الحركة الطلابية : وقفة مع المسألة الثقافية


الحركة الطلابية :

وقفة مع المسألة الثقافية

البنعيادي محمد

مقدمة :

ونحن نتتبع تطور الحركة الطلابية المغربية، نسجل عدة تراكمات نضالية لايسع المجال لحصرها، سواء كانت سلبية أو إيجابية، هذه التراكمات التي ارتبطت دوماً بكفاح الشعب المغربي المسلم. ولهذا، سوف نقتصر في هذه الورقة على النشاط الثقافي الطلابي كواجهة مركزية في رأينا أذكت روح الاستمرارية ومعانقة التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وصيانة وحفظ الهوية الطلابية وأعرافها وتقاليدها.

قراءة في واقع الحركة الطلابية :

يشكل واقع الحظر العملي رغم نفي الجهات الحكومية الرسمية لذلك الحظر وواقع التشرذم والصراع والتآكل الداخلي للحركة الطلابية، يشكل كل ذلك حاجزا موضوعياً وذاتياً في وجه تطور العمل الطلابي بالجامعة المغربية. ويمكن حصر بعض التجليات فيما يلي :

الشق الموضوعي :

ü إغلاق المقرات الطلابية ممثلة في منظمتها العتيدة أ و ط م، مع منع الأنشطة النقابية والثقافية والاجتماعية مما أدى إلى تفشي ظاهرة “الامية النضالية” والكَلِّية والغثائية داخل الساحة الجامعية.

ü  سد باب التواصل والحوار مع الإدارة والمسؤولين، واعتقال مناضلي أ وط م ومحاكمتهم بأحكام قاسية تستهدف زرع الخوف والرعب والنفور من العمل الطلابي داخل أوساط الطلبة.

ويندرج كل هذا في إطار مسلسل قمعي من أجل تمرير مخططات الإصلاح الجامعي الهادف لحرمان الحركة الطلابية من حقوقها ومكاسبها المادية والمعنوية والتي ذهبت في سبيلها كثير من التضحيات من جهة، وجعل العملية التعليمية امتيازاً وليس حقاً يمارسه الطالب بكل حرية ومسؤولية من جهة أخرى. وهذا بطبيعة الحال تماشياً مع توصيات صندوق النقد الدولي والمؤسسات النقدية الدولية الأخرى. ونتيجة لذلك أصبحت الشرائح الطلابية تعيش واقعاً مزرياً، من أهم قسماته وسماته :

- الطرد والحرمان من متابعة التعليم طبقاً للبند 13 المشؤوم.

- تقليص نسبة النجاح.

- حرمان الطلبة من حقهم المشروع في المنحة.

- خوصصة المرافق الحيوية للطلبة مثل الكافتيريا والتعاونيات والآلات الناسخة والآلات المصورة.

- تغييب الخدمات الاجتماعية والصحية مثل المستوصفات الطبية.

- ضعف الخدمات والتجهيزات المساعدة على تحسين عملية التحصيل العلمي مثل قلة الكتب وصغر قاعات المطالعة مع التزايد المستمر لعدد الطلبة الوافدين على الجامعة كل عام.

وأمام هذا الواقع حاولت الحركة الطلابية استنهاض الفعل النضالي لمواجهة هذا الوضع المتردي عن طريق النضال ضد المخططات الجهنمية التصفوية المتمثلة خاصة في “الإصلاح الجامعي” كمدخل لتعبئة أوسع الجماهير الطلابية والارتقاء بالمستوى النضالي إلى مدى يحفظ تماسك المنظمة في وحدتها والاعتراف بهياكلها التحتية مثل اللجان الجامعية. لكن وللأسف لازالت الحركة الطلابية وجميع القوى الفاعلة داخلها، تراوح مكانها لتفشي مجموعة من المعوقات الذاتية الداخلية والتي نلخصها في :

- محاولة “خوصصة” العمل النقابي والثقافي والطلابي بصفة عامة من طرف جل الفصائل اليسارية التي لم تستطع لحد الآن هضم “تنامي التيار الاسلامي” والاعتراف به كحقيقة لامحيص عنها، حقيقة يجب التعامل معها بنوع من الواقعية والايجابية. والذي يؤسف لها أكثر هو أن ظاهرة “الخوصصة” هذه انتقلت عدواها إلى صفوف بعض الاسلاميين أنفسهم والذين كان من المفروض أن يعبروا عن حالة طلابية جديدة راشدة تمارس العمل الطلابي الاسلامي من منطلق المسؤولية. -المسؤولية بكل أبعادها-ومن منطلق المرجعية السليمة الموجهة للعمل النقابي ذي الصبغة الاسلامية.

وهكذا -ونقولها بمرارة-بعدما كانت “الخوصصة” متفشية في صفوف اليسار/اليسار انتقلت إلى صفوف اليسار/الاسلاميين ثم إلى صفوف الاسلاميين/الاسلاميين. ولهذا نخشى أن ينتقل الصراع -ولاأقول التنافس- من يساري/يساري إلى إسلامي/إسلامي بعدما مر بمرحلة مريرة هي مرحلة الصراع اليساري/الاسلامي.

معنى ذلك كله أن ظاهرة “الخوصصة” لازالت تتوارث فصيلاً عن فصيل واتجاهاً عن اتجاه بغض النظر عن إديولوجيته وهويته ومرجعتيه. إن محاولة الخوصصة هذه -بالاضافة إلى العداء الاديولوجي والتاريخي بين الاسلاميين واليسار هي التي فجرت مجموعة من الأحداث المؤلمة والمتكررة في السنوات الأخيرة أدت إلى إعاقة الحركة الطلابية وشللها شبه التام، هذه الأحداث ونتائجها التي شكلت الشق الذاتي في أزمة الحركة الطلابية وتردي واقعها الثقافي والنقابي…

تقاليد وواجهات العمل الثقافي الطلابي داخل أ وط م   لا تخفى أهمية العمل الثقافي داخل الساحة الطلابية على كل أحد، خاصة وأنها فقدت جزء كبيراً من الحيوية والنشاط الايجابي والذي يعكس فقدان الذاكرة الطلابية لعالم الأفكار أو إصابته على أقل تقدير. ونظراً للدور الخطير الذي تلعبه المسألة الثقافية فإننا نرى أن أي محاولة للتغيير وإعادة البناء وأية مشاريع للنهوض والتجديد في الأداء الطلابي داخل الفضاء الجامعي، تغفل أهمية المشكلة الثقافية، هي محاولة محكوم عليها بالإخفاق. ومهما يكن من اختلاف في مركزية العملية الثقافية في التغيير داخل الجامعة المغربية -والتي نتمنى أن تعود لها في المستقبل بحول الله- فلا بأس من رصد بعض التقاليد والعادات والاعراف الحميدة التي عاشها العمل الثقافي الطلابي، ومن بينها :

1- “أسبوع الطالب الجديد” انخراط في الفضاء النضالي :

يأتي “أسبوع الطالب الجديد” في إطار تعبئة أوسع القواعد الطلابية للالتفاف حول المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أ و ط م وفضح القوانين التي تجرم العمل النقابي والتي كانت قد أعطت صورة مشوهة للجامعة والعمل الطلابي في ذهن القطاعات التلاميذية. ولهذا يقام الاسبوع تحت شعار >طالب جديد، دم جديد في شرايين أ و ط م<، ويتخلله مجموعة من

>>>>>>>>>>>>>  ص3

الأنشطة للتعريف بتاربخ أ و ط م ومبادئه وأعرافه ونضالاته وشهدائه ورموزه المناضلة. كل ذلك من أجل جعل الطالب يتكيف مع المحيط الجديد الذي يلجه، ومن أجل تهيئته وتأهيله للانخراط في النضالات الطلابية واعياً بأهمية العمل النقابي وبالتالي ضرورة تحمل المسؤولية في القيام بالأعباء التي تنتظره في الأفق. ونظراً للوضع الموصوف سابقاً، وخاصة تعنت الادارة ورفضها السماح باستعمال المرافق والتجهيزات من قاعات ومدرجات… يضطر الطلبة إلى عقد أيام الاسبوع في الهواء الطلق ويتوجونها ببعض الأنشطة المتنوعة. ومع انتهاء هذه الأيام يبدأ الموسم الجامعي في رحلة نحو المجهول في ظل الأوضاع الراهنة، ونحو العلم والتحصيل العلمي في الحالات الصحية التي يجب أن يكون عليها الوضع سواء من الناحية الذاتية (سيادة الحوار، غياب العنف…) أو الموضوعية (احترام كرامة الطالب، تمكينه من ممارسة حقوقه…).

2- الأسابيع الثقافية وسيلة مهمة وأساسية في تنمية الوعي الطلابي :

إن تطوير الارث النضالي الأوطمي ساعد الحركة الطلابية المغربية على المزيد من التضحية رغم الواقع المزري الذي لازالت تتخبط فيه بالاضافة. -كذلك- تكييف تقاليدها وأعرافها مع كل الطوارئ والمستجدات والتحولات، وكانت عملية التكيف هذه تبرز من خلال الأسابيع الثقافية المقامة في ساحة الجامعات، وفي أحيان كثيرة بالليل وفي ظروف طبيعية غير مساعدة تماماً، ورغم ذلك كانت تعرف نجاحاً كبيراً وإقبالاً جماهيرياً يلتف حول البدائل الحقيقية ويتمثل ذلك في المشاركة المتميزة من طرف الطلبة والطاقات التي تفجر ما تختزنه من إبداعات وأشكال التعبير المختلفة بعدما عانت كثيراً من التهميش والحصار الذي تكرسه -كواقع موضوعي- الإدارة ومن يدور في فلكها.

إن للأسابيع الثقافية طعم خاص، فبالاضافة إلى كونها إرثاً نضالياً يجب المحافظة عليه وتطويره فانها شكلت ركيزة أساسية في النهوض بالوعي الطلابي وتجديده من أجل الصعود في كل المحاولات الرامية إلى الاجهاز على الحركة الطلابية داخلياً وخارجياً وتفويت الفرصة على كل الذين يريدون العبث بتراثها الكفاحي تارة باسم المحافظة على الهوية التقدمية للمنظة -ا و ط م – وأخرى باسم قطع الطريق على قوى الجحود والتطرف والارهاب، وثالثة باسم صيانة المكتسبات… وكانت ولاتزال تتخلل هذه الاسابيع حلقات نقاش تعالج مواضيع متعددة مثل قضية حقوق الانسان والاعتقال السياسي، وبعض القضايا الاسلامية مثل قضية البوسنة والهرسك، والفكر الاسلامي الذي يحاول التبشير ببديل حضاري للمجتمع ككل، هذا الفكر الذي استطاع اكتساح الساحة الطلابية رغم العراقيل المتعددة، والذي -رغم ذلك- لم يستطع أن يؤسس أرضية نقابية وتصوراً ناضجاً لمجموعة من القضايا والإشكالات طلابية كانت أو غير طلابية. ومع ذلك لايمكن تجاهل بعض الاجتهادات ومساهمتها الفعالة في تطوير عملية النقاش في أفق البلورة الناضجة، هذه الاجتهادات التي منها من يعبر عن نفسه بواسطة فصائل معروفة أو يعبر عن ذاته عن طريق فعالياته وتحركاته في المجال النقابي والاجتماعي والثقافي.

3- الاسبوع الفلسطيني ومعانقة الحركة الطلابية لقضايا الأمة الاسلامية :

اعتبرت الحركة الطلابية القضية الفلسطينية قضية وطنية منذ المؤتمر 13 لأ و ط م وناضلت من أجل تنوير الرأي العام الطلابي بخطر الكيان الصهيوني على الأمة العربية والاسلامية رغم اختلاف التوجهات الاديولوجية لفصائل الحركة الطلابية والفعاليات العاملة داخلها.

وإلى جانب هذه المساندة المبدئية ظلت القضية الفلسطينية تقام من أجلها المهرجانات الثقافية والفنية يعرف خلالها بالثقافة الفلسطينية وهوية الشعب الفلسطيني وتاريخه المجيد في مكافحة الاحتلال منذ بداية القرن مع الانجليز ومروراً باليهود كل ذلك عن طريق إمكانيات جد متواضعة.  كما تقام معارض للصور والكتاب والمنتوجات الفلسطينية التي تعكس الجذور التاريخية الاسلامية والعربية لهذا الشعب الأبي الذي مازال سائراً على طريق الجهاد في زمن التراجع العربي وفي زمن “النظام الدولي الجديد” الذي يحاول تحطيم ما بقي من مناعة لدى الشعوب العربية والاسلامية… في زمن الاستسلام الشامل للأنظمة العربية الساعية للتطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب لأرض الأنبياء.

خلاصات

تندرج نضالات الحركة الطلابية -من خلال المسألة الثقافية- في محاولة الخروج من الازمة والعمل على استرجاع الدور الاشعاعي الذي من المفروض أن تلعبه الجامعة المغربية، ولن يتحقق هذا إلا في حالة توحد كل الفعاليات المناضلة في إطار المنظمة أ و ط م بغض النظر عن اختلافاتها الفكرية والاديولوجية، هذا التوحد النضالي الذي يحدد شكله الأطراف الفاعلة مع استشارة الجماهير الطلابية التي تعتبر العمق الاستراتيجي لأي فعل طلابي راشد.

بالإضافة إلى ذلك، يجب تجميع كل الطاقات من أجل مواجهة كل أشكال “النرجسية” والعنف والارهاب وإرساء قواعد الحوار والتواصل في جو يسوده التسامح ووضع مصلحة الحركة الطلابية في أول جدول سلم الأولويات الراهنة. لأن المرحلة السالفة وخصوصاً التي عاشت فيها الحركة الطلابية توترات داخلية لم تزدها إلا تراجعاً وإنهاكاً… بل تعدى الأمر إلى عدم الاستطاعة على تحصين المكتسبات التي حققتها الحركة بواسطة دماء مناضليها على اختلاف توجهاتهم الاديولوجية مثل الدريدي وبلهواري وزبيدة وعادل وعبد الجليل فخيش والعبودي محمد… كما تتدرج هذه النضالات في إطار الوقوف في وجه كل المخططات الرسمية الرامية إلى إفراغ الجامعة المغربية من دورها الفاعل في المجتمع تربية وتكويناً… هذه المخططات التي تعكس تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات النقدية الدولية… هذه التوصيات التي تحرم الطلبة من حقهم في التمدرس وتهدد وضعيتهم المادية والمعنوية، ولعل آخرها مخطط “الاصلاح البيداغوجي” وحرمان مجموعة كبيرة من حقها في المنحة.

أما على المستوى الثقافي، فالمطلوب من الحركة الطلابية الرقي بأنشطتها إلى المستوى الذي يغطي احتياجات القواعد الطلابية عن طريق نقاشات حول كثير من القضايا مثل قضية حقوق الانسان والديمقراطية، وقضية الهوية للشعب المغربي -والطلبة جزء منه- وقضايا النضال النقابي ببلادنا وغيرها من المواضيع التي تهدف الرفع من مستوى الوعي لدى الطالب. لذلك يجب أن تكون الأسابيع الثقافية فرصة للنقاش والحوار والتواصل البناء مع تجاوز النقاشات “الاحصائية” التي تحاول إلغاء >الآخر< والالتفاف حول المنظمة أ و ط م والعمل على ترسيخ مبادئها الاربعة : الجماهيرية، الديمقراطية، التقدمية، والاستقلالية، كذلك يجب أن تكون الندوات والمهرجانات الفنية فرصة لتفجير الطاقات الكامنة مساهمة وإبداعاً.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>