أسباب الأزمة اليمنية


أسباب الأزمة اليمنية

لقد أحسن الغرب استغلال أخطائنا وثغراتنا وضعف تماسك مجتمعاتنا والعقلية الإنشطارية والتجزيئية التي زرعها فينا عبر مسلسل مخطط ومدروس سلفا، ابتغاء تهميش دورنا والحد من فاعليتنا بطرق تبدو لنا منطقية وديمقراطية، محققا بذلك رفاهية أفراده وتقدم بلاده وسمو حضارته على رفاتنا. فلم نستوعب الدرس جيدا، وظل يردده ويكرره أمامنا وعلى مسامعنا بأساليب عديدة، حتى اعتقدنا -لغباوتنا- أنها أحداث منفصلة بعضها عن بعض ومقدرة علينا ولا هروب لنا من قضاء الله وقدره.

بداية منعطف الازمة اليمنية

وآخر هذه الدروس  درس اليمن الذي توحد في التسعينات لاسباب يطول شرحها، المهم تم الاتفاق  بين جناحي اليمن : المؤتر الشعبي العام والحزب الإشتراكي على صيغة وحدوية تبتدئ بمرحلة إنتقالية لمدة سنتين تليها إنتخابات برلمانية عامة بعد تركيز أسس نظام ديمقراطي تعددي.

ومنذ الوهلة الأولى حامت الشكوك وعدم الثقة حول الإتفاق حيث أبدى (ح ش) تخوفه من فقد الإمتيازات التي حصل عليها خلال الفترة الإنتقالية، بدخوله الإنتخابات. وهي إمتيازات غير عادلة -على حد قول المؤتمر- لأنه أخذ نصف الدولة بموجب اتفاقية الوحدة. لكن المؤتمر قدم له بعض الضمانات التي تجعله في مأمن من أنه سيكون شريكا في المرحلة الدستورية من ذلك على الخصوص : أن يتم دمج الحزبين في تنظيم سياسي واحد بعد أن انتفت الخلافات الإيديولوجية وتوفرت أرضية مشتركة.

وقد جوبه هذا الطرح من طرف الفصيل المتشدد في الحزب الإشتراكي الذي اختار الإحتكام إلى صناديق الإقتراع في الإنتخابات التشريعية المزمع تنظيمها، معتقدا أن ذلك سيجعل منه القوة السياسية الأولى في البلاد، بحكم إشعاع الحزب وقوته. إلا أن الأمر اتجه به إلى جعله القوة الثالثة في البلاد، ولكنها المؤهلة للإنقراض مستقبلا إثر بروز حزب التجمع اليمني للإصلاح(اسلامي) الذي تركز في بعض مناطق الجنوب على حسابه.

ولهول الصدمة التي تلقاها في الإنتخابات التشريعية الديمقراطية والنزيهة بشهادة الجميع شرع آنئذ في افتعال الأزمات والمشاكل لتسميم الأجواء وكهربة الوضع. وقد ربط الكثيرون هذا التحول بسفر علي سالم البيض إلى الولايات المتحدة والتقائه بنظيره “آل غور” وكان من مظاهره مايلي :

- العودة إلى عدن وإعلان اعتكافه بها.

- الإستمرار في العمل وفق آلية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

- الضغط بواسطة عناصره المعارضة للوحدة في اتجاه خلق مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية.

- تجاوزه للمؤسسات الشرعية في سعيه للحصول على ضمانات تكفل له نصيبا من الثروة والسلطة.

- التذرع بداوع كثيرة واتهام المؤتمر بأنه يعمل لأجل الإنفصال.

- السعي لكسب التأييد الغربي عن طريق اتهام -سلطة الشرعية- بإيواء عناصر مصرية إرهابية >جهادية< متورطين في محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي.

تنازلات المؤتمر والإصلاح للحزب الإشتراكي

ادراكا من القوى السياسية الفاعلة للظروف التي تمر بها البلاد وضعت نصب أعينها أهدافا محددة تسعى لتحقيقها في هذه المرحلة في مقدمتها الحفاظ على الوحدة والديمقراطية والتعددية وتطوير فكرة التداول على السلطة بشكل سلمي، حيث قدمت لأركان (ح ش) تنازلات كثيرة منها :

- إعطاؤه نسبة تفوق حجمه الحقيقي داخل مجلس النواب.

- تسليمه رئاسة الحكومة، بينما المفترض أن تكون للحزب الذي فاز بالأغلبية.

- القبول بالتنازل عن أهم مفاصل السلطة داخل الحكومة على رأسها وزارة الدفاع والنفط والإسكان.

- منحه نيابة مجلس الرئاسة وهو منصب لا يوجد في الدستور استشعارا للمصلحة الوطنية.

مصلحة أعداء الأمة في الحرب والإنفصال

أصبح في حكم المؤكد أن العوامل الخارجية لعبت دورها في الدفع باليمن الموحد إلى الإنقسام والإنشطار وبالتالي الدخول في حرب مدمرة امتدت شهرين من ذلك :

1- أن الغرب يعمل جاهدا في كل الأحوال والأوقات على تمزيق الأمة وانقسامها بطرق عدة وتحت مسميات شتى فتأييده لعلي سالم البيض ووقوفه من ورائه، إنما جاء لتأديب اليمن على موقفه من حرب الخليج المعادي للحرب والمناصر للتسوية العربية للأزمة.

2- نجاح التجربة الديمقراطية في اليمن وتمكين الشعب من التعبير عن إرادته بحرية أمر مرفوض إقليميا ودوليا لأسباب معروفة.

3- نجاح حزب الاصلاح المقلق وامتداده شعبيا ورسميا من خلال مؤسسات الدولة أصبح يعارضه الجميع عربيا وعالميا، ليس فقط لأن الصحوة الإسلامية محاربة وممنوعة ولكن لأن نجاح الحركة الإسلامية باليمن سيمثل عاملا مساعدا للسودان المحاصر والصومال المتمرد وإيريتريا المستقلة حديثا وبالتالي فاستقرار اليمن ونموه وتقدمه ووحدته قضية لا تريح أعداء الأمة والمتربصين بها.   وأخيرا، آلت الجهود الداخلية والخارجية في إنقاذ الوحدة اليمنية إلى الفشل، وانتهت إلى المصير المحتوم وهو إشعال حرب مدمرة وقودها الإنسان اليمني وثروات اليمن ومعماره… لكن آثارها ونتائجها -رغم الحسم العسكري للحكومة الشرعية على الساحة- لازالت في إطار التشكل دوليا، يعزز ذلك مانسمع به ونقرأ عن عمل بعض الجهات الخارجية (فرنسا مثلا) للإعداد للقاء الطرفين المتصارعين على مائدة المفاوضات من جديد للوصول إلى حل سلمي -على حد زعمها- هدفها في ذلك الحفاظ على “نبتة” الإشتراكي -الذي ظهر أنه استوعب الخطة، وأحسن الأداء، وانتهى إلى ما رُسِمَ (الحرب)- لذا ينبغي مكافأته بإعادته إلى الواجهة السياسية معززا مكرماً  و الإحتفاظ به في الظل إلى فرصة أخرى.

محمد رضوان

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>