم يمكن أن يكون أداة بناء، ذلك أن الاعلام الملتزم بقضايا الأمة والمنظبط لثوابتها الحضارية، هو تعليم مستمر وتثقيف مثمر وتنمية حقيقية. ومن هنا فانه لا سبيل لأي نهضة حضارية إذا لم يعط الجانب الاعلامي حقه من العناية والاهتمام.
لذلك بات من الضروري أن تتضافر جهود كل المخلصين من ابناء الأمة الاسلامية وكل قواها الحية المؤمنة بالتغيير الحضاري الشامل، ان لا يبقى الاهتمام بالقضية الاعلامية مجرد هم، وإنما ينبغي أن يتعداه إلى وضع استراتيجية إعلامية شاملة وبالتفكير والسعي لايجاد الكفاءات الاعلامية المتخصصة فنيا وعلميا في الميدان الاعلامي، كما أن الامكانات الاعلامية المتاحة على بساطتها ينبغي توظيفها في نطاق تحصين الذات في مواجهة القيم الغازية لتقوم بدورها بموازاة وتكامل مع الجهود الفكرية والتربوية في شتى أبعادها والتي تسعى لايجاد الشخصية الاسلامية السوية والفعالة في مجتمعها.
فخلاصة القول إذن، ان أمة لا تملك زمام اعلامها وتسخره لصالحها، فهي أمة مهزومة لا مكان لها في مجتمع الاقوياء. زكية الزرهوني