ضوابط العمل الاسلامي 9/9 الضابط السابع : التركيز وتعميق المبادئ والمفاهيم.


ضوابط العمل الاسلامي  9/9

الضابط السابع : التركيز وتعميق المبادئ والمفاهيم.

آن عملية اقناع الناس بمفهوم معين ومبادئ معينة يحتاج الى وقت من جهة، والى متابعة ومراقبة من جهة ثانية، وكلما كثر عدد المستمعين إليك إلا كثر الضجيج وقل السماع، فبالاحرى الفهم والادراك. فاهل دار الارقم بن أبي الارقم امتن بناءً واعمق ايمانا من أهل العقبة، واهل العقبة اسمى درجة من عامة مسلمي المدينة، واهل بدر أقدر على تحمل التبعات والتكاليف من أهل الحديبية، وأهل الحديبية أفهم وأصقل وعيا من مسلمة الفتح، والمهاجرون قبل الفتح اصلب عوداً من المهاجرين بعد الفتح >لاَ يَسْتَوي مِنْكُمْ مِنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الذينَ أَنْفَقوا مِنْ بعْدُ وَقَاتَلُوا وُكُلاً وَعَدَ اللهَ الحُسْنَى<سورة الحديد : آية 10] >والسَّابِقون الأولون مِنَ المُهَاجِرينَ والأْنْصَارَ والذينَ اتَّبَعوهمْ بإِحْسانٍ رضي الله عنْهُمْ وَرَضُوا عنهُ<سورة التوبة : آية 100]. اذن فلابد من تجميع مايتناسب مع جهد المربي حتى يمكنه اسماعهم جميعا الكلام الموجه بتركيز مؤثر، ويمنع التأثيرات والاصوات الطنانة الخارجية من التسرب الى المسامع والافهام.

ذلك ان النفوس تميل الى اشباع رغباتها، ومن اشد رغبات النفس خطورة؛الحرص على الاكثار من كل شيء. وقد عاب الله سبحانه هذه الرغبة في النفس الانسانية فقال : >ألهاكم التَّكاثُرُ< نعم ان الانسان يحب الثراء الكمي العددي، في المال، في العلوم، في البنين، في الانصار، بل في كل شيء. وهو داء كل الناس كما يصيب الدعاة. الا أنه لا يمكن التغلب على هذا الداء إلا بالتربية العميقة. وترويض النفس على النظر البعيد. وتعويدها الصبر والمثابرة.

إننا نريد ان ينتصر الاسلام بسرعة، وتنتشر الدعوة، ويسلم المجتمع الانساني كله، لكن يجب الا ننسى ان الساحة الانسانية تعج بمبادئ ومفاهيم وإيديولوجيات اخرى اغلبها مناقضة ومناهضة ومعادية للاسلام. الشيء الذي يلزم ويفرض تعميق المبادئ وتركيزها عند المومنين بها حتى يصلوا الى درجة الدفاع عنها والتفاني في سبيلها. وأحيانا يقبل الناس على الدعوة وعلى الاسلام بأعداد هائلة، وجماهير غفيرة، فتاخذ العاملين في الحقل الاسلامي النشوة؛ نشوة الاكثار ان لم تكن نشوة توهم الانتصار. وما لَحِقَ ما لحق بالمسلمين في غزوة أحد إلا بسبب نشوة الانتصار التي صاحبتهم منذ غزوة بدر. وغالبا ما يكون هذا الاقبال الجماهيري ملهاة للنفس ولأَغْلَبِ الدعاة عن ترتيب الصف الداخلي. فيندس المتحمس. واحيانا العدو الى داخل الصف دون تمييز ولا تمحيص. وكلاهما يهدد الصف من الداخل. ذلك ان المتحمس الفائر سرعان ما يغضب ويندفع، ويسرع ويستعجل، وقد يدفع او يجر الجمع كله الى سلوك هذا النمط دون دراسة او تمحيص، فتتبدد القوى، ويقع الفشل. وغالبا ما يكون ميدان ذلك المتحمس هو القول ورفع الشعار، واطلاق الاصوات والصيحات الموهمة بالنصر. ولكن عندما ينزل الامر الى الواقع لتقديم المصلحة او المال او المنصب او النفس في سبيل الله فقل من يثبت، وهذه التجربة هي التي دفعت احد رواد الدعوة الى المصارحة بالقول فقال : >ان ميدان القول غير مندان الخيال. وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ. يسهل على كثير أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالا باللسان، وأن كثيرين يستطيعون ان يقولوا، ولكن قليلين من هؤلاء يثبتون عند العلم، وكثير من هذا القليل يستطيعون ان يعملوا، ولكن قليلا منهم يقدرون على حمل اعباء الجهاد الشاق والعمل العنيف. وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الانصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف ان لم تتداركهم عناية الله<مجموعة الامام. ص : 258] وهذا الفهم والادراك هو الدي دفع سيد قطب لينصح إخوانه في السودان عندما عج الشارع السوداني بالانتصار للاسلام والمسلمين فقال : >يجب ألا يشغلكم اقبال الجماهير عن تنظيم صفوفكم الداخلية، واعداد رجال يواجهون الشدائد ويثبتون<كتاب الشهيد. ص : 91].

وهانحن نرى السودان وكم مر بها من المحن، وما هو آت أدهى وأمر. ذلك ان امريكا ترتب اسلوب الدخول الى جنوب السودان لحماية حقوق الانسان. وما كان تموقعها في الصومال الا مقدمة لما رتبته كما صرح بذلك الخبراء الدراسون.

وختاما صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : >حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره<. وهذه سنن الله في الكون. >فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً، ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّة اللهِِ تَحْوِيلاً<.

ذ. محمد الصنهاجي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>