” المحجة ” تحاور سماحة الشيخ ابي الحسن الندوي رئيس
رابطة الادب الاسلامي العالمية
المحجة: سماحة الشيخ ماهي وضعية المسلمين الحالية في الهند؟
الشيخ الندوي: تعرفون أن الهند كانت محكومة للمسلمين قد حكمها المسلمون عدة قرون واتحفوها بالحضارة اتحفوها بالعلم واتحفوها بالثقافة كذلك والمباني العظيمة والآثار التاريخية القديمة وكان منهم حكام وسلاطين عادلون وبناءون وحاذقون فالهند الآن كما هي تدين للمسلمين بما اضافوه إليها من حضارة. ولكن قد عملت بعض العوامل السياسية من أهمها واكبرها هو سيطرة أهل الهند ثقافيا وعلميا وسياسيا اكثر فنشأت هنالك حركة العداء للمسلمين وتُجُوهل دورهم الذي مثلوه في تاريخ الهند فنشأت هناك حركة إبادة جنسية وعددية على غرار ما دعا اليه المؤتمر الحديث في القاهرة في موضوع التنمية و إبادة ثقافية ومعنوية وعقائدية وباختصار مايمكن فهمه هو تحويل المسلمين الى اندلس جديدة والى اسبانيا جديدة اذن هم يعملون الآن على ان تصبح الهند كالاندلس، كإسبانيا التي كانت إسلامية في العقيدة وفي الحضارة، نعم وتدين للمسلمين في كل شيء،فهم يريدون أن يعيش المسلمون في الهند ولكن يعيشون من غير تمييز أو امتياز من غير خصائص من غير شخصية إسلامية، فرضوا التعليم الابتدائي وفيه الميتالوجيا الهندية فيها الحديث عن الأصنام، عن الآلهة، آلهة الهنود وأنهم يتصرفون في الكائنات وكذلك أرادوا أن يَحُولوا بين الناشئة الجديدة (الأطفال) وعقيدتهم التي ورثوها وتضلعوا بها وأحبوها هناك مناهج دراسية تصْبِغُ النشء الجديد صبغة جديدة فيها ميتالوجيا هندية فهم يريدون أن يقضوا على اللغة الأردية التي يتكلم بها المسلمون ويكتبون بها ولهم فيها منتجات عظيمة، منتجات ليست عظيمة بالنسبة للهند فقط، وبالقارة الهندية، بل عظيمة بالنسبة للعالم الإسلامي كذلك، كان منهم مؤلفون كبار ومحققون وهم أتحفوا العصر الجديد برسائل نادرة جدا وبتحقيقات عميقة، نعم، ويُعرض الإسلام عرضا جذابا وعرضا علميا مؤثرا كالعلامة السيد سليمان الندوي، والعلامة شبلي النعماني، وعلماء كبار كتبوا بالإنجليزية وكتبوا بالأرديةترجمت كتبهم في العالم الإسلامي ونقلت إلى عدة لغات، وهم يريدون أن يفصلوا المسلمين فيقطعوا صلتهم عن ماضيهم وعن عقيدتهم وعن ثقافتهم، وعن كل المميزات فيصير عنصرا من عناصر الشعب الهندي الذي يدين بالهندوكية ويعتقد في الآلهة ويدين بالآلهة وبالميتالوجيا الهندية. هذه حركة إبادة، هي أشد خطرا من الإبادة الجنسية والإبادة العددية والإبادة القومية… إنها إبادة كلية كاملة ولكن من فضل الله تبارك وتعالى أن المسلمين قد فهموا هذا الوضع ووجد فيهم وعي وقوة المقاومة لهذه الإبادة فبدأوا ينشئون مدارس ابتدائية تعد بالآلاف والكتاتيب والمدارس ويعلمون أولادهم تعليما دينيا في البيوت كذلك وفي المساجد في أوقات الفسحة التي لايشتغل فيها الشباب ولا الصغار بالتعليم النظامي في المدارس وكذلك، ألفوا في الهندية وفي الإنجليزية كتبا ومؤلفات لتعليم الإسلام وفيها جاذبية وفيها قوة وتأثير في العقول وبدأوا ينشرونها ويوزعونها ويرسلونها إلى المثقفين الكبار وإلى زعماء الأحزاب كذلك ثم نشأت هناك حركة بتوفيق الله سبحانه وتعالى سميت بحركة “الرسالة الإنسانية” يتجمع فيها المجتمعون على اختلاف أجناسهم وعلى اختلاف دياناتهم وعلى اختلاف ثقافاتهم. وتصور لهم أن الهند تواجه خطراً كبيراً من التمزق ومن التخلف السياسي وفي ميزان السياسة العالمية لانفصال العنصر الإسلامي عن الهند، لعدم ارتياحه للحياة في الهند وتصور لهم ما ستواجهه الهند من أخطار من المقاومات ومن المذابح البشرية التي يسمونها اضطرابات طائفية. وكان لبعض كبار الهندوس وبعض زعماء الهندوس كذلك ولبعض الشخصيات الدينية كذلك عناية بهذا الموضوع وتقدير لهذا الموضوع وبدأوا يشاركون في هذه الحفلات وتصور لهم الهند كأنها تواجه خطراً كبيراً لو دامت هذه النزعة الطائفية، نزعة محاولة القضاء على كل ما يتميز به عنصر عن عنصر ودين عن دين وجنس عن جنس. فإن الهند في خطر ستمزق الهند، تمزقا وتفقد قوتها السياسية ومكانتها العالمية.
المحجة: سماحة الشيخ هناك بعض المفكرين وبعض المطلعين عن أحوال وتاريخ الهند، يرون أنه كان أفضل للمسلمين لو ظلت شبه القارة الهندية موحدة؟
الشيخ الندوي:كان العلماء أمْيَلَ إلى هذا الرأي، علماء الدين، ولكن في ضوء تجارب قد بدأت في آخر أيام الحكم الإنجليزي من الإضطرابات ومن هضم الحقوق ومن عدم الإنصاف نشأت في الهند خصوصاً في رجال السياسة وفي زعماء الهند العلمانيين ، نشأ فيهم حماس لتقسيم الهند لأنهم رأوا أن الهند إذا بقيت تحت حكم واحد وبقي المسلمون في الهند ربما يعالجون أوضاعاً ويواجهون حوادث لاعلاج لها لادواء لها لأنهم يكونون عنصراً من عناصر الشعب الهندي فقط، فوجدوا الفرصة سانحة، وكانت فيه بعض الاشارة من الإنجليز كذلك، هم يطالبون بتقسيم الهند فكان فيه تشجيع من بعض ساسة الإنجليز وبعض قادتهم كذلك فهم من مصلحتهم أن تكون الهند في جزءين ويستطيعون أن يفرضوا سياستهم، يقودون الجزءين كما يشاءون لأن الشيء الوحيد، أكبر قوة والشيء إذا انقسم بين جزءين، فإنه يسهل التأثير عليه، فكان فيه إشارة أو تشجيع من الإنجليز لاحتضان الفكرة، من الزعماء السياسين، الذين كانوا زعماء سياسيين فقط وكانوا يفكرون في أن يكون لهم الحكم ولهم السيادة، نعم ويكون المسلمون أصحاب حرية وأصحاب تصرف في جزء من أجزاء الهند.
المحجة: ماهو وزن الحركة الاسلامية في الهند؟
الشيخ الندوي: يسرني مع اعتذاري أن أصرح بأن الحركة الإسلامية في الهند قوية جداً نشيطة وقوية وواعية، هناك عدة حركات حركة الدعوة إلى الإسلام، وحركة دعوة المسلمين إلى احتضان الإسلام احتضانا شاملا كاملا واثارة الحماس الديني فيهم واثارة الشعور بفضل الدين والدعوة إلى الدين كذلك صار الأدباء أصحاب الأقلام هناك خلافا لبعض البلاد -لاأريد أن أسميها، ولكن كان للأدباء وأصحاب الأقلام في الهند نشاط وحماس وسهم في بعث الشعور في المسلمين فيهم أدباء ومؤلفون في السيرة النبوية ومؤلفون في سيرة الصحابة ومؤلفون في تاريخ الإسلام ومؤلفون في نقد الحضارة الغربية. في الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ويوجد في الهند الآن وعي ديني ونشاط إسلامي لعله يكون أقوى من بعض البلدان الإسلامية.
المحجة: سماحة الشيخ على حسب اطلاعكم على واقع الحركة الإسلامية في العالم العربي، وعن ما تعرفونه عن ما حدث فيها من انشاقاقات وأحيانا من تصدعات. نريد من سماحتكم إن كانت لكم بعض التوجيهات أو بعض النصائح توجهونها إلى الشباب المسلم في العالم العربي ليستفيد منها.
الشيخ الندوي: الحاجة الاساسية عندي الآن بعث الثقة بصلاحية الإسلام للقيادة في هذا الوقت وإثارة الشعور الديني وإشعار الطبقة المثقفة العصرية المتخرجة من الجامعات بمسؤوليتها، وبأنها اذا احتضنت الدعوة الاسلامية، واذا أخلصت للاسلام وتحمست للاسلام، فإنها ستتفادى خلافات كثيرة وتتمتع بثقة وبتأييد الجمهور.
الفراغ الواقع الآن، الصدع المخيف، هو ان الطبقة المثقفة والمتخرجة من الجامعات العصرية هي أنها فقدت الثقة بصلاحية الاسلام وأنها تعتقد ان الاسلام قد أدى دوره في عهد متخلف في الحضارة عهد متخلف في الثقافة متخلف في السياسة.. ولكن في هذا العهد الراقي، العهد المتطور والعهد المتوثب. الإسلام لا يستطيع أن يؤدي دوره، مما يُورّق الشعور الديني في الهند أن البلاد العربية بدأ بها صراع بين رجال الدين بين المؤمنين بالدين والمؤمنين بصلاحية الدين والتواقين الطامحين إلى مجد إسلامي وإلى أن يعود الإسلام إلى قوته ونفوذه وبين الطبقات المثقفة الجديدة وأصبحت القوة ضائعة في هذا التمزق في هذه المنافسة وفي هذا التقابل، بدل أن توجه هذه القوة، وهذه الصلاحيات إلى التخلص من النفوذ الغربي، من النفوذ الأجنبي، بدأ يعمل النشاط ويعمل الحماس بين الطبقتين، الطبقة المتدينة، المؤمنة بالدين بأنه الدين الكامل الخالد إلى يوم القيامة، وبين هؤلاء المثقفين الذين تخرجهم الجامعات ولم يصرحوا، هم يعتقدون في باطن شعورهم في أعماق نفوسهم أن الإسلام لايستطيع أن ينهض، أن يسود وأن يوجه المجتمع في هذا الزمان. فأصبحت هذه الطاقة ضائعة وكان من نتائج ذلك أنهم فقدوا أكبر سلاح وأكبر قوة لحل المشاكل وللتخلص من نفوذ الأجنبي، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : >ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون< وأصبح المسلمون كالأمم الأخرى يعلمون جسديا وحسيا كما يعلم الآخر ولكن الميزة التي كانوا يملكونها أنهم كانوا يرجون من الله ما لا يرجوه هؤلاء.
المحجة: سماحة الشيخ أحمد الله سبحانه وتعالى على أن فتح على أيديكم كثيرا من أبواب الخير لصالح الاسلام والمسلمين ومن ذلك انشاء رابطة الادب الاسلامي العالمية. نريد لو تحدثونا عن آفاق هذه الرابطة إن شاء الله؟
الشيخ الندوي: آفاق رابطة الادب الاسلامي آفاق واسعة وتشمل الكتابة، النظم والشعر والنقل، والعرض والغاية من كل ذلك هو إزالة الفجوة التي كانت قد حدثت خصوصا في الزمن الأخير بين الاسلام، بين الحقائق الاسلامية والايمان بالله تبارك وتعالى، وبرسوله والايمان بالحاجة إلى الدين الكامل، المنقذ للبشرية والموجه للبشرية، وبين الكتابات، كتابة الأدباء مثلا كنا نقرأ، أنا أحكي عن نفسي دون تحفظ – يعني لما كنت طالبا كنت أقرأ كتب طه حسين وكتب بعض الكتاب المصريين كذلك، فكنت أشعر بأنني كنت أرجو أنني أستمد قوة جديدة وثقة جديدة بالتعاليم الاسلامية، وفضل الاسلام، فإذا أنا أصبحت في خطر. ولذلك الفجوة التي حدثت في ما بين الأدباء وكتاباتهم وبين الدعاة إلى الإسلام وبين المؤمنين بالإسلام بفضل الإسلام، وبكمال الإسلام وأنه رسالة إسلامية خالدة كاملة إلى آخر الأبد وعلى اختلاف تنوع الامم والمجتمعات البشرية.هكذا كان يطلب أن يكون الأدب مؤيدا لهذه الفكرة. وإذا لم يكن مؤيدا لهذه الفكرة. لأنه في دائرة خاصة، فإنه لايكون سائرا إلى إزالة هذه الفكرة.
المحجة: سماحة الشيخ على حسب ما عاينتم بأنفسكم، من خلال حضوركم في الملتقى الذي أقامته مجلة المشكاةبتعاون معكم ومع الكلية لاحظتم كيف أن الشباب المغربي هنا يقبل على الأدب الإسلامي وهو مستعد للمشاركة في هذا الأدب وله اقبال عليه ولذلك فنحن نعبر عن رغبة هؤلاء المثقفين في إقامة مكتب للرابطة في الجناح الغربي للبلاد الاسلامية يكون في المغرب ويتبعه الجزائر وتونس وموريطانيا.. وقد سمعنا أنكم ستناقشون المسألة في مجلس الأمناء ان شاء الله.
الشيخ الندوي: هذه قضية مسلمة، ونحن نرحب بهذه الفكرة، ونساهم في تحقيقها كذلك، لأن المكتبة العربية واجب أن تكون آفاقية أن تكون واسعة أن تكون فوق نظام الطبقات وانقسام الثقافات وانقسام المساحات كذلك.
المحجة: هناك نقطة نرجو الإفادة فيها وهي ملاحظة أن مكتب الرابطة في العالم العربي عند إنشائه كان يضم مجموعة من الأدباء، ومن العلماء، وكان المكتب على حسب مايبدو يتكون من اعضاء نشطين، ثم يبدو أنه حدثت خلافات بين الأفراد وأنه انسحب من المكتب بعض الشخصيات وهو ما يدل على أن هناك نوعا من الهشاشة في التنظيم. في المكتب الذي يسير الآن والذي هو مكتب العالم العربي، ولهذا نرجو من سيادتكم بما أن الرابطة بدأت تنتج أكلها وثمارها بفضل مجهوداتكم أن تسعوا جاهدين في المستقبل على أن يكون هناك مكتب يستعيد نشاطه وتآلفه.
الشيخ الندوي: نعم نحن نريد هذه الفكرة، أنه من الواجبات أن تحسم الخلافات وأن يلتقي المكتب على غاية واحدة، نقصد في النظر إلى الاختلاف الجغرافي والاختلاف المبدأي واختلاف النشأة والمحيط.
المحجة: لو تفضلتم سماحتكم، نريد توجيهات من سماحتكم إلى أبناء الدعوة الاسلامية وإلى الحركات الاسلامية.
الشيخ الندوي: أنا لاحظت وذكرت في مناسبة خاصة في ابو ظبي في خطاب وقلت : إنه من المجرَّب والمشاهد، في طبيعة التاريخ وبالتجربة أن كثيرا من الحركات إنما تنشأ لإزالة الجمود ولكنها تصبح فريسة الجمود بنفسها لأنها تتشبث بناحية من النواحي وتجمد عليها وتلح عليها وتصرف النظر عن الواقع وعن المحيط وعن جوانب أخرى. أنا نبهت على اخطاء بعض الحركات الاصلاحية، وحركات إيجاد الوعي وإيجاد الشعور الاسلامي عن طريق الدعوة وعن طريق الكتابة، إنه يجب أن نستعرض الواقع استعراضا كاملا وأن يقدم لكل جانب من جوانب الاصلاح الاجتماعي والفكري غذاء دسم ويملأ هذا الفراغ وإذا اطلعتم على كتابي ” ترشيد الصحوة الاسلامية ” ستجدون جوابا لكثير من التساؤلات.