المغرب بعد الاحداث الاخيرة


المغرب بعد الاحداث الاخيرة

عُرِفَت الأشهر الأخيرة في المغرب بسرعة الأحداث السياسية والتي كان أبرزها : القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال افريقيا، والقمة السابعة لمنظمة المؤتمر الاسلامي، هذه الأحداث رغم أن الكل كان يجمع أنها ستخلف أحداثا ونتائج معينة على مستوى علاقة السلطة بالمجتمع وعلاقة المثقف بالسلطة، أو بين مكونات المجتمع بعضها مع بعض. وما كان يرتقب أن تقوم به العناصر الفاعلة في البنية السياسية المغربية، وخاصة تلك التي تملك الشرعية القانونية وبالأخص تلك التي تنتمي إلى >المعارضة<، ورغم أن شيئا من ذلك لم يكن أبدا ورغم النتائج العكسية لهذه الأحداث على الفرد والمجتمع والدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فإن الملاحظ العادي يندهش، ويتأسف على السياسة المفرطة في ذبح الشعوب من جهة، ومن جهة أخرى تجعل الأسف أشد على الوحل الذي انغمس فيه الإنسان العربي عموما والمغربي خصوصا الناتج عن اغتيال العقل. وفقدان الحس، لذلك كان لزاما علينا أن ندلي بدلونا، ونعمل على استشراف مستقبل بلدنا قبل فوات الأوان، وهذا لن يتم إلا عن طريق تتبع خطوات التحليل في الفكر الإستراتيجي كما حددها أحد أعلامه المغاربة : الأستاذ محمد بريش وهي على الشكل التالي :

أولا : الاستيعاب الواعي للماضي : معلوم أن التاريخ وعاء الفكر وسجل الزمن وضمير الشعوب والأمم، والأمة التي لا تملك ضميرا تاريخيا محكوم عليها بالموت أو الشقاء، والتاريخ ليس علم الماضي فقط بل هو أيضا علم الحاضر والمستقبل، ومنه أيضا يتشكل مركز الرؤية. وبناء عليه لو عدنا إلى التاريخ، ولا أقول كل التاريخ، بل تاريخ المغرب الحديث والمعاصر لوجدنا أن ثقافة الرفض والمقاومة والجهاد رغم واقع الإستعمار ظلت حاضرة في ذهن المواطن المغربي الذي كسر قيود المستعمرين الهمج وأغلالهم، ورفض وجود السرطان على أرضه، فحمل السلاح ونظم المظاهرات ومارس حريته فتحرر، ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن الذين صنعوا الإستقلال هم قمم عالية قاوموا الإستيطان، وزرعوا بذور الحرية، إلا أن الأقزام وكعادتهم حصدوا بسياستهم العنكبوتية وخطاباتهم المعسولة، ما زرعته بنادق المجاهدين، ولكنني متيقن أن دماء الشهداء لن تضيع هباء، وأن مغرب الأمس الذي كان ينشده المجاهدون سيعود لا محالة، وأن الحرية التي كان المغاربة يدافعون عنها في السهول والجبال، والأودية والهضاب في الواحات والرمال في الداخل والخارج ستعود، وسيعود الأمل والمجد، وسينبت الإستقلال وسط دماء المجاهدين محمد بن عبد الكريم الخطابي، الحجامي، موحا وحمو الزياني، أحمد الهيبة، عسو وبسلام، ماء العينين… وجيوش العلماء والوطنيين والشيوخ والأطفال والنساء والفتيات في كل شبر من هذا الوطن… إن هؤلاء لم يكونوا أبدا أغبياء إلا أنهم استشهدوا دفاعا عن هويتهم، وعن وطنهم وإنسانيتهم، لكن الأغبياء هم الذين تقاعسوا عن الجهاد، هم الذين حصدوا بسياستهم الماكرة ما زرعته أرواح المجاهدين ولقته دماؤهم، هم الذين طأطأوا رؤوسهم لأبناء القردة والخنازير حفدة خيبر وبني النظير وبني قينقاع، لكن الأغبياء هم “المثقفون” الذين ألجموا أفواههم عن الكلام وأداء رسالتهم، أين أنتم يا مثقفون، ألا تعلمون أن أمثالكم في الماضي كانوا خيرا من الأمراء، ألا تعلمون أن ألسنتكم صمتت، وأقلامكم جفت؟ أفي آذانكم وقرٌ أَمْ عَلَى أبصاركم غشاوة؟ ألا تعلمون أن صحفكم طويت، ألا تعلمون أن الأقلام رفعت عنكم، فأنتم الآن في حكم المجنون أو الصبي أو المغمى عليه؟ ألا تعلمون أن المعتمد بن عباد عندما استنجد بالنصارى، وأن المتوكل عندما استغاث بسبستيان كان لأمثالكم كلمة] فأين أنتم أيضا، هذا هو التاريخ دروس وعبر وروايات وأحكام (فاعتبروا يا أولي الأبصار) (وما يعقلها إلا العالمون) فاعقلوا واعلموا أنه :

إذا لم يكن من الموت بد          فمن العار أن تموت جبانا

إن التاريخ علمنا أن الموت والحياة صناعة، فلنعش ونحن سعداء أعزاء، أو لنمت ونحن نقاتل كل جرثومة تفسد ذوقنا بالأصل أو بالتبعية.

ثانيا : الفقه الشامل للحاضر : منطقيا إن الحاضر هو ابن الماضي ووليده الشرعي، ووَصْفِيا إن هذا الواقع، واقع التردي والإنحطاط، واقع تكميم الأفواه، وقهر الشعب المستضعف بالأمية والجهل  والفقر سياسيا، واقع خنق الحريات في أوان من زجاج، وحضاريا، واقع إقفال الأبواب بمفاتيح الصهينة والتهويد، وإجهاض الصوت الأصيل، عموما، واقعنا هو واقع اللاواقع الناتج عن غياب رؤية للفرد والمجتمع والدولة، رؤية حضارية تستشرف المستقبل، انطلاقا من استيعاب الماضي وفقه الحاضر، ومعرفيا هذا الواقع له جذور تاريخية بدون شك لكن بعد جولتنا الخاطفة في الماضي القريب لاحظنا أنه رغم الإستعمار كانت مقاومة،  لذلك نتساءل أين الخلل؟ أهو في فهمنا للماضي؟ أو في فقهنا للحاضر؟ أم إن هناك ثالثا مرفوعا نجهله؟ لذلك فإن الخرق اتسع على الراقع وبكل بساطة نتيجة عدم ضبط حركة التاريخ بصفة عامة عل المستوى الشعبي خصوصا فكان هذا الواقع.

إن أحداثاً مثل هذه التي يعرفها الواقع العربي عموما، وبلدنا المضياف المغرب خصوصا تستدعي من كل المواطنين الشرفاء والمناضلين الأمناء، والمجاهدين المخلصين الأتقياء تكثيف الجهود وتوحيدها وتجميعها حتى تكون أكثر فاعليةً، وأكثر قدرة على المقاومة والرفض والمواجهة والعمل على صد الواقعية السياسية التي تسير وفق المثل (عندما لا تجد ما تحب ينبغي أن تحب ما تملك)، إننا بذلك نقدم أنفسنا قرابين لآلهة الشر الفرعونية المُحنطة من الداخل بوَسْوَاسِ التهويد والتطبيع والصهينة والتضبيع، لأنها لا تملك الشعوب التي ينبغي أن تستمد مشروعيتها منها، فلذلك تفضل أن تتودد لأخس خلق الله >اليهود< الجرثومة التي تفسد الذوق وتساهم في تلاشي العنصر البشري، وأن تبادلهم الحب والمودة بدل البراء منهم. أو على الأقل معاملتهم بالحكمة التي قعدها القرآن.

ثالثا : الإستشراف المحكم للمستقبل : المستقبل بيد الله، هذا صحيح لكن الله أمرنا أن نتأمل (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) ورؤية الغد من هذا المنطلق لمن يفهم الكلام مرتبطة بالانسان، أي أن الإنسان قادر على صناعة غَده ومستقبله واستشرافه قبل أن يقع، وللمستقبل ماضي كما يقول رجال المستقبليات، وماضينا كما هو شأن الماضي وَلَّى وبكل بساطة، إذا بقي الأمر على ما هو عليه فإن ريح الصهيونية وقيمها -إن كانت لها قيم- ستلوث المناخ، وإن غيومها  وجراثيمها ستنتشر فوق سمائنا وعلى أرضنا الشيء الذي سيجعل من أمتنا عامة مجالا للسِّيدَا الفكرية والحضارية مما سينتج عنه فقدان المناعة ضد ميكروبات التطبيع والصهينة، وإن ما نخشاه أن تشتعل النيران يوماً ما في المستقبل في حظيرة اليهود، فينطلق رجال الإطفاء من الوطن العربي لإخماد الحريق، فاليهود شجرة لا تثمر، وإذا أثمرت ولدت الحنظل والكافور، وإن اليهود إذا دخلوا أرضا أفسدوها، وقتلوا أهلها، وقد قتلوا أنبياءهم، فلنحمل الزاد ما دام السفر طويلا، ولنعد العدة ما دام الأمر خطيراً، وليكن في مقدمتها العمل على خلق وإعداد الإنسان الرباني المجاهد، الحكيم ذي العقلية النقدية التأصيلية، إعداد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، إعداد الأقوياء الأمناء الأتقياء القادرين على حمل مشعل الهدى الذي سيفرج الكربة في المستقبل ويمحو عار الإنحطاط (ولينصرن الله من ينصره).

وخلاصة القول : إنني حينما أقول ينبغي أن نحكم استشراف مستقبل بلدنا فليس معنى ذلك ممارسة التنظير الفكري الفلسفي المجرد، بل ينبغي ألا يبقى هذا الكلام صيحة في واد ونفخة في رماد، ويبقى هذا الكلام استفزازا لما تبقى من المشاعر الحية، ونتمنى أن يكون منبها تنتج عنه استجابة حضارية واعية ومسؤولة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>