انها البداية فماهي النهاية؟ (تعليقا على إدراج رواية نجيب محفوظ في مقرر الثانوي)


ان اعتناء الانسان بمظهره شيء جميل، فالنظافة وحسن السمت من الاخلاق المرغوب فيها، وتربية افراد الامة على هذا السلوك امر محمود، بشرط ان لايقف عند المظاهر، فجمال المظهر اذا لم يكن منسجما مع المخبر شَانَ الجمال وأفسده ونفَّر الناس منه، وهل تَغبط امراة عاقلةٌ الباغيةَ الفاجرةَ مهما كان جمالها وظرفُها؟ وهل يغبط رجلٌ عاقلٌ الفاسقَ الفاجرَ مهما كان مركزُهُ ومَحْتِدُهُ، على الرغم من اختلال الموازين الاخلاقية اليوم؟!.

لقد ابتليت هذه الامة بالمظاهر، فضاع منها الحاضر، وسيضيع منها المستقبل اذا لم تُعدْ النظرَ في علاج هذا الداء. وأبسطُ مثالٍ أقفُ عنده في هذا الواقع المتردي، رواية “بداية ونهاية” لنجيب محفوظ، والتي مرَّرَتها وزارة التربية الوطنية في دراسة المؤلفات بالسنة الاولى ثانوي، الشعبة الادبية، مُفْتَتِحَةً بها الاصلاح الجديد لمقررات التعليم الثانوي.

وقبل ان اقف قليلا مع هذا الاختيار السيء انقُلُ لكم بعضا من تلك المظاهر البراقة التي اشرتُ إليها في البداية، من وثيقة رسمية صدرت عن الوزارة المعنية سنة 1994 بعنوان: “هيكلة التعليم الثانوي”، فقد ورد في الصفحة الخامسة المعنونة باغراض التعليم الثانوي مايلي:

>- تكوين المواطن المعتز بمغربيته وعروبته واسلامه. (لاحظْ انَّ الاسلام يحتل المرتبة الثالثة).

- تكوين المواطن المتحلي بالقيم الحميدة والضامن لاستمرارية الكيان المغربي بهويته الثقافية والحضارية على قاعدة الاقتناع بضرورة الوحدة المغاربية باعتبارها تمهيدا للوحدة العربية الشاملة<.

كما ورد في الصفحة السادسة: > وبناءً على ذلك فانه يمكن تحديد اغراض التعليم الثانوي في جعل المتعلم:

- متشبثا بعقيدته الاسلامية وفق المذهب المالكي، قادرا على تحقيق التوازن بين القيم الروحية والقيم المادية ( مَعْذِرَةً ياإمامنا فمذهبُكَ فوق رؤوسنا ونأْبى أن نُنْزِلَهُ الى واقعنا ).

- معتزًّا بمغربيته وباصالة حضارته وبانتمائه الى الامة الاسلامية والوطن العربي وافريقيا، واعيا بضرورة تحقيق وحدة المغرب العربي، كمرحلة نحو تحقيق الوحدة العربية المنشودة.

- مؤهلا ليساهم مستقبلا في تكوين اسرة منسجمة ومتوازنة قِوَامُهَا التلاحُمُ الوِجدانيُّ وحسنُ التنظيم < (ص7). (والرواية المقررة تعزز هذا الاتجاه!).

هذه الفقرات المُدَبَّجَةُ، والاختيارات المؤكَّدَةُ، تُدمي قلب الحسود، وتؤرق جفنَ العدو اللدود، ولايشاهد الا المختارَ المقبول.

فمامصداقية تلك الغايات والاغراض المسطرة في نظامنا التعليمي المتجدد مع إلزام تلامذتنا المراهقين بدراسة بداية ونهاية؟.

ما هي الاهداف التي سنحققها في تربية شبابنا المُرتَجَى لبناء وطن الغد؟ وماهي المزايا (الخفية) التي لاتوجد في غير هذا المؤلَّف، والذي من اجله نال هذا الامتياز في بلدنا الكريم المضياف؟.

ألايوجد في ادبائنا-ومااكثرهم-من يستحق ان يكون انتاجه موضوع دراسة لابنائنا، فيعتز الابناء بالآباء، ونقوي وحدة الصف في الامة عن طريق تشجيع الطاقات لبناء الذات؟.

ان اختيار رواية “بداية ونهاية” في مقرر السنة الاولى ثانوي جرم عظيم في حق أبنائنا وامتنا، إنه اختيار يكرس الانحدار الاخلاقي الشائع، ويقوي تيار المتحللين المستهزئين بالقيم الاسلامية لهذه الامة، وهو بالتالي تعليمٌ للرذيلة والفجور على مقاعد الدراسة.

فما هو الجانب التربوي الذي أغرى لجنة الاختيار لتفرض على ابنائنا قراءة الفضائح ودراستها بشكل منظم؟ وما هي القيم الاخلاقية والجمالية التي غابت عنا وظَفِرَ بها اصحاب القرار؟.

إن من يقارن بين اغراض التعليم الثانوي التي سطَّرَتها الوزارة ومحتوى هذه الرواية يصاب بالتقزز والغثيان والقيء، ويكون لديه الدليل القاطع على اننا مظهريُّون، نغطي الفضائح والرذائل بخِرَقٍ من حرير.

لمثل هذا يذوب القلب من كمد    إن كان في القلب اسلام وايمان!

تلك هي بداية الانسلاخ، عفوا، الاصلاح، فانظر كيف ستكون نهايته؟.

نرجو من الكريم الشافي ان يجنِّبَنَا” الخُبْزَ الحَافِي”، وصدق الله العظيم اذ يقول: > ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وانتم لاتعلمون< النور19.

محمد المرنيسي

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>