افتتاحية : ملامح الرشد في المصالحة التاريخية بين التيارين: الإسلامي والقومي


نشرت جريدة >الصحوة< -عدد 37- المغربية مشكورة البيان الختامي الصادر عن الاجتماع التأسيسي للمؤتمر القومي الإسلامي، الذي تضمن عدة قرارات في غاية الأهمية بالنسبة للمرحلة التي تجتازها شعوبنا العربية والإسلامية.

وسوف أقف في هذه العجالة عند نقطتين اثنتين :

أولهما : ماجاء في التوصية العاشرة التي تقول : >التأكيد على حَقِّ كل القُوَى السياسية في مباشرة العمل العام في ظِلِّ الشَّرْعِيَّةِ الدُّسْتُورِيَةِ، والمشروعية القانونية<.

والمستفادات الكبيرة الظاهرة للعيان من خلال هذه التوصية يمكن تلخيصها فيما يلي :

أ- إقْبَارُ العداوة التي كانت مُسْتحَكَمَةً بين التيارين لمدة عقود طويلة، أُرِيقَتْ فيها دِمَاءٌ، وأُهْدِرَتْ طَاقَاتٌ وجُهُودٌ كان من الممكن توفيرُها للبناء بدل الهَدْمِ.

ب- الاعترافُ المتبادَلُ بين الطرفين بوجود الآخر، فلقد مضَتْ عقودٌ كان فيها كُلُّ تيار يَتَجَاهَلُ الآخر ويُقْصِيهِ من الساحة السياسية والفكرية والوطنية، كأنّه أَجْنَبِيٌّ أو ليس له وجود، الأمر الذي كان يَدْفَعُ الآخر المُلْغَى إلى أن يَعْمَلَ على إثبات وجوده في الساحة، بل وسَيْطَرَتِهِ عليها، بكل الوسائل، ولايخفى ما في هذا التنافس من تضييعٍ للوقت، والمال، وتَمْكِينٍ للأَجنبيِّ من التدخل في القضايا الحساسة للشعوب العربية والإسلامية.

ج- توحيدُ الجهودِ لمخاطبة الأحزاب والنظم الحاكمة بِلُغَةِ العقل والرشد، ومُحَاصَرَة الفئات الجامحة، عساها ترتفع إلى مستوى العصر ومستوى الأمة التي تحكمها وتتلكم باسمها.

د – تأسيسُ أدبياتِ جديدة تستقي من معين الحضارة الاسلامية ذات القيم الخالدة، التي يتَّسعُ صدرُها لكل التوجهات الراشدة، فهذه الادبيات من شأنها تعديلُ نظرة كلٍّ طرف للآخر، ومحوُ منظومة من المصطلحات المشحونة بمفاهيم كوَّنَتْهَا المذاهبُ المستوردة، والمشاعرُ غيرُ البريئة.

اما النقطة الثانية فهي التوصية الثامنة والاخيرة التي جاءت في التوصيات المتعلقة بالمهام المرحلية، ونصها: > تكليفُ لجنةِ المتابعة بالسعي لدعم الحوار بين الحركة الاسلامية والدولة في اكثرَ من قطر عربي وخاصة في القطر الجزائري <.

واهمية هذه النقطة تتجلى فيما يلي:

أ – التفاتِ المؤتمر الى العُنصُر المظلوم، وهو التيار الاسلامي، الذي تواطأت كلُّ الانظمة على إبعادِهِ عن الساحة السياسية، بعدة اشكال سافرة وملتوية، وفي هذا مافيه من الظلم، وتعميقِ الجرحِ، وتكوينِ البؤَرِ القابلةِ للإنفجارِ، وإهدارٍ للكرامةِ، والمالِ، والزمنِ، والطاقةِ…

ب – الإلتفاتُ الى القُطر العربي الذي يعاني مأساةً حقيقيةً بسبب الاصرارِ على حرمانِ التيار الاسلامي من كلِّ حقوقهِ السياسية، هذا القطر العربي هو الجزائر التي لم تجدْ بعدُ الشجعانَ القادرين على فتح ابواب الحوار، والتخلصِ من عُقَدِ الماضي، والإصغاءِ للغرباءِ المصطادينَ في الماءِ العَكِرِ.

وهذا يدل على ان المؤتمر عاش واقعَ الشعوب العربية، وَوَعَى أدواءَهَا، وحاول ان يخرج بقرارات تمثل الادوية المناسبة لمشاكل العصر، وامراض الانهيار والانبهار.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>