التعليم والعوج الفكري


التعليم والعوج الفكري

الإنسان هو قطب الرحى في هذا الكون، لما زوده الله تعالى به من مؤهلات عقلية، وفطرية، وروحية، قادرة على تسخير الكون لمصلحته، إذا أحسن القراءة له، والإنسجام معه، مسترشدا بالهدي الرباني العاصم للعقل من السقوط في متاهات الفكر الزائغة

ولا عصمة للفكر من الإعوجاج إلا بواسطة اكتساب العلم الهادي لأسمى الفضائل الإنسانية، وأرفع المستويات الحضارية، مادية كانت أم معنوية ولا وجود لهذا العلم إلا في القرآن العظيم الذي أنزله الله تعالى شفاءا لما في الصدور من الأهواء ورحمة للعالمين من الهلاك في دروب الضلالة، فكان كتابا هاديا لأفضل الغايات، وأسمى الدرجات… لا عوج في دلالاته على الحق، ولا في أحكامه وحِكَمِهِ، ولا في موازينه ومقاييسه، ولا في عِبَرِهِ ومواعظه، ولا في توجيهاته وإرشاداته وتكليفاته وسننه، ولا في دلالته على أحسن طرق التسخير للكون والإنتفاع بما أودع الله فيه من نعم ظاهرة وباطنة.

إنه الكتاب الذي يحفظ الأمة من التعفن الفكري سواء في الأهداف القريبة أو البعيدة للأمة، أو التخطيط لبلوغ تلك الأهداف.. ولكن التخلي عن كتاب النور، ومنبع الهدى، جعل الشعوب الإسلامية تعيش بدون رسالة ولا أهداف وبدون أمن ولا استقرار، تتقاسمها الأهواء وتتقاذفها أمواج الكفر والفقر والجهل من كل جهة.

فنشأ بذلك العوج الفكري الذي أصاب الأمة في الصميم، وأصَّل الفرقة والتخلف، ورَسَّخَ التبعيَّة المطلقة لجلاديها، وكرّس الذل والإستسلام لأكلة اللحوم البشرية، من القردة والخنازير وعبدة الطاغوت، الذين قال الله تعالى فيهم : >أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وأََضَلُّ عَنْ سَوَاء السَّبِيلِ< -سورة المائدة 62-

إن التعليم المشوه والمقطوع الجذور بهُويَّة الشعوب الإسلامية هو الذي أخرج العقول المعوجة في توجهاتها الفكرية، ولا علاج إلا بالتخطيط للتعليم على أساس منهاج رسالة الأمة، المبثوث في قرآنها، ليستقيم الفكر والعمل، وتستقيم الأهداف والتطلعات المشروعة، وتتفجر الطاقات، وتتحول المسيرة التاريخية للإنسانية المعذبة

فهل تضع اللجان المكلفة بالتخطيط للعملية التعليمية ببلادنا هذا في اعتبارها، وتُخَطِّّّّطَ للتعليم على أساس أصالة هذا الشعب المسلم وعراقته في التاريخ والحضارة والكرامة والعزة، وعلى أساس الروابط الأخوية التي تَرْبِطُهُ ماضيا وحاضرا بجميع شعوب الأمة الإسلامية، وعلى أساس العقيدة الإسلامية التي تصهر في بوتقتها كل الأعراق والعناصر المتساكنة والمتعايشة في هذا البلد منذ قرون في تآلف وتآخ وتراحم…؟

ذلك ما نؤمله ونرجوه، فكفانا اعوجاجا فكريا، شَلَّ إرادة البناء، ومزق وحدة الصف، ونَظَّر للعداء المستحكم بين مختلف الفعاليات المخلصة في توجهاتها واهتماماتها الإصلاحية.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>