“عالمات الدين”


لازلت أذكر أنه منذ مايزيد عن عقد من الزمن حينما جمعتني ظروف البحث العلمي في أحضان احدى الجامعات الفرنسية، ببعض كبار أساتذتها الذين ربطتني بهم صداقة متينة، مكنتنا من تجاذب كل مرة شتى أطراف الاحاديث. سألني ذات يوم أحدهم : هل عندكم نساء عالمات متخصصات في أمور الدين؟ فقلت له ماذا تقصد؟، فقال موضحا : إننا مثلا عندنا في الكنيسة لايحق للنساء في غالب الأمر أن يتجاوزن مرتبة الراهبات (Soeurs)، أما المناصب العليا فهي خاصة بالرجال، ومن ثم فإنه لايحق للنساء أن يتحدثن باسم الدين أو أن يتبوأن مناصب فيه.
فأجبته قائلا : انك كما تعلم ليس لدينا في الاسلام نظام يشبه النظام الكنسي، ولكن لدينا نساء متخرجات من مؤسسات جامعية تهتم بالدراسات الشرعية. ثم قاطعني قائلا : وهل يحق لهن أن يتحدثن في العلوم الشرعية من عقيدة وتفسير وحديث؟ فأجبته : بكل تأكيد إذا توفرت لهن الأداة والشروط، ثم سألته قائلا : ألا يحق للمرأة عندكم أن تتحدث في أمور الإنجيل وتفسيره وتأويله؟ فقال : إن ذلك من حق الكنيسة وحدها، والكنيسة كما ذكرت لك السلطة فيها للرجال لاللنساء.
إلى هنا ينتهي شريط الذاكرة. وإذا كان هذا هو الواقع عنده -وأحسب أنه كذلك- فاننا بحمد الله لسنا كذلك، فالمرأة التي تربت على مائدة الاسلام ونهلت من ينابيعه بإمكانها أن تتحدث في أمور الدين بل وتحاجج الرجال في ذلك، ويكفي أن نتذكر ماأتى عن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : >خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء< وقوله صلى الله عليه وسلم عن نساء الأنصار : >نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين<، وكذلك رد احدى النساء على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أراد أن يضع حداً لمهور النساء، فحاججته بقولها (ليس ذلك من حقك ياعمر) واستشهدت بالآية المشهورة، فلم يجد عمر رضي الله عنه إلا أن يقول >كل الناس أفقه منك ياعمر حتى النساء<. لكن في الوقت ذاته فان الذي نريد تأكيده هو أن ليس من ديننا ولا من تاريخنا ولا من حضارتنا (ولاحتى من تاريخ أوربا وحضارتها في الوقت الراهن بالنسبة لدينها) أن تتصدر الفتوى والخوض في آيات الله نساء من صنف الكاسيات العاريات بدون مؤهل علمي ولاخلقي، ويقلن : إن هذه الآية تدل على كذا او على كذا قصد تحريف الكلم عن مواضعه والالحاد في آيات الله، كما يحدث الآن في كثير من بلدان العالم الاسلامي وعواصمها في دكا وفي غير دكا. ومن الغريب كل الغرابة أن تجد مثل هؤلاء الحماية والدعم، من دول لوقُدر لنساءها أن يتحدثن في الانجيل او المسيح عليه السلام بمثل ما تحدث به هؤلاء النساء عندنا، لقامت قيامة الكنيسة. ولكن!. د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>