كلمة رئيس اللجنة المنظمة ذ. عبد الله العلوي الشريفي


رئيس اللجنة المنظمة ذ. عبد الله العلوي الشريفي.

 

سم الله الرحمان الرحيم و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

أصحاب السيادة، أصحاب الفضيلة السادة العلماء ، إخواني ، أخواتي:

السلام عليكم جميعا ورحمة الله و بركاته أما بعد، فإننا نحمد الله تعالى على هذا اللقاء الحميد، و هذا الالتفاف حول ندوة: “التعليم الاصيل الواقع و الآفاق ” وإننا نرجوه لقاء تتلاقح فيه الأفكار، وتتجاوب فيه الأرواح، وتتخاطب فيه الضمائر، و تتقوى به أواصر الأخوة بين ذوي العلم والعرفان وصادقي الإيمان .

إن الموضوع الذي اخترناه لندوتنا من أعظم المواضيع خطرا، و أجلها قدرا ، و أولاها بالتقديم في قضايا جمعيتنا، لأن التعليم الأصيل ، هو قلب اهتمامنا ، ولب انشغالنا، و مركز تفكيرنا، و لأنه يبنى على القران و هديه، و تعاليم رسولنا الكريم و سنته. و لأن التعليم الأصيل الذي ارتبط

إسمه بالقرويين.. يعرف اليوم تقلصا ملحوظا و مداه يتحدد، و رسالته تتعثر، و تعترضه الكثير من المصاعب و المتاعب، و يكتنفه الكثير من الضباب،.. و أصابه ما أصاب غيره من عوامل الركود..

أيها السادة : إن أفضل ما أنتجته الصحوة الإسلامية هو اليقظة التي عمت أقطار العالم الإسلامي كله.. و لهذا فقد آن الأوان لأن نجاهد من أجل عودة القرويين إلى سالف مجدها، بعد أن عانت من الإغفال إن لم نقل الإهمال. و ذلك بتطوير التعليم الأصيل، و العناية به، و تنظيم الدراسة فيه تنظيما يضمن الحياة و التجدد و الاستمرار في أداء رسالته العلمية و الثقافية، وغرس الروح الدينية السليمة في النفوس.

و نحن لا ننكر أن التعليم الأصيل عرف في أوائل الاستقلال، و أوائل السبعينات تطورا في هيكلته، و أنه أنشئت له مدارس و ثانويات و كليات، و تجددت برامجه، و توفرت بناياته على مختبرات علمية و داخليات.. و لكن هذا التطور كان من أهم نتائجه مجموعة من المشاكل الخطيرة التي تركت و ما زالت تترك بصماتها على إنتاجه و حملة رسالته..

ويكفي أننا لو سألنا أي مهتم بالتعليم الأصيل، هل هو راض عن واقعه؛ لأجاب بالنفي الممزوج بالمرارة. وإنه وإن كان هناك محزون أو يائس، فإن هناك كثيرين ما زالوا يرون شعاع الأمل في أفق الغد. ولولا هذا ما تقدم الكثيرون برأي أو عرضوا لعلاج.

وباعث الأمل أن الله سبحانه لن يضيع دينه، و لن يطفىء منارة القرويين، وبجهود العاملين يقوم البناء وبإخلاص  المخلصين تتحدد الأدواء، و على أيدي الصادقين يجري العلاج.. و ما حضور هذا الجمع الغفير من العلماء و رجال التربية إلا شاهد على ذلك .

و مع ذلك، فإننا نرجو أن نتكاشف، و أن نضع في البداية المسلمات الآ تية:

أولا : إنه (لا قرويين) بلا قرآن، و يوم يفرغ صدر القرويين من الكتاب العزيز، حتى و إن ملئت بكل علوم الدنيا - فلن تكون أكثر من هيكل تعليمي آخر يضاف إلى الهياكل القائمة…

فالعودة إلى حفظ القرآن كشرط أساسي لقبول التلميذ بالتعليم الأصيل، هو الدواء الناجع للمشكلة .. و إذا كان هناك من يقول إن ذلك  سيقف عقبة في طريق الإقبال على التعليم الأصيل، فلنا أن نقول إن ذلك توقع هو وليد أجيال مرت انصرفنا فيها عن القرآن، واتبعنا نظما تربوية غريبة عنا و عن عقيدتنا و فكرنا و تراثنا و فلسفتنا في الحياة. فرض بعضها علينا الاستعمار الذي خطط للقضاء على مراكز التربية العريقة التي عملت على حفظ الإسلام و لغة القرآن قرونا طويلة، و فرض البعض الآخر نفر من أبناء أمتنا الذين فتنوا بمنجزات الحضارة الغربية المعاصرة، فلهثوا في الجري من ورائها… وأخذوا بها أخذ الجهول الذي لا يدري ما ينفع و ما يسوء، حتى أصبح التعليم في الأمة الإسلامية خليطا من فضلات، و مزيجا غريبا من استعارات… فتخرجت أجيال مغتربة غير متوازنة، و تغربنا أكثر من الغرب ذاته و أصبحنا وسيلة إعلام جيدة لحضارة الغرب وثقافته.

ولا بد أن يستقيم الأمر في القرويين، لترسيخ معالم ديننا ولغتنا وحضارتنا. فكفى انفصالا وانعزالا بين عقيدة الأمة ومعارف وسلوكيات أفرادها، وكفى تغريبا لم نَجْنِ من ورائه سوى مزيد من التغريب والتخلف…

ونحن لسنا ضد عزل التعليم الأصيل عن مصادر الثقافة الحديثة والوسائل المتطورة تربويا وتعليميا… فديننا يحثنا على الاستفادة من كل جديد، وتوظيفه لخدمة أهدافنا التعليمية والتربوية والثقافية بصفة عامة.

فالإسلام يعتبر الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أولى الناس بها، ويرى أن المعرفة الصحيحة هي تراث البشرية كلها، ساهمت كل الأمم والشعوب في إثرائها وتنميتها على مدار السنين، وتتابع الحضارات. فكل تقدم يتحقق في أساليب التربية ووسائلها، نحن أولى الناس بالمسارعة إليه والأخذ به، ما دام لا يتعارض مع الإسلام ونصوصه، وفلسفة التربية الإسلامية وأهدافها…

ثانيا : إن رسالة القرويين، التي تتميز بها عما سواها، والتي يجب أن نضعها دائما نصب أعيننا هي : إعداد (الإنسان الصالح) لا (الإنسان المتدين) فقط. وبذلك يتضح خطأ البعض في قصر التعليم الأصيل على الجانب الديني الخالص، وفصله عن بقية المعارف الإنسانية، وهذا اتجاه خاطئ انتقلت عدواه إلينا من خارج حدود العالم الإسلامي… انطلاقا من الشعار المطروح هناك (دع مالله لله، و ما لقيصر لقيصر).

وعليه فالتعليم الأصيل كما يشمل الدراسات الدينية الخالصة (العقيدة – العبادات – المعاملات، والأخلاق… كما وردت في القرآن وعلومه، وفي الحديث ودراساته، وفي الفقه…) يجب أن يشمل كذلك (الدراسات الإنسانية) اللغات وآدابها، علوم التاريخ والاجتماع، والنفس والتربية والفلسفة، والاقتصاد،  والإدارة، والمحاسبة… و(دراسات العلوم البحتة) الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، وعلوم الحيوان والنبات والأرض، وعلوم البحار والمحيطات، وعلم الفلك… و (دراسة العلوم التطبيقية) الطب بفروعه، والصيدلة بمجالاتها، والهندسة بمختلف تخصصاتها… وكل ما يمكن أن يستجد من المعارف النافعة.

ثالثا : إن تطوير القرويين، كان وما زال ضرورة، ولكن السؤال هو : كيف يكون التطوير الرشيد؟

إن ذلك متوقف على دور علمائنا ورجال التربية والتعليم، وعلى الموقف المسؤول الذي ينبغي أن يتخذه ويثبت عليه كل العاملين الغيورين على مصلحة التعليم الأصيل، الموقف الذي يعمل للحفاظ على الإنجازات التي حصلت بالجهود والتضحيات الكبيرة، كما يتمثل بالجهد المخلص الدؤوب لسد الثغرات الكثيرة، وتذليل ما أمكن من المصاعب والمشاكل التي تثقل حاضر التعليم الأصيل.

ولهذا اجتمعت هذه النخبة من علماء الأمة وأساتذتها ليتدارسوا واقع التعليم الأصيل وآفاقه.. بعقول منفتحة، وقلوب صافية، انطلاقا من المحاور الآتية :

- التعليم الأصيل ودوره في المحافظة على المقومات الروحية والثقافية للأمة.

- روافد التعليم الأصيل بين الماضي والحاضر والمستقبل.

- واقع التعليم الأصيل.

- بين التعليم الثانوي الأصيل والتعليم العالي الأصيل أية علاقة.

وفي الختام نتوجه بالشكر والثناء والتقدير للسادة العلماء الأجلاء، والأساتذة الفضلاء، على تلبيتهم الدعوة، وعلى ما وجدناه فيهم من تجاوب، كما نشكر كل من ساعدنا من قريب أو بعيد ونشكر الجميع على تشجيعنا بالحضور والمتابعة.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>