إن كاتب هذه السطور درس الطب سبع سنوات طويلة مليئة من عمره، فلم يسمع كلمة الله من أحد من الذين يختصون بالدراسات الطبية العميقة سواء على مستوى الطب الطبيعي أو على مستوى الطب المرضي، إلا أن تُذكر الكلمة عرضا وبسرعة، أو أن يفتتح الكتاب بجملة (بسم الله الرحمن الرحيم). ثم تقرأ وتقرأ، مئات الصفحات حتى تفرغ من الكتاب فلا تشعر بلمسة إيمان، أو نبضة روح من المؤلف أو المترجم أو الناقل…. آيات تمر، ومعجزات تسطر، ومع هذا لا يتحرك وجدان، ولا تستيقظ نفس (وكأين من آية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون). وحقا إن الآية بالذات لا فائدة منها إلا للمتفكر والمتأمل والمتدبر (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون).
وتقرأ كتابا لمؤلف آخر فتراه يعرض الآية القرآنية مبتورة وبمنتهى السرعة…. فياأيها القارئ، بالله عليك، ما فائدة الآيات إذا لم توصل إلى الإيمان، وهل يكفي أن نقول أن الماء فيه سر الحياة وفيه خواص عجيبة ومدهشة، ثم نأتي لنستشهد بالقرآن فنقول : (وجعلنا من الماء كل شيء حي) وباقي الآية؟! فلتُبلَع!! إن تتمة الآية هو المقصود من سوق الآية… فالماء وغيره آية تشده البصيرة وتقود إلى الإيمان، ولذلك كانت الآية القرآنية كما يلي : (وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون) سورة الانبياء .
وطالما سار الامر في هذا البحث، فلنسمع شهادة التاريخ وشهادة العلماء، لا لندعم به إيماننا، ولكن لنحاكم أولئك الذين لا يصدقون إلا بما يقوله أصحاب الأسماء الرنانة، والشهادات العريضة، ونسوا أن الانسان مهما بلغ علمه، وارتفعت خبرته فإنه لا يحيط بالوجود، ولا ينفذ إلى خزائن الأسرار. لأنه مركب من نقص، وضعف وقصور، وهوى،(يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا) سورة النساء.
لنذكر أولا إحصائية قام بها العالم دينرت عن كبار العلماء والفلاسفة في القرون الاربعة الأخيرة، وكان عددهم 290 عالما فوجد ما يلي: 28 منهم لم يصلوا إلى عقيدة ما، 242 أعلنوا إيمانهم على رؤوس الاشهاد و 20 لم يكونوا يبالون بالوجهة الدينية، وهذا يعني أن 92% أظهروا إيمانهم أمام الناس، وهذا ما يثبت الفكرة التي طرحناها لأمتنا، وهي أن العلم والطب هما من جملة محاريب الإيمان، ولنسمع إلى أقوال بعض العلماء في هذا الصدد :
1-الطبيب المشهور باستور : >الإيمان لا يمنع أي ارتقاء كان لأن كل ترق يبين ويسجل الاتساق البادي في مخلوقات الله، ولو كنت علمت أكثر مما أعلم اليوم، لكان إيماني بالله أشد وأعمق مما هو عليه الآن< .
2- الدكتور”وتز” عميد كلية الطب في باريس وعضو أكاديمية العلوم، وكيميائي : >إذا أحسست في حين من الأحيان أن عقيدتي بالله قد تزعزعت وجهت وجهي إلى أكاديمية العلوم لتثبيتها<.
3- باسكال : >صنفان فقط من الناس يجوز أن نسميهم عقلاء : الذين يعرفون الله والذين يجِدّون في البحث عنه لأنهم لا يعرفونه<.
4- إينشتاين : >إن الإيمان هو أقوى وأنبل نتائج البحوث العلمية. إن الإيمان بلا علم يمشي مشية الأعرج، وإن العلم بلا إيمان ليتلمس تلمس الأعمى<.
5- إدمون هربرت، جيولوجي ذائع الصيت، مدرس بجامعة السوربون : >العلم لا يمكن أن يؤدي إلى الكفر، ولا إلى المادية ولا يفضي إلى التشكيك<.
6-فابر : العلامة المؤرخ الطبيعي : >كل عهد له أهواء جنونية، وإني أعتبر الكفر بالله من الأهواء الجنونية، وهو مرض العهد الحالي، وأيسر عندي أن ينزعوا جلدي من أن ينزعوا مني العقيدة بالله<.
7- ألبرت ماكوب ونشستر، أستاذ الأحياء بجامعة بايلور وعميد أكاديمية العلوم بفلوريدا سابقا : >إن اشتغالي بالعلوم قد دعَّم إيماني بالله حتى صار أشد قوة وأمتن أساسا مما كان عليه من قبل، ليس من شك أن العلوم تزيد الإنسان تبصرا بقدرة الله وجلاله، وكلما اكتشف الانسان جديدا في دائرة بحثه ودراسته، ازداد إيمانا بالله<
8- إسحق نيوتن : >إن هذا التفرع في الكائنات وما فيها من ترتيب أجزائها ومقوماتها وتناسبها مع غيرها ومع الزمان والمكان لا يمكن أن تصدر إلا من حكيم عليم<.
مقتطف من كتاب “الطب محراب الإيمان” للدكتور خالص جلبي.