من المعلوم أن الشباب هو قلب الأمة وعمودها الذي عليه تقوم والمادة الخام التي منها تتشكل. فتصلح حالة الأمة كلما أُحسن تشكيل هذه المادة وتطويعها فيما يخدم صالح هذه الأمة. وتفسد كلما شُكل من هذه المادة نماذج مشلولة فاسدة يُشل على إثرها كيان الأمة أجمع.
والكلام الأخير يصدق على الأمة الإسلامية التي يعرف أغلب شبابها فراغا روحيا وضعفا إيمانيا وفقدانا للوازع الديني، كما تتجاذبه أمواج متلاطمة من الفكر الغربي أفقدته بشدة جَذْبها الوعي بذاته والإحساس بحقيقة الأشياء.
وأمام هذا الواقع، كنا ننتظر ممن يمسكون بدوالب العملية التعليمية أن يُراعوا في تخطيطهم التعليمي واقع الشباب المزري فيصدروا برامج تُنمي فيهم الوعي بالذات والإحساس بالواجب. وكنا نظن أنهم سيعملون جاهدين لانتشال شباب الأمة من زحمة الأوحال الفكرية لِتَرُدَّهم إلى سعة عقيدة الإسلام الطاهرة ليسري ماؤها في سلوكهم فإذا بهم جيل فعال، عامل مقدام يغيظ الكفار. وكان أملنا كذلك أن نرى برامج تعليمية تستجيب لتطلعات الأمة الإسلامية والحاجة بها ماسة أكثر مما مضى إلى بناء فكر واع يَنْشُد سلامة الأمة، وإلى تكوين هادف للشباب حتى يدركوا دورهم ومسؤولياتهم المستقبلية. ويعرفوا موقع أمتهم في ميزان القوة فيكون لهم ميزان تصوري يزنون به الأمور ويحافظون به على هويتهم وذاتهم ويخرجون به من ورطة التقليد الأعمى إلى عالم الإبداع والابتكار و الإنتاج، ومن سدور الغفلة إلى ميدان اليقظة ومن خطر الإعراض اللاواعي إلى رحاب التصديق ومن ظلام الهوى إلى نور الهداية.
كنا ننتظر.. وكنا نظن… وكان أملنا… ولكن!!
ولكن للأسف، مع توالي الأعوام لا ينتهي موسم دراسي إلا ويتخرج من المدارس شباب بَاعُهُمْ كبير في الإعراض عن الدين، وحظهم كبير في بحر الميوعة، قد زُرع في أرض قلوبهم الخصبة سمٌّ قاتل شلَّ حركتهم وأنهك قواهم، فأحال منهم خشبا مسندة وجثثا ملقاة على نَعْش التاريخ يحملهم المعلمون والأساتذة بأيديهم إلى مقبرة الضياع والحرمان مستبشرين مبْتهجين أو”غافلين” تدفعهم من الأعماق حماسة مفرطة لحمل النعش تحت تأثير تشجيعات الساخرين وتصفيقات الحاقدين من الخونة والماكرين.
وخير ما تقوم به الحجة لهذا الكلام. ما حدث في أول السنة الدراسية الحالية حيث فوجئ التلاميذ الوافدون على السنة الأولى من التعليم الثانوي بتغيير لمجموع المقرر الدراسي الذي كان معتمدا فيما مضى. وبما أن هذه السنة بالذات هي سنة انتقال التلميذ من عالم إلى عالم آخر تتبدل فيه عقليته وتنفتح له آفاق جديدة تتنمى معها مداركه، كان من اللازم على المكلفين بالعملية التعليمية أن يهدفوا بتغيير المقرر – الذي يزعمون – على لسان أحدهم – بأنه تغيير من الحسن إلى الأحسن – أن يهدفوا إلى تغيير عقلية التلميذ كذلك من الحسن إلى الأحسن وجعلها عقلية بناءة رشيدة. تفكر بجد وحزم لصالح الأمة بما يعود على الجميع بالنفع، وبذلك تعود للتعليم مكانته ودوره الحقيقي في تكوين الأجيال وتخريج الصالحين وأسلمة التصورات والأفعال.
ولكن ما حدث في هذه السنة مما يندى له الجبين وما تنبو منه الطباع وتمجه الأسماع. حيث أن من جملة ما تم تغييره من الكتب: مؤلف “وادي الدماء” لمؤلفه “عبد المجيد بنجلون” وتعويضه بمؤلف آخر هو “بداية ونهاية” لمؤلفه “نجيب محفوظ”.
فإذا كان المؤلف الأول يهدف إلى بناء الانسان المواطن الصالح بغرس قيم المواطنة وبث روح التضحية في نفس القارئ، فإن المؤلف الثاني جاء على العكس تماما. فَجُل فقراته تهدف إلى إثارة مشاعر القارئ وإلى إذكاء نار الشهوة وتحريك الوحش الجنسي المسعور الذي غذته أفلام التلفاز بآلاف اللقطات الخليعة وطعمته المجلات السافرة بشتى أنواع الصور النسائية المبتذلة. وبعبارة أخرى إن هذا المؤلف هو الوجه النظري لما يشاهده الشباب في الأفلام من خلاعة وما يعانونه في الواقع من ابتذال وميوعة. فهو يُحرض الشباب بمكر للاستجابة لنداء الوحش الغريزي المسعور بلا ضابط مستغلا فراغ الشباب الروحي وضعف الوازع الديني في قلوبهم وغلبة الهوى على النفس وصدق قول أبي الحكيم الوراق : (إذا غلب الهوى أظلم القلب وإذا أظلم القلب ضاق الصدر وإذا ضاق الصدر فسد الخلق وإذا فسد الخلق أبغضه الخلق) وهذه هي علة العلل.
إن رواية “بداية ونهاية” مسلسل من صور الخلاعة وحياة الجنس المكشوف، وحلقات من فقرات يوصف ويكشف فيها كل مستور في المرأة ووصف لكيفية ممارسة الزنى وربط العلاقات بين الجنسين…
قرأت الرواية وقلبي يتقطع كمداً على من سيقرأها من شباب المسلمين ويتحسر غيرة على هذا الشباب المسلم المسكين الذي تتربص له أيدي القردة والخنازير وعبدة الطاغوت لتُرْدِيه قتيلا يحمل على نعش التاريخ إلى مقبرة الضياع والحرمان.
قرأت الكتاب وأيقنت تواً أن الذين يضعون البرامج التعليمية يريدون أن يجعلوا من التلاميذ فقهاء جنس وعلماء خلاعة. ومخترعي خطط وطرق جديدة في إنشاء العلاقات الغرامية بين الجنسين. وما يحمله الكتاب أدهى وأمر.
لو كانت الرواية من تأليف رجل غربي لكانت الصدمة أخف ولكان وجه الاستغراب فقط حول الغاية من تسطير هذا المؤلف في مقرر دراسي، ولكن الاستغراب هنا يأتي من وجوه متعددة.
أولها : أن المؤلف عاش بين أحضان أمة إسلامية يعرف جيدا مصدر قوتها وضعفها، ويعرف أن مصدر الصلاح والفساد قلب الإنسان لذلك صوب سهام فكره لهذا القلب ليوخزه بطعنات توقظ في النفس وحش الشهوة المسعور.
وثانيهما : أننا بنص الدستور شعب مسلم، لذا يجب على المختصين تسطير مؤلفات تسير في ظلال الإسلام، وتهدف إلى تثبيت قيمه في أعماق التلاميذ، فنستغرب حول غاية هذا المؤلف خاصة في فترة يفقد فيها الشباب حصانة فكرية ومناعة تصورية.
وثالثها : أنه من الحكمة والتعقل إستبدال ماهو خير بما هو أدنى ولكن الذي وقع عكس ذلك، إذ تم استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، أي تم استبدال مؤلف يزرع بذور الشهوة والجنس لتنتج أشجار الهوى المثمرة لأشواك الفساد والغي والضلال، بمؤلف كان يزرع قيم المواطنة والتضحية.
رابعها : إن المرحلة التي تمر بها الأمة حاليا تقتضي اختيار مؤلف من المؤلفات التي تستجيب لتطلعاتها وتنمي في الشباب قدرات وإمكانات تهيئهم لتحمل المسؤوليات والإحساس بالواجب الحقيقي بدل الواجب الذي يريده نجيب محفوظ من خلال روايته حيث يقول على لسان أحد شخصياتها : “أعظم واجب في هذه الدنيا أن تلاعب فتاة جميلة تحبها”.
والوجوه التي تدعو إلى الاستغراب كثيرة. ولكي يقوم الشاهد على ما أقول، فسأقدم مستقبلا -إن شاء الله- تعليقا بسيطا حول بعض اللقطات التي يتضمنها الكتاب.