مراكش: ندوة “الحافظ ابن عبد البر وجهوده العلمية في الغرب الإسلامي”


في إطار أنشطتها الثقافية والعلمية، نظمت جمعية الحافظ ابن عبد البر للتعريف بالتراث الإسلامي، ندوة حول شخصية الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر (ت 463هـ)، أحد أعلام الفكر والمعرفة الإسلامية في الغرب الإسلامي، أيام 28 – 29 – 30 من أكتوبر المنصرم بقاعة المحاضرات بالخزانة البلدية بمراكش، استدعي لها جماعة من الأساتذة المختصين في التاريخ وعلوم الشريعة.

وقد تناول المشاركون في هذه الندوة مختلف الجوانب التي تتعلق بشخصية الحافظ ابن عبد البر ابتداء من المؤثرات التاريخية في حياته والجانب العقدي عنده وجهوده في ميادين الفقه والأصول وعلوم الحديث، وكذا إسهاماته الأدبية والتربوية.

تشكلت الندوة من خمس جلسات، افتتح الجلسة الأولى. الأستاذ جمال اسطيري رئيس جمعية الحافظ ابن عبد البر للتعريف بالتراث الإسلامي، ذكّر فيها بأن هذه الندوة العلمية هي أول ما تفتتح به الجمعية نشاطها، شارحا سبب اختيار شخصية الحافظ ابن عبد البر محوراً لهذه الندوة باعتباره عالما مسلما أسدى خدمات جليلة للمذهب المالكي خاصة وللثقافة الإسلامية بصفة عامة عقيدة وفقها وحديثا وآدابا، يحسن بالمثقف المسلم أن يرى من خلاله التكامل العلمي الذي كان عليه أعلام الأمة.

بعد ذلك قدم الأستاذ عمالك من كلية الآداب بمراكش عرضا بعنوان : “المؤثرات التاريخية في حياة ابن عبد البر” تلاه عرض للأستاذ محمد مخلص تحدث فيه عن حياة ابن عبد البر وآثاره العلمية.

أما الجلسة الثانية فقد تمحورت حول الجانب العقدي عند الحافظ ابن عبد البر من خلال كتاب “جامع بيان العلم وفضله” وهو عنوان البحث الذي قدمه الدكتور الأمين الإسماعيلي من كلية الآداب بالرباط، والذي حظي باستحسان الحضور، وبمناقشات مستفيضة من طرف الأساتذة والطلبة.

وفي اليوم الثاني افتتحت الجلسة الثالثة بعرض قيم للدكتور المهدي الوافي من كلية الحقوق بمراكش، سجل فيه نماذج من اختيارات ابن عبد البر الفقهية. تلاه عرض للدكتور جميل مبارك ضمّنه نظرات أصولية استقاها من خلال مؤلفات الحافظ، مذكرا في البداية بأن شخصية ابن عبد البر تبدو في علوم الحديث أبرز منها في علم أصول الفقه، ومع ذلك فإن له إسهامات في هذا العلم مكنته من بناء منهج متميز فيه من أهم سماته : أنه يمزج بين أصول الفقه والفروع الفقهية – يجعل أصول الفقه شديد الإرتباط بفقه الحديث، كما يظهر اغتناؤه الشديد بما يمكن تسميته بعلم الأصول التطبيقي لأنه أراد أن يكون علم أصول الفقه مواكبا متجددا، إضافة إلى أنه وطد دعائم الأصول التي سار عليها الإمام مالك في مذهبه.

وفي نفس السياق ألقى الأستاذ محمد فتح الله اسطيري من كلية الحقوق بالمحمدية عرضا تطرق فيه إلى إسهامات ابن عبد البر في علم أصول الفقه، مُنَوِّهاً بدور هذا العالم في بناء القواعد الأصولية، واصفا إياه بأنه قد بلغ درجة المجتهد المطلق لأنه كان يجتهد داخل المذهب وخارجه.

وبخصوص الجلسة الرابعة فقد خصصت لاستجلاء عطاء الحافظ ابن عبد البر في علوم الحديث من خلال ثلاثة عروض، العرض الاول للاستاذ ابو مالك محمد باقشيش تناول فيه شخصية ابن عبد البر المحدث الذي حاز على أعلى مراتب التزكية عند المحدثين فهو حافظ مكثر وإمام، فقيه، حجة، ثقة… إلى غير ذلك من الألقاب السامية التي استحق بها أن ينخرط في عقد علماء الجرح والتعديل باقتدار.

وقدم العرض الثاني الأستاذ جمال اسطيري الذي انفرد بالجانب التطبيقي عند ابن عبد البر في ممارسته الحديثية، كشف فيه عن قدرة الحافظ على الانتقاد والتصحيح والتضعيف بما توفر لديه من وسائل المحدثين النقَذَة.

أما العرض الثالث فقد تقدم به الدكتور ايت سعيد الحسين من كلية الآداب بمراكش تحدث فيه عن تجديدات الحافظ ابن عبد البر في الجرح والتعديل موضحا مجالات التجديد في النقد الحديثي عنده.

وفي الجلسة الختامية الخامسة كان مقررا التطرق للجهود الأدبية والتربوية عند ابن عبد البر، لكنه أثناء انعقاد الجلسة غاب الجانب الأدبي باعتذار الدكتور عباس ارحيلة عن الحضور لإلقاء عرض بعنوان : “مقدمة ديوان أبي العتاهية لابن عبد البر”. وحضر الجانب التربوي من خلال العرض القيم للأستاذ محمد ويلالي الذي تناول فيه التنظير التربوي عند ابن عبد البر من خلال كتاب “جامع بيان العلم وفضله”.

وهكذا اختتمت ندوة “الحافظ ابن عبد البر وجهوده العلمية في الغرب الإسلامي” بعد أن سجلت نتائج هامة تتعلق بهذا العالم المغربي، كما تتعلق بالمعرفة الإسلامية بصفة عامة وهي كما يلي :

- أثر الشيوخ العلماء على شخصية ابن عبد البر العلمية والتربوية.

- صلاحية منهج المحدثين المبني على التتبع والإستقراء، وقدرته على انتاج العلماء الأجلاء الذين يجتهدون في بناء قواعد علمية ضابطة، وهذا يدل على أن العلم لا يعرف التوقف وإنما هو عطاء واستمرار.

- أهمية النقد في المعرفة الإسلامية، وأنها الوسيلة الوحيدة الكفيلة بضمان نماء المناهج العلمية الإسلامية

التوصيات

1- العناية بالتراث الإسلامي دراسة وفهما وتحقيقا من أجل اكتشاف ذرر العلم وجواهر المعرفة، التي تُنَوِّر فكر المثقف وتوقفه على غَنَاءِ مصطلحات العلوم الإسلامية.

2- العناية بتراث الحافظ ابن عبد البر دراسة وتحقيقا فما أكثر الجوانب العلمية التي لا زالت في حاجة إلى بحث وبيان، وما أكثر تراث ابن عبد البر الذي هو في حكم المفقود.

عبده عمر:  مراسل “المحجة”/مراكش

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>