المعارضة الجديدة بعد الحكومة الجديدة


يعرف المناخ السياسي العام بالمغرب عدة تحولات مهمة، ولكن هذه التحولات تتم ببرودة شديدة رغم الحملات الإعلامية المكثفة من جانبي الحكومة والمعارضة، التي تهدف إلى تسخينها والرفع من حرارتها. والسبب في ذلك هو غياب التجاوب الشعبي.

وأهم هذه التحولات السياسية هو تكليف الأقلية البرلمانية المشكلة من “الأحزاب الإيديولوحية”، وذلك لأول مرة في تاريخ المغرب المستقل. معنى هذا أن “الأحزاب الإدارية” المتكتلة فيما يعرف ب”الوفاق الوطني” ملزمة بلعب دور المعارضة -حسب قانون التداول على السلطة والمعارضة-، ولكن السؤال الذي يُطرح هو : هل بإمكان هذه الأحزاب التي تفتقد إلى الكثير من صفات الحزب العصري (مثل : التنظيم المحكم القائم على مراتب عضوية مرتبطة بالمستوى النضالي للأعضاء؛ ومواقف واضحة من كل القضايا السياسية والاجتماعية والإقتصادية والثقافية سواء على مستوى القطر أو على المستوى القومي أو العالمي؛ ومؤسسات ومراكز تعمل على إنجاز وتطوير برامج ومواقف ومناهج الحزب في الإستقطاب والتأثير؛ وهيئات ومنظمات شعبية تعمل على تأطير مختلف الفئات الشعبية في مختلف المجالات كالنقابات والجمعيات الثقافية والتربوية والمنظمات الحقوقية…؛ ومؤسسات إعلامية تابعة للحزب بشكل جزئي أو كلي تعمل على نشر أفكار ومبادئ ومواقف الحزب بشكل منتظم ومضبوط…) أن تقوم بالدور الذي كلفت به (دور المعارضة) أحسن قيام؟

أظن أن هذه الأحزاب بعيدة كل البعد عن هذا المستوى لأنها وُجدت لتكون في السلطة ولم تُوجد لتكون في المعارضة، بمعنى آخر فهي أُنْشِئَتْ لتعارض المعارضة من خلال السلطة، وجماهير السلطة -كما هو معروف- هم الأعوان والموظفون الإداريون وقوات الأمن وأجهزة المخابرات والقوات المسلحة… وهي بطبيعة الحال أقوى من الجماهير الحزبية الضعيفة عدداً وعدة.

لذلك فالمغرب مُقبل على تجربة سياسية جديدة تتمثل في الانتقال من مرحلة ثنائية “الحكومة والمعارضة” إلى مرحلة “الحكم والحكومة”، مما سيؤدي إلى وضع جديد، قد يؤدي بالأحزاب الإدارية إلى الاختفاء لأن دورها قد انتهى، وبالتالي يمكن أن نتصور نشأة معارضة جديدة، وهي متمثلة في المعارضة المباشرة من الشعب للحكومة، التي سيتعارض جزء منها وخصوصا الأحزاب الرئيسية فيها كحزب الاستقلال والإتحاد الإشتراكي مع بعض من توجهات وتوجيهات الحكم.باختصار فإنه ستظهر معارضة مزدوجة : معارضة داخل السلطة، ومعارضة من خارج السلطة ومن خارج الأحزاب التقليدية وكذا الأحزاب الإدارية التي ستتقزم وستنتهي إن لم تندمج فيما بينها وإن لم تُزرع فيها عناصر وأجزاء من الأحزاب الإيديولوجية التي ستنفصل لأسباب إديولوجية أوسياسية…

  أحمد الفيلالي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>