المرأة والوأد التربوي


قد يكون من المفيد ونحن بصدد هذه الثنائيات أن نتوقف قليلاً أمام قضية لاتزال تفرض نفسها على الفكر الاسلامي -والتربوي خصوصاً- المعاصر، ولايزال الكثير من جوانبها محل أخذ ورد وكأن تكرار القول فيها أصبح ملازماً للعقل الاسلامي ضمن خريطة محددة مسبقاً، وهي قضية المرأة وماتتمتع به وظيفتها التربوية من خصوصية، علماً بأن القضية التربوية عملية مشتركة من كل الوجوه تقريباً.
ومعروف أن خطاب التكليف بأبعاده المتعددة جاء عاماً للرجل والمرأة على حد سواء : عقيدة، عبادة، معاملة، أمراً، نهياً، موالاة، حقوقاً، واجبات… وجعل الله ميزان الكرامة والفوز : التقوى والعمل الصالح، وليس الذكورة ولاالأنوثة، لأنها أمور قسرية لايد للانسان فيها، ولذلك لا يقبل عقلاً أن تكون محل مسؤولية وتفضيل وإنما المسؤولية على الأمور الاختيارية.. وأن القوامة التي شرعها الله للرجل هي في الحقيقة مسؤولية إشراف وأهلية قيادة وليست تشريفاً وتفضيلاً..
إذن، فالخطاب عام إلا من بعض المساحات الخاصة التي ينفرد بها الرجل أو المرأة حسب الطبيعة النوعية ومقتضيات الوظيفة الاجتماعية.
لما تحكمت التقاليد الاجتماعية وحلت محل التعاليم الاسلامية، وحلت العقلية القبلية الجاهلية محل التربية النبوية، برزت ثنائية المرأة-الرجل التي لاتزال تفرض نفسها على الواقع الاسلامي حتى وصلت الأمور إلى درجة التطرف والغلو، فحرمت المرأة من التعليم والثقافة والعبادة في المسجد والولاء والبراء والقيام بمسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحمل الشهادة وأدائها… تارة باسم التفرغ لوظيفتها الاجتماعية وأخرى باسم الحرص على شرفها وعفتها وثالثة باسم فساد المجتمع وشيوع الفتن، وكأن وظيفتها الاجتماعية التربوية يمكن أن تؤدى وهي جاهلة بالحياة والعصور والمجتمع الذي يطلب منها تربية أولادها، ولاندري كيف يمكنها أن تخرج نماذج لحياة لاتعرفها، وكأن التربية تقتضي الجهل والغباء والعطالة بحيث تصبح أقرب لتنظيف البيت والطفل منها إلى التربية وكأن بعضنا أحرص من الله الذي شرع لها حدود وظيفتها.
وقد تكون الخطورة في إيقاف وتعطيل بعض التعاليم والأوامر الشرعية بحجة الحماية من الفساد كالخطورة في إلغاء أحكام الشريعة والخروج عليها بحجة عدم الصلاحية لهذا الزمان، وأظن أن الأمرين في النهاية يصدران عن عقلية واحدة وإن اختلف الاتجاه والنية.
لهذا أقول : إن تعثر العملية التربوية وفسادها في إطار المرأة أبلغ أثراً وأخطر شأناً منه في نطاق الرجل، وأن المرأة التي ادَّعَيْنا حمايتها أوتينا من قبلها، وعدنا من حمايتها والدفاع عنها فلم نجدها وصحونا بعد فوات الأوان لنرسلها إلى مؤسسات التعليم حيث المشرفات والمشرفون هم ممن تربوا خارج الاطار الاسلامي هم قدوتها… كل هذا كان يتم باسم الدين وممارسة مايسميه الدكتور حسن الترابي بالطاغوت الديني… وأعتقد أن الكثير من المواقف في السيرة وعهد الخلافة الراشدة (انظر كتاب : تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم أبو شقة. في ستة أجزاء، وهو من أفضل وأحق ماكتب عن المرأة بالاضافة الى قيمته العلمية التي اعتمد فيها على النصوص الصحيحة بالدرجة الاولى) لوحدث بعضها في مجتمعات اليوم لترتب على ذلك مسالك خطيرة من بعض الجهلة وسالت دماء غزيرة باسم حماية المرأة.
إن الوأد التربوي والنفسي والاجتماعي لايزال يتم -بعدما حرمه الله- لكن بصورة أكثر حداثة وإخراجاً، ومالم يستطع الفكر الاسلامي -والتربوي خصوصاً- اقتحام العقبة وفك الرقبة وإعادة الاعتبار للمرأة وتبصيرها بدورها كما شرعه الله لاكما شرعه البعض باسم الدين، وإعطاءها ماأعطاه الاسلام في الحياة الاجتماعية، فسوف يستمر الخلل ويستمر العجز ويكرس التخلف باسم التدين ومالم يتم التحرير من العبادات والتقاليد الممارسة على المرأة على يد رواد الاصلاح الاسلامي فسوف يكون الخروج عن التعاليم على يد أعداء الدين المفسدين في الأرض.
محمد البنعيادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>