الإنقياد


الإنقياد

ليس في مقدور أي إنسان أن يعيش حرا طليقا دون أن تدِبَّ في نفسه نوازع تتجاذبه ولم يكن عجيبا أن ينال منه شيء، ويؤثر فيه، فالنفس تواقة شغوفة بالتعلق بشيء كيفما كان المهم أنها تجعله مستندا لما تركن إليه وتخْنَعُ، وقد صار واضحا لكل ذي عينين هذا الأمر فلم يعد ببعيد أن تتعدد الاتجاهات والافكار تجاه هذا الخنوع فقد يجد الكثير راحته في التلبس بما الفى عليه آباءه، وقد يجتهد آخر في إيجاد حلول تمكنه من أن يَرْبَأ بنفسه عن الساخافات التي تطمس هويته، والاعتقادات اللامعقولة، وأخال أن هؤلاء هم الذين تحيرت نفوسهم أمام الكوامن التي تجعلهم صَرِيعِي البريق، ويفيقون من توهم فيبحثوا عن قبس ينير لهم الطريق ويمهدها لهم ليصلوا في آخر مطافهم إلى الحقيقة التي ليس بعدها ظلام، ولقد حدث أن دأب الكثير على اتباع خطوات هذا السبيل لما لم يجدوا ما يشفي غلتهم وما يستهدف صلاحهم وتمكينهم من أن يعيشوا عيشة سليمة، وليس من ريب عليهم أن يتساءلوا : أطريق محمد (ص) يمكن من تهدئة الوضع النفسي، أم أن هناك طريقا آخر؟! ومن حقهم أن يجيبوا بالاىجاب ولا أحد ينازعهم فتجربتهم دليل واضح على إحقاق هذه الأحقية فالذين ساروا على نهجه وتمدرسوا على يديه تحققت فيهم أمور كثيرة من فضائل وخصال في المعاملات وغيرها. ولا نجزم جزما قاطعا في استئهالهم لهذا الموجب، الذي طالما تهافتت القلوب المتعطشة حوله بأنه تأتى وظهر لأول وهلة، اللهم الا ما شذ وإنما اختلف وتفاوت بقدر اختلاف وجهات انظارهم وعزائمهم ولا علينا إن لم نجردهم مما يصدر عنهم من هفوات وما يخالج صدورهم من حزازات، فهم بشر تعترضهم عوارض بشرية فها هي عائشة رضي الله عنها التي تربت في حضن أبيها أبي بكر وبعده عند رسول الله (ص) قد تلبست بالغيرة وقد يقال إن غيرتها كانت ناتجة عن أسباب. المهم كيفما كان الحال فإنها لم تمانعها من مسايرة الطريق، وقد تأكد ذلك وتجلى في الكمين الفريد من نوعه الذي دبرلها، ولم يكن ببال أحد أنها ستعلن براءتها، وتصرخ في وجه أمها لما طلبت إليها أن تقوم، فتشكر النبي (ص) قائلة: لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله الذي أنزل براءتي فمثل هذا الكلام ليس فيه محاباة وإنما هو منبعث من نفس أبية، باعثها الحقيقي الذي برز وتجلى بكل وضوح في موطن كهذا الذي يصعب فيه الثبات والصبر على الخطب غير اليسير، الذي طالما انزلق فيه الكثير وسقط، وهو الحقيقة التي ليس فيها ريب ولاشك. أنساها كل ما عداها، وأفرغ عقلها من كل المعتقدات التي يمكن أن تساوره وكل العوارض التي كانت تجتاحها وتطغى عليها، في بعض الحالات لم يعد لها بقاء أمام هذا المشهد بل ذابت، ونحن لا نشك في أن عملها كان له الأثر الفعال في حقل الدعوة الإسلامية فجهودها الكثيرة المختلفة تمظهرت في شخصيتها فكانت لها الحظوة، وما تخصيص الحديث عنها في هذا الحدث إلا لإفراز أي معتقد يمكن أن يتسرب إلى ذهن أي إنسان، وإظهار ثباتها وتعلقها بالله تعالى.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>