أى خطر أخضر؟ ! بقلم: ليون هدر
إن الولايات المتحدة كانت تطلق على الشيوعية >الخطر الاحمر< ، واليوم تطلق على الاسلام >الخطر الأخضر< وتقول عنه السرطان الذي ينتشر وينخر شرعية القيم الغربية ويهدد الأمن القومي، إن نظرية > المؤامرة الاسلامية الكبرى < تربط بين احداث متفرقة : انفجار المركز التجاري في نيويورك؛ الحرب الأهلية في الخرطوم؛ الهجمات الارهابية التي قام بها المتطرفون في مصر؛ شعبية الاحزاب الاسلامية في الجزائر وتونس؛ المساندة العربية لمسلمي البوسنة؛ عدم الاستقرار في الجمهوريات التي استقلت حديثا في آسيا؛ كفاح الشيعة في لبنان من أجل السيطرة السياسية؛ استمرار الانتفاضة الفلسطينية؛ سعي إيران إلى السيطرة السياسية والاقتصادية في الخليج وآسيا الوسطى… باختصار جميع المتغيرات ومظاهر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط التي حدثت بعد انتهاء الحرب الباردة كلها اعتبرت جزءا من مخطط كبير أعده الإسلام السياسي الدولي.
وقد انضمت إلى هذه الحملة مجموعة غريبة من الحكومات، بعضها تحتاج إلى وجود عدو حتى تضمن مساندة الشعب لها وبعضها الآخر قلق بشأن انعدام قيمتها الإستراتيجية اليوم بالنسبة للولايات المتحدة بعد اختفاء القوة المنافسة. وقد عرضت تركيا وباكستان بالفعل على الغرب خدماتها للتصدي للمخططات الإيرانية في آسيا الوسطى، وقدمت الهند نفسها كقوة واقعة ضد المخططات الإسلامية لباكستان، ووصف الصرب سياسة > التطهير العرقي < التي انتهجوها ضد مسلمي البوسنة بأنها جزء من الجهد لاحتواء انتشار الإسلام المتطرف في قلب اوروبا، واسرائيل التي ربطت بين الفلسطينيين والارهاب السوفييتي منذ خمسة أعوام تربط اليوم بين الفلسطينيين والاسلاميين المتطرفين، بل لقد ادعى رئيس الوزارة الإسرائيلي أن طرد حكومته لعدد كبير من الإسلاميين هو نضال ضد الإسلام المتطرف.
وهذه المواقف تذكرنا بدول العالم الثالث التي استغلت خوف الولايات المتحدة من > الخطر الأحمر < خلال الحرب الباردة فراحت كل واحدة منها تطلب ماتشاء لكي تقاوم هذا الخطر، حتى أوغندا طلبت مساعدات عسكرية من واشنطن لتقاوم التهديد الإسلامي الذي قد يجيئها من السودان !! إن هوس معادات الإسلاميين الذي استولى على أجهزة الإعلام الأمريكي وعلى الكونجرس قد أدى إلى شيء شبيه بمسرح اللامعقول. وساعدت الصحافة الغربية عموما على تشجيع هذا الموقف وربطت بين حركات اسلامية مختلفة وغير مرتبطة بدءاً بالإسلاميين في أفغانستان الذين دربتهم المخابرات الأمريكية ومرورا بالإسلاميين في إيران المعادين تماما للولايات المتحدة، ومن الإخوان المسلمين في مصر الذين يعملون داخل الإطار البرلماني، إلى المنظمات الإرهابية مثل حزب الله اللبناني، ومن السعودية الصديقة إلى ليبيا المعادية، ثم جاءت الدراسات التي تعدها بنوك التفكير لتضيف الألوان والأعماق إلى الصورة التي صنعها الغرب للإسلام!. وقبل أن تنساق الولايات المتحدة في تزعم حرب ضد الإسلام يجب على كلينتون إلقاء نظرة متفحصة متعمقة على ما يسمى بالتهديد الإسلامي أو التهديد الأخضر كما يقولون، ولن يجد إسلاما موحدا بل مجموعة مختلفة من الجماعات القومية والعرقية والدينية تتنافس فيما بينها على الحكم. فالإسلام ليس بالصورة التي رسمها له الغرب : أي صورة القوة الموحدة الكاسحة التي ستصل مرة أخرى إلى أبواب فيينا وشواطئ اسبانيا، والحقيقة هي أن الإسلام هو المهدد وفي موقف الدفاع عن النفس ضد أعدائه المتطرفين، ففي البوسنة وكوزوفو نجد أن المسلمين يذبحون ويبادون على يد الصرب الذين تربطهم علاقة قوية بالكنيسة الأرثوذوكسية الشرقية في آسيا الوسطى، كما أن الحرس الشيوعي القديم يقود بمساعدة القوميين الروس حملة دموية ضد المسلمين أدت إلى تشريد عدد كبير في تاجيكستان وأفغانستان، وفي الهند أيضا تحدث جرائم اضطهاد ضد المسلمين هناك على يد الأحزاب المعادية للإسلام، وغني عن الذكر ماتفعله منظمة جوش امونيهم الإسرائيلية المتطرفة من محاولات تصفية الحركة الوطنية الفلسطينية التي تضم كثيرا من المسلمين العلمانيين، وهناك أيضا العنصريون في فرنسا والنازيون الجدد في ألمانيا وطردهم للآلاف من المهاجرين المسلمين بأساليب بالغة القسوة والعنف.
إن الدور الإيراني حاليا ليس دورا ثوريا، وإنما يميل أكثر إلى الحفاظ على الوضع القائم وقد انضمت إيران إلى محادثات تركيا وسوريا بشأن التصدي للحركة الكردية واستقرار المنطقة الواقعة خلف القوقاز الجنوبية. كما حاولت أيضا أن تنهي الخلافات بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم كارابخ بشكل سلمي ولكنها لم تنجح، وفي الواقع إن إيران مثلها مثل الدول العربية وتركيا وإسرائيل تنتهج نوعا من الإستراتيجية المركبة مدافعة ومهاجمة في نفس الوقت طبقا لمصالحها القومية وليس طبقا للمصالح الإسلامية في منطقة آسيا الوسطى والخليج، وتنبع أساسا من ضرورة منع ظهور قوى معادية لها في هذه المناطق، وقد قامت إيران بتشجيع التعاون الإقتصادي والتجاري من خلال تشكيل مجموعة اقليمية على نمط التعاون الإقتصادي لدول آسيا الوسطى. وكان هدفها من وراء محاولاتها لتصدير رؤيتها الإسلامية إلى الدول المحيطة هو تقوية مصالحها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ولكن النتيجة لم تكن مرضية فقد وقف شيعة العراق إلى جانب حكومتهم في حربها ضد إيران وكان ذلك أكبر فشل لهذه السياسة لذلك فإن هذا الكابوس الذي يخيف الغرب وهو ظهور تتمة الموضوع في ص 7 >>>>>>>
تتمة موضوع : أي خطر أخضر؟!
إمبراطورية إسلامية بزعامة إيران لا أساس له، فحتى مصر في عز القومية العربية بزعامة جمال عبد الناصر لم تنجح في وضع أساس لوحدة عربية رغم اشتراك العرب في لغة واحدة وثقافة واحدة وطبعا دين واحد. كما أن الإسلام الشيعي في إيران وتاريخه المعادي للعرب، وصراعه مع العراق من أجل السيطرة على آسيا الوسطى، كل ذلك يضع المحاذير أمام قدرة إيران على أن تصبح العنصر الجاذب للعالم الإسلامي السني وكذلك الحديث عن تحالف إيراني سوداني لايبدو ممكنا لأن طهران والخرطوم لهما آراء ومفاهيم مختلفة في قضايا كثيرة، فمثلا رفضت السودان زعامة طهران لعزل العراق خلال أزمة الخليج، كما رفضت معاداة منظمة التحرير.
إن كثيرا من الدول مثل مصر وتركيا وإسرائيل وباكستان مستعدة اليوم لاحتواء التوسع الإيراني دون مساعدة من أي قوة خارجية، وفي نفس الوقت ربما تجد إيران نفسها تشترك في المصالح مع بعض هؤلاء المنافسين، فقد ساندت التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة ضد صدام حسين، وهي مثل إسرائيل تعارض قيام كتلة عربية موحدة في المنطقة.
مجلة “السياسة الدولية” بتصرف (1992)