مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحلال بين والحرام بين لمن أراد الاستبراء لدينه والنجاة بنفسه
> بقلم : ذ. محمد بن شنوف
عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِير رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : “إِِنَّ اَلْحَلاَلُ بَيِّنٌ ، وَ إِنَّ اَلحَرَامَ بَيِّنٌ وَ بَيْنَهُمَا أُمُور مُشْتَبِهَاتٌ، لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ اَلنَّاسِ ؛ فَمَنِ اتَّقَى اَلشُبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لٍدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشبهات وقع في اَلْحَرَام، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ اَلْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اَللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَ إِنَّ فِي اَلْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ اَلْجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فسدت فسد الجسد كله أَلاَ وَهِيَ اَلْقَلْبُ” رواه البخاري ومسلم في كتاب البيع.
هذا الحديث صحيح متفق على صحته من رواية الشعبي عن النعمان بن بشير، وغيره (جامع العلوم والحكم ص 58).
قيمة هذا الحديث عند المحدثين والفقهاء :
لمعرفة قيمة هذا الحديث حسبنا أن نقف على بعض أقوالهم وشهاداتهم حول أهميته :
1- عن الإمام أحمد رضي الله عنه قال أصول الإسلام في ثلاثة أحاديث : حديث عمر : “إنما الأعمال بالنيات” وحديث عائشة : “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ”. وحديث النعمان بن بشير : “اَلْحَلاَلُ بَيِّنٌ والحرام بين” (جامع العلوم والحكم ص 5)
2- عن أبي داود رضي الله عنه قال : كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما تضمنه هذا الكتاب : يعني كتاب السنن، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث : أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم : “إِِنَّمَا اَلْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ” والثاني قوله صلى الله عليه وسلم “مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ اَلْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالاَ يَعْنِيهِ” والثالث قوله صلى الله عليه وسلم : ” لاَ يَكُونُ اَلْمُؤْمِن مُؤْمِناً حَتَّى لاَ يَرضَى لِأَخِيهِ إِلاَّ مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ” والرابع “الحلال بين والحرام بين” (جامع العلوم والحكم ص 5).
3- وفي رواية عنه : الثالث قوله صلى الله عليه وسلم : “ازْهَدْ فِي اَلدُّنْيَا يُحِبُّكَ اَللَّهُ” عوض حديث “لا يكون المؤمن مؤمنا حتى لا يرضى لأخيه إلا ما لا يرضى لنفسه”. وهذه الأحاديث المختارة هي التي اشتهرت عندهم. وجمعها بعضهم في قوله :
عُمدَةُ الدِّينِ عندنا كلماتٌ
مسنداتٌ مِنْ كَلاَمِ خَيْرِ البَرِيَّةْ
اتَّقِ الشُّبُهَاتِ وازْهَدْ ودَعْ مَا
لَيْسَ يعْنِيكَ واعملَنْ بِنِيَّةْ
4- أشار ابن العربي إلى أنَّه ُيُْمكِنُ أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ وَحْدَهُ جَمِيعُ الأَحْكَامِ قال القرطبي : لأنه اشتمل على التفصِيلِ بين الحَلاَلِ وغَيْرِهِ، وعلى تَعَلُّقِ جَمِيعِ الاعمال بِالقَلْبِ فمن هنا يمكِنُ أن تُرَدَّ جَمِيعُ الأَحْكَامِ إِلَيْهِ (نيل الأوطار ج5/210).
معنى الحديث : قوله صلى الله عليه وسلم : “إِنَّ اَلْحَلاَلَ بَيِّنٌ و اَلْحَرَامَ بَيِّنٌ و بَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ” فيه تقسيم للأحكام إلى ثلاثة :
الحلال وهو : المباح الذي انحلت عنده عقدة الحظر وأَذِنَ الشَّارِعُ في فِعْلِهِ.
والحرام وهو : مَا نَهَى الشارعُ عن فِعْلِهِ نَهْيًا جَازِمًا يَتَعَرَّضُ فَاعِلُهُ لعقوبة الله في الآخرة، وقد يتعرضُ لعقوبةٍ شَرْعِيَّةٍ فِي الدنيا أيضا (الحلال والحرام في الإسلام ص 13).
المشتبه وهو : ما ليس بواضح الحِلِّ أَو اَلْحِرْمَةِ.
والأصل في الأشياء الإباحة عند الإمامين مالك والشافعي. فالحلال عندهما : ما لم يرد بتحريمه دليل. أمَّا الأَصْلُ في الأشياء عند أبي حنيفة فهو التحريم؛ فالحلالُ عِنْدَهُ : ما دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى حِلِّهِ. وثمرةُ الخلاف بينهم تظهر في المسكوت عنه الذي جُهِلَ أَصْلُهُ. فعند الإمامين : مالك والشافعيّ : حَلاَلٌ. وعند أبي حنيفة : حَرَامٌ (الشبرختي ص 112).
وعمدة مالك والشافعي على أن الأصل في الأشياء والمنافع الإباحة : آيات القرآن الواضحة من مثل قوله تعالى : (هُوَ الذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) البقرة : 29] وقوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وما في الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ) الجاثية : 13] وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي اَلسَّمَوَاتِ وَ مَا فِي اَلْأَرْضِ وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَ بَاطِنَةً) لقمان : 20].
بيان الحلال في أخذ المال : إِنّ أخذَ المالِ إِما أن يَكُونَ باختيارِ الآخذِ وإِرَادَتِهِ، وَ إِمَّا أَنْ يكون بغير اختيارِهِ كالإِرْثِ فإِنَّهُ ينتقِلُ إلى الوَرَثَةِ بِمَوْتِ مُوَرَثِهِم حقيقةً أو حُكْمًا. والمأخوذُ بإِرَادَةٍ واختيارٍ : إِما أَنْ يَكُون مِنْ مَالِكٍ لَهُ، وَ إِمَّا من غير مالكٍ لَهُ كالمُبَاحِ مِنْ صَيْدِ البَر والبحرِ. والمأخوذ من مَالِكٍ لَهُ : إَمَّا أَنْ يَكُونَ طَوْعًا أو كرْهًا.
ومثال المأخوذِ كُرْهًا : أمْوَالُ الانفال والفيْء والغنيمة. قال القرطبي : والغنيمة نافلة؛ لأنها زيادة فيما أَحلَّ اللهُ لهذه الأمة مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا على غيرها. قال صلى الله عليه وسلم : “فُضَّلْتُ عَلَى الأَنبِيَاءِ بسِتٍّ. -وفيِهَا- وَ أُحِلَّتْ لِي اَلْغَنَائِمُ”، والانفال الغنائم أنفسُهَا (الجامع لأحكام القرآن ج7/362). ومن المأخوذ كرها كذلك الزكاة الواجبة : عن أبي هريرة رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أَبُو بَكْرِ، وكَفَرَ من كفر مِنَ اَلْعَرَبِ، فقال عُمَرُ : كَيْفَ تُقَاتِلُ اَلنَّاسَ وقَدْ قَالَ : رَسُولُ اَللهِ صلى الله عليه وسلم : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا : لا إِلاَهَ إلاَّ اللهُ، فمن قالها فقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ ونَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَ حِسَابُهُ عَلَى الله، فقال : والله لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَ اَلزَّكَاةِ فإن الزكاة حَقُّ اَلْمَالِ، واللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤدُّونَهَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، قال عمر فوالله مَاهو إلا أن قد شَرَحَ الله صَدْرَ أَبِي بَكْرِ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ اَلْحَقُّ” رواه الجماعة إلا ابن ماجة. لكن في لفظ : مسلم والترمذي وأبي داود لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه، بدل العَنَاقِ (نيل الأوطار ج4/119). ومن المأخوذ كُرْهًا، وَ هُوَ مِنَ الحلال : نذكر نفقَةَ الزوجةِ من مَالِ زَوجِهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ إِذَا مَنَعَهَا الكِفَايَةَ :
عن عائشة أَنَّ هِنْدًا قالتْ : يَا رَسُولَ الله، إن أبا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَ لَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلاَّ مَا أَخَذْتُ منه وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِاَلْمَعْرُوفِ” (نيل الأوطار ج6/323) رواه الجماعة إلا الترمذي ثُمَّ إِنَّ المأْخُوذَ طَوْعًا وَ تَرَاضِيا إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِعِوَضٍ كما هو الشَّأْنُ فِي اَلْبَيْعِ وَ اَلصَّدَاقِ والإجارة وغيرها.
وَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ عِوَضٍ : كالهِبَةِ والصَّدَقَةِ والهَدِيةِ. و جَمِيعُ هذِهِ اَلْمَآخِذِ التي أشَرْتُ إِلَيْهَا تدْخُلُ فِي بَابِ اَلْحَلاِلِ إِذَا رُوعِِيَتْ الشُّرُوطُ والقيودُ التي وضعهَا الشَّارِعُ فِي تَحْصِيلِهَا.
أنواع الحرام باعتبار علة التحريمِ : ثُمَّ إِنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ مُحَرَّمًا لِلْأَسْبَابِ التَّاليةِ :
1- لصفةٍ فِي ذاتِهِ ظاهرةٍ : كتحريم السُّمِّ لعِلَّةِ اَلْقَتْلِ، وَ اَلْخَمْرِ لِعِلَّةِ الإسْكَارِ…
2- لصفةٍ فِي ذَاتهِ غَيْرِ ظَاهِرة : كَتَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ، وكل ذي مخلب من الطير…
3- لِخَلَلٍ فِي تَحصِيلِ اَلْمَأْخُوذِ : كَالرِّبَا، وَ بُيُوعِ الغَرَرِ، وَ الشَّيْءِ اَلْمَغْصُوبِ، وَ الزَّوَاجِ بِدُونِ صَدَاقٍ…
المشتبه : كما سبق القولُ هو ما لَيْسَ بِواضحِ الحِلِّ أَوِ اَلْحِرْمَةِ ولذلك كان محل خِلاَفٍ بَيْنَ اَلْعُلَمَاءِ، وَ يَكون إِمَّا فِي الأَعْيَانِ، وَ إِمَّا فِي اَلْمَكَاسِبِ.
- فمن الأعيان يمكن ضرْبُ الأمثلةِ لَهُ هُنَا باختلافِهِم حول : أَكْلِ لُحومِ اَلْخَيْلِ هل هُوَ حَلاَلٌ أَمْ حَرَامٌ؟ خلاف. القائلون بالتحريم : مالكٌ وأبُو حنيفَةَ وَ أصْحَابُهُمَا واَلْأَوْزَاعيُّ ومُجَاهِدٌ و أَبُوا عُبَيْدٍ.
قال ابن القاسم وابن وهب : قال مالك : قال الله تعالى : (واَلْخَيْلَ و اَلْبِغَالَ وَ اَلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزينةً) النحل/8] فَجَعَلَهَا للرُّكُوبِ والزينةِ ولمْ يَجْعَلْهَا للأَكْلِ. ونَحْوُهُ عَنْ أَشْهَبَ (الجامع لأحكام القرآن ج10/76). واحتجُّوا بهذه الآية وبما أخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ و اَلْبِغَالِ وَ اَلْحَمِيرِ، و كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّباعِ أو مخلب مِنَ الطَّيْرِ”.
قال القرطبي الصحيح الذي يدل عليه النظر والخبر جواز أكل لحوم الخيل، وإن الآية والحديث لا حجة فيهما لازمة. وقال أيضا : “واختلفوا في أكل الخيل؛ فأَباحها الشافعي، وهو الصحيح، وكرهها مالك، وأما البَغْلُ فهو مُتَوَلِّدٌ مِنْ بينِ الحمار والفرس، وأحدهما مأكول أو مكروه وهو الفرس، والآخرُ مُحَرَّمٌ وَهُوَ الحِمَارُ؛ فغلِّبَ حُكْمُ التحريمِ؛ لأن التحليل والتحريم إذا اجتمعا في عين واحدة غُلِّبَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ (الجامع لأحكام القرآن ج7/123). وساقَ القرطبي للاستدلال على جَوازِ أَكْلِهَا الأَحَاديثُ التالية (الجامع لأحكام القرآن ج10/77).
1- روى مسلم من حديث جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأَذِنَ في لُحُومِ الخَيْلِ.
2- قال النسائي عن جابر : أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحُمُرِ.
وفي رواية عن جابر قال : كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- حديث أسماء قالت : نَحَرْنَا فَرَسًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ بِالمَديِنَةِ فَأَكَلْنَاهُ؛ رواه مسلم]. وقد روى الدارقطني زيادةً حسنةً ترفع كل تأويل في حديث أسماء، قالت أسماءُ : كان لنَا فَرَسٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أَرَادَتْ أَنْ تَمُوتَ فَذَبَحْنَاهَا فَأَكَلنَاهَا. قال فَذَبْحُهَا إِنَّمَا كَانَ لِخَوْفِ اَلْمَوْتِ عليهَا لاَ لِغَيْرِ ذَلكَ من الأحوال. وبالله التوفيق.
فهذه مسألة من المتشابه في الأعيان التي جرى خلافهم في جواز أكلها وعدمه. والمؤمن خليق به أن يتورع عن أكل كل ما فيه شُبْهَةٌ احتياطا لِدِينِهِ وعِرْضِهِ وخوْفًا من الوُقُوعِ فِي اَلْحَرَامِ.
وأما فيما يتعلق بالمتشابه في المكاسب فيمكن أن نعطي مثالا على ذلك باختلافهم في مسائل بيْعِ العينَةِ. الذي يتعامل به كثيرٌ مِنَ الناسِ إِمَّا عن جهلٍ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ، وإما لِعَدَمِ اتقاء الشبهات.
وأصل هذا البيع ما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إِذَا ضَنَّ اَلنَّاسُ بِالدِّينَارِ والدِّرَْهمِ، وتباَيعُوا بِاَلْعِينَةِ، واتَّبَعُوا أذْنَابَ اَلْبَقَرِ وتَرَكُوا اَلْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اَللهِ أَنْزَلَ الله بِهِم بَلاَءً فَلاَ يَرْفَعُهُ حَتَّى يُرَاجِعُوا ديِنَهُم” رواه أحمد وأبو داود] قال الجوهري : العِينةُ بالكسر السَّلَفُ. وقال في القاموس وعينٌ أُخِذَ بِالعِنَةِ بالكسر أَيْ : السَّلَف أَوْ أُعْطِيَ بِهَا قال : والتاجر بَاعَ سِلْعَتَهُ بثمَنٍ إلى أَجَل ثُمَّ اشتراها مِنْهُ بِأَقَلَّ من ذلك الثمنِ. قال الرافعي : وبَيْعُ العِنَةِ هو : أن يَبِيعَ شَيْئًا من غيره بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَ يُسْلِمَهُ إِلَى اَلْمُشْتَرِي ثم يشتريهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بِثَمَنٍ نَقْدٍ أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ اَلْقَدْرِ (نيل الأوطار ج5/207).
وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العِنة : مالكٌ وَ أَبُو حنيفة وَ أَحْمَدُ وجَوَّزَهُ الإمام الشافعي وأصحابه مستدلِّين على الجواز بما وقَعَ مِنْ أَلْفَاظ البيع التي لا يُرَادُ بها حًُُصُولُ مَضْمُونِهِ، وَ طَرَحُوا الأَحَادِيثَ المذكورة في الباب قال صاحب البداية : “ووجْهُ ما كَرِهَ من ذلك مالكٌ أن ذلك ذريعة إلى قصد بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلى أَجَلٍ،.. وأَيْضًا يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَ سَلَفٌ كَأَنَّ اَلْمُشْتَريَ بَاعَهُ السِّلعَة بتسعينَ وأَسْلَفَهُ عَشَرَةً إِلَى الأَجَلِ الذي يجب عليه قَبْضُها من نفسه لنفسه (بداية المجتهد ج2/106).
و إنما أثرنا هنا هذا النوع من المكاسب لكونه يدخل في المشتبه للفت الإنتباه إلى التورع في التعامل بهذا النوع من البيع لأنه صورة من الربا الذي حرّمَهُ الله.
وخلاصة القول في هذه التقسيمات الثلاثة أن ما اشتهر من أمر الحلال والحرام بين حَمَلَةِ الشريعة خاصة فقد أجمعوا على حِلِّهِ أو حِرمته، وقد يخفى على بعضٍ مَنْ لَيْسَ منهم -أهل العلم- وما لم يشتهر بينهم فقد اختلفوا في تحليله وتحريمه لأسباب ليس هنا مجال ذكرها. وذلك هو المشتبه الذي يلتزم المؤمن أن يحتاط من الوقوع فيه والتعامل به ليلا يقع في الحَرَامِ.