الاعلام الاسلامي والحركة الاسلامية ومشروع التسوية


رئيس تحرير مجلة “فلسطين المسلمة” د. ياسر إبراهيم الزعاترة
في حديث شامل للمحجة عن :
الاعلام الاسلامي والحركة الاسلامية ومشروع التسوية

س : نبدأ بالسؤال الشبه التقليدي، نرجو ان يتفضل الأخ الاستاذ ياسر بتعريف نفسه للجمهور المغربي الذي لا يعرفه في غالب الأحيان إلا من خلال مجلة “فلسطين المسلمة”
ج : لقد عملت بالصحافة لمدة عشرسنوات كنت أقوم بدراسة على الصحف في المرحلة الأولى، إلى بداية سنة تسعين بدأت مع مجلة “فلسطين المسلمة” رئيسا للتحرير، ونصدر أيضا في الأردن مع بعض الشباب جريدة أسبوعية اسمها السبيل، وأكتب بشكل دوري مقالة أسبوعية في صحيفة يومية، صحيفة رقم اثنين في الأردن، وأكتب في صحف في الخارج أحيانا مثل : الحياة،… فليس لي مهنة سوى الكتابة والصحافة.
س : بالنسبة للكثير تعتبر “فلسطين المسلمة” كوثيقة تؤرخ للقضية الفلسطينية لمدة تقارب الاثني عشر سنة، وتؤرخ خصوصاً لمسار التيار الاسلامي في علاقته مع القضية الفلسطينية ويذهب الكثير إلى ربط هذا المشروع الاعلامي بحركة حماس، فهل هذا صحيح؟
ج : هذا يرتبط ببدايتها أصلاً فهي مجلة طلابية، وهي تابعة للاتحاد الطلابي الفلسطيني ببريطانيا الذي ضم طلبة منظمة التحرير، وفتح. والشباب الاسلامي حاول أن ينشئ إطاراً آخر فأنشأ رابطة أسماها الرابطة الاسلامية للشباب الفلسطيني في المملكة المتحدة وإيرلاندا، وحاول أن يصدر نشرة أو مجلة تحاول أن تعبر عن الوجه الاسلامي للقضية الفلسطينية وكانت تسير بشكل متعثر سنوات طويلة تصدر كل شهرين أو ثلاثة أو أربعة، بشكل يجسد نوعاً من الهواية لدى بعض الشباب يكتبون بعض المقالات وليسوا محترفين في عالم الصحافة، حَتَّى بداية عام تسعين، كان قد مضى حوالي ثلاث سنوات على المد الاسلامي وتصاعده في الانتفاضة… فصار لابد من نقلة أخرى في هذا الميدان، تسلمت المجلة، وحولناها من مجلة طلابية إلى مجلة مهنية محترفة، فبدأت منذ ذلك الحين بالصدور شهريا فلم تتوقف طوال الفترة الماضية أربع سنوات أو أكثر فأصبحت بذلك مجلة صحفية محترفة لها مراسلون وكتاب وصحفيون محترفون وليسوا هواة، حاولت أن تقدم في عالم الصحافة الاسلامية نموذجاً متميزاً خارج إطار الهواية وخارج إطار المقالات الإنشائية وحاولت أن تقدم تصورا تحليليا للقضايا التي تعالجها من قريب عن أصحاب الخبرة والقريبين من هذه القضايا.. والحكم يبقى للقارئ على مسيرة هذه المجلة، أما من حيث أنها تعكس التصور الاسلامي للقضية الفلسطينية فهذا مؤكد، وهي تعكس الفعل الاسلامي المتنامي، وهي لا تساوي طبعاً مجلة شهرية، فمجلة شهرية لا تستطيع أن تعكس حقيقة الفعل الاسلامي في القضية الفلسطينية لأنه أكبر من أن تعكسه مجلة شهرية، ولكنها حاولت بما تستطيعه أن تعكس هذا الهم وذلك إضافة إلى الهموم الاسلامية الأخرى والهموم الدولية التي تعني المسلمين في شتَّى أنحاء العالم.
س : يذهب بعض العاملين للإسلام إلى أن أولى الأولويات في المرحلة الراهنة هو تفعيل العملية الإعلامية للتعريف بالفكرة الإسلامية والتحدي لخصومها لذلك وجب العناية بالصحافة الإسلامية فما رأيكم في هذا الترتيب وهل باستطاعة “فلسطين المسلمة” تحقيق بعض المكتسبات، وربما أيضاً لم تذكروا بعض الصعوبات التي يمكن أن تعرقل سيرهافي علاقتها خصوصا بالتوزيع في بعض البلدان العربية فهل يمكن لكم أيضاً توضيح هذا الجانب؟
ج : الحقيقة، نحن كإسلاميين، أعتقد أننا خسرنا المعركة الإعلامية، إذا كنا قد تحدثنا عن المعركة الإعلامية فنحن خاسرون قطعاً وإذا اعتبرنا أن معركتنا وأولويتنا هي الإعلام فلا أظننا سنربح المعركة، فالآخرون لديهم ما لا يمكن أن يكون لدينا لا في القريب ولا في البعيد، لا نستطيع أن نواجه عشرات من شبكات التلفزة والإذاعات والصحافة اليومية، ليس للإسلاميين في أي مكان من هذا العالم صحيفة يومية ولا حتى أسبوعية دولية،… فمعركتنا في الحقيقة لا تتركز في موضوع الإعلام وحده، وإنما الإعلام هو جزء من الأدوات التي يجب أن نركز عليها بالتأكيد في محاولة نشر فكرتنا، وإنما نحن نملك رصيداً آخر هو رصيد الاقتراب من الناس في كل الـأماكن، لأن الاسلام يشكل ضمير الشارع العربي وضمير الشارع المسلم، وبالتالي يصبح هذا الاسلام يلهم ضمير هذا الشارع، أَمَّا التزييف الإعلامي الذي تمارسه أجهزة الإعلام فلا نتصور أنه سيلهينا تماماً، بالعكس، فبمبالغة الإعلام في وصفنا، في وصف الإسلاميين بالتطرف والإرهاب… له شق آخر أنه يكون دعاية -أحياناً- بالمجان للإسلام، بالنسبة للمعركة الإعلامية -كما قلت- فنحن خاسرون إذا كانت هذه هي المعركة الحقيقية، ولكن نحن كإسلاميين لابد لنا من أصوات تصل إلى الناس، إضافة إلى المنابر التقليدية التي نصل إليهم من خلالها لابد من منابر نحاول أن نفعلها ما أمكن، ونحاول أن نقنع بعض الميسورين بإن التجارة أو الاستثمار في هذا الميدان هو استثمار مهم لا يقل أهمية عن التبرع للمساجد ودور الأيتام… وبعض المؤسسات التي تأخذ الطابع المباشر في الدعوة، لأن الاستثمار في الإعلام قضية مهمة يجب أن يخوض فيه الميسورون من أصحاب المال، لأن المال والإعلام سيان أو صنوان لا يمكن أن يكون إعلام حقيقي بدون مال، فمجلة شهرية أو أسبوعية لم تعد تكفي لابد لنا من شيء أكبر، لكن هناك شق آخر يقف في وجه التيار الإسلامي هو الشق الرسمي شق الأنظمة وشق التعاون معها،فمن الصعب أن يسمح للإسلاميين أن يقيموا منابر صحافية حقيقية وقوية، وإذا فعلوا فسيصطدمون بالرقابة، فلا يمكن لك الآن أن تدخل صحيفة فيها أي نفس إسلامي ولو بنسبة (5%) إلى تونس على سبيل المثال ولا إلى الجزائر،… فهناك إشكالية السلطات الرسمية التي تحارب الإسلاميين وستحاربهم أكثر من المرحلة الجديدة بناء على أوامر الجانب الصهيوني. لذلك -أنا في اعتقادي- نحاول أن ننشئ أو نفكر في إنشاء بعض شبكات التلفزة في الخارج مثلا أو إذاعة تستطيع أن تصل إلى القارئ أو المستمع أو المشاهد العربي والمسلم دون رقابة، وهذا لعله يكون حلماً، ولكن هناك من يفكر في هذا الإتجاه، وعسى الله أن يمن علينا بالتوفيق.
س : الملاحظ أن الكثير من المؤسسات الصحافية الإسلامية هي قليلة الخبرة، وفي معظم الأحيان الصحيفة الإسلامية هي عبارة عن أوراق فكرية أكثر منها صحيفة أو مؤسسات إعلامية متخصصة، كيف يمكن للصحافة الإسلامية أن تجمع بين الخبرة وبين المعالجة الفكرية للقضايا؟
ج : أنا أعتقد أنه في التيار الإسلامي بشكل عام في المشرق والمغرب، حملة الأقلام قليلون إلى حد ما، وهؤلاء إن وجدوا فلا يجدون منابر تحتضنهم، ففي اعتقادي أن أي قدرات وإمكانات بشرية أو صحفية أو سياسية تحتاج إلى منابر تحتضنها، فإذا لم تجد المنابر لم تستطع أن تحيي المواهب، فنحن خلال تجربتنا في “فلسطين المسلمة” وفي جريدة السبيل استطعنا أن ننشئ مجموعة من الكتاب، يعني أن ندرب مجموعة من الكتاب والصحفيين الذين كانوا هواة ولكن تحولوا إلى الاحتراف مع الوقت، الحقيقة هناك ضحالة في التجربة الصحافية الإسلامية قطعا، في معظم الدول العربية. نجد صحافة أسبوعية في اليمن في الجزائر في المغرب…، وهي في الحقيقة صحافة هواة وليست صحافة احتراف، ولعل هذا راجع لقلة الخبرة من جهة وقلة المال من جهة أخرى، ولذلك فأنا أعتقد أنه يجب أن تعتمد الصحافة على المتفرغين وعلى المحترفين بالدرجة الأولى لكي تصبح صحافة حقيقية، وإلاَّ ستبقى صحافة هاوية لا قيمة لها، والمسألة تحتاج إلى قليل من الوقت والإرادة إضافة إلى المال والتفريغ بمعنى أن نكف على الاعتماد على الهواة والذين يبحثون عن كتابة المقالات يعني يجب أن يكون هناك احترام لمهنة الصحافة وتكوين أناس ممتهنين لهذه المهنة يقرؤون ويكتبون ويحللون، فالعدة البشرية هي الأساس.
س : ماهو وضع الاراضي المحتلة في ظل العلاقة الجديدة بين الاسلاميين وسلطة الحكم الذاتي وآفاق هذه العلاقة؟
ج : إن السلطة الفلسطينية الجديدة -سلطة الحكم الذاتي- لم تحدد نمط تعاملها وعلاقتها مع الاسلاميين، فهي لا تريد عمليات مسلحة، والاسلاميون يصرون على حقهم في مقاومة الصهانية أينما كانوا، وعندما تحدث عمليات تقوم السلطة باعتقال مجموعات من المجاهدين من حركة حماس والجهاد الاسلامي لبعض الوقت ومن تم يتم الافراج عنهم ولا يعرف في المستقبل ما الذي سيحدث إذا تم الانسحاب الاسرائيلي بشكل كامل -وهذا مستبعد-وفي الغالب ستكون العلاقة كعلاقة أية معارضة إسلامية بنظام ما داخل العالم العربي. وإذا استمرت المقاومة -في ظل عدم الانسحاب- فمعنى ذلك أن احتمالات الصدام ستكون واردة أكثر من أي وقت مضى على أية حال، الاسلاميون يحرصون على تجنب الصراع مع السلطة الفلسطينية بكل الوسائل الممكنة ولكنهم في الوقت نفسه يصرون على حقهم في مقاومة الاحتلال.
س : دائما في نفس الموضوع، كيف تتصورون مستقبل الانتفاضة خاصة بعد مشروع التسوية المزعومة؟
ج : يبدو أن الموضوع في هذا السياق معقد إلى حد كبير، المشروع الصهيوني في المرحلة الجديدة سيمتد إلى مختلف الوطن العربي ولن تكون القضية مقصورة في بعدها الفلسطيني، ومهما يكن فإن القوى الاسلامية ستستمر في مقاومة الاحتلال على الصعيد العسكري والاقتصادي والسياسي والثقافي والأخلاقي… أي على كل المستويات، لأن مشروع التسوية القائمة ليست نهاية التاريخ وإنما هي مرحلة وصفحة من الصفحات السيئة، ومع الزمن -بمقاومة الاسلاميين- سيقوضون هذا المشروع بما فيهم الاسلاميون في المغرب العربي وفي كل مكان لأنهم سيدفعون استحقاقات التسوية بمزيد من التضييق عليهم.
س : لقد تحدثتم في أحد مقالاتكم عن العنف وضرورة الترشيد في علاقة ذلك بالحركة الاسلامية…
ج : أنا في اعتقادي أن هناك من جماعات العنف الصغيرة، جماعات مخترقة من قبل أجهزة مخابرات عربية وأجنبية يجري توجيهها ضد الاسلاميين. وما تقوم به هو ضد المشروع الاسلامي وضد الخط المعتدل ولقد سمعتم بموضوع “الخلافة الراشدة”؛ منطق سخيف.
ومبدأ العنف ليس مبدأً مرفوضاً على إطلاقه، قد يصلح في مكان وقد لا يصلح في آخر.
س : توصف حركة حماس بعدم الواقعية في تعاملها مع تطورات القضية الفلسطينية…
ج : (مقاطعاً) نحن الاسلاميين رؤيتنا الواقعية تعني : إن هذا المشروع صهيوني، يريد أن يدوس على كل المنطقة ولا يمكن أن تكون هناك أية مهادنة معه. هذا المشروع ليس مشروع احتلال مثل احتلال البيض لجنوب إفريقيا، ممكن أن نتعامل معه عن طريق الدبلوماسية.. هذا مشروع من نوع آخر.. مشروع يريد الهيمنة على كل المنطقة فنحن غير مسؤولين عن كل التراجعات التي صنعتها الأنظمة، والانظمة لازالت موجودة.. أما نحن فبديلنا هو المقاومة على كل الأصعدة… وإذا كنت لا تستطيع تحرير بيتك فلا توقع بالتنازل عنه لعدوك..
س : ولكن كيف نتعامل مع المعطيات الواقعية؟
ج : الرواد والانبياء والمصلحون لا يعترفون بالواقع على هذه الشاكلة، الواقعية هي أن تحسن الواقع لتصل إلى ما تريد أما أن تعترف بالواقع وتوقع لأعدائك فهذا ليس واقعية.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>