حماس والخيارات الصعبة مساهمة في التحليل


حماس والخيارات الصعبة

مساهمة في التحليل

> الصفريوي لحبيب

عرفت وثيرة أحداث القضية الفلسطينية تسارعا وتصاعدا مثيرا، حتى ليخيل للمتتبع لهذه الأحداث أن التاريخ يعيد نفسه من خلال المشاهد المثيرة لتساقط الأنظمة الشيوعية في المعسكر الشرقي كأوراق الخريف. وما دفعني إلى قول ذلك هو الجديد الذي حمل توقيع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وكان مثيرا للغاية في نظر الكثير من المهتمين بمسار القضية الفلسطينية، خاصة في هذا الظرف الذي قطعت فيه المفاوضات الثنائية أشواطا بعيدة. وتمثل ذلك فيما أعلن عنه محمود أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحماس لجريدة السبيل الأردنية من أن حركته مستعدة لوقف عملياتها العسكرية ضد إسرائيل في حالة استجابة هذه الأخيرة لشروطها المتمثلة في الانسحاب الكامل من الضفة والقطاع والقدس الشريف وتفكيك المستوطنات.. وقد اعتبر الكثير من المتتبعين أن ذلك بمثابة اعتراف ضمني بحق إسرائيل في الوجود، وتغير كبير في مواقف وأهداف الحركة التي كانت ترفض إلى وقت قريب التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين وتعتبرها وقفا على جميع المسلمين لا يجب التفريط فيه.

وقد جاء هذا الإعلان في غمرة تزاحم الأحداث بالمنطقة، سيما بعد حظر نشاط حركة حماس بالأردن بقرار رسمي أعلن عنه الملك حسين شخصيا؟ بعد تصريحه بأنه لا يعترف بغير وجود منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني على أرض بلاده. وهذا الحظر جاء استجابة لرغبة إسرائيلية بعد تصريح الوزير الأول الإسرائيلي إسحاق رابين الذي اتهم فيه الأردن بأنه يدعم ويأوي المناوئين لعملية السلام! والتهديد الإسرائيلي للأردن أتى تحت ضغط الرأي العام الداخلي الصهيوني على حكومة رابين  لهول ما أصابه من فزع وخسائر فيما يعتبره أرض إسرائيل نتيجة العمليتين الاستشهاديتين لأعضاء من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس بالعفولة والخضيرة أيام (6و13-4-94) وخلفتا 12 قتيلا وعشرات الجرحى.

وليس بخاف مدى الضرر الذي سيصيب حركة حماس من هذا الحظر الذي تعرضت له بالأردن سيما وأن أغلب قيادييها بالخارج يتواجدون بهذا البلد الشيء الذي سيعيق أعمالهم وتحركاتهم.. خصوصا في هذا الظرف العصيب الذي تمر به المنطقة عموما والقضية الفلسطينية خصوصا.

وقد يكون هذا العامل وعوامل أخرى خارجية وداخلية هي الحافز الأساسي لحركة حماس على تليين موقفها -إن كان هناك تغيير أصلا- وإعادة النظر في استراتيجيتها السياسية. والتعامل مع المعطيات الجديدة للقضية التي أفرزتها الظرفية الراهنة بنوع من “الديماغوجية السياسية”. والتي بدونها ستخرج الحركة خاوية الوفاض رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها ولا زالت تقدمها على ساحة المعركة إلى جانب المخلصين من أبناء الشعب الفلسطيني. سيما وأنه أصبح في حكم المؤكد لديها ومنذ أمد طويل أن العامل الخارجي لا يميل لصالحها بسبب تفردها وإصرارها على موقفها الرافض لعملية السلام بشكلها الحالي لإجحافها الحق الفلسطيني.. وهي عوامل نخص بالذكر منها :

1- ليس بالأمر المستبعد تدبير مؤامرة على الحركة بتصنيفها في خانة الحركات الإرهابية، ويكفي في ذلك إعلان صادر من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، مع ما يتبع ذلك من شلل تام للحركة خارج الأراضي المحتلة.

2- عجز الحركات الإسلامية عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم لها بسبب ما تتعرض له بذاتها من محن حتى داخل الدول التي تدعي تبنيها للشريعة الإسلامية في نظام حكمها، ومن جهة أخرى إذا كانت انتفاضة حماس بالداخل تتطلب دعما من خارج الأراضي المحتلة لضمان استمراريتها وتصليب عودها وفاعليتها، فإن هذا المطلب لا يتأتى لها بسبب المواقف السلبية لدول الطوق من أي نشاط ينطلق من أراضيها لأن ذلك يتعارض ومشاركتها في العملية السلمية مع إسرائيل الشيء الذي لا يترك أي أمل لحماس والفصائل المناهضة لاتفاق السلام لكسب أي دعم مادي أو إعلامي أو حتى سياسي لصالح قضيتهم وهذا ما سيتضح من خلال استعراض أوضاع كل دولة على حدة والتي لم تعد تهتم سوى بمنطق الربح والخسارة من عملية السلام مع “الشقيقة إسرائيل” وفي                   نفس الوقت معارضة أي نشاط فلسطيني مهما كان صغيرا افسوريا : وإن كانت تعتبر أكبر دول المواجهة المعادية لإسرائيل نظريا، فالسلام في نظرها يعني استرجاع الجولان من جهة وتحسين وضعها على المستوى الدولي -لكونها مصنفة لدى (و.م.أ) في خانة الدول الراعية للإرهاب والمخدرات- وتحسين حالة اقتصادها، وقد بلغ لديها من إبداء حسن النية تجاه إسرائيل السماح لوفد من عرب إسرائيل بالدخول إلى سوريا لتقديم التعازي في وفاة نجل الرئيس: باسل الأسد؟ هذا في الوقت الذي تحتضن فيه عشر منظمات مناهضة لاتفاق السلام. لأنها تعتبرهم بمثابة ورقة ضغط في مفاوضاتها.

- لبنان : دخل مفاوضات السلام وكل أمله استرجاع أراضيه بالجنوب التي أعلنتها إسرائيل حزاما أمنيا لها وقد تزامن ذلك وانكباب الحكومة اللبنانية على ترتيب البيت من الداخل بعد توقف الحرب الأهلية عام 1980، حيث عمدت إلى محاولة استرجاع هيبة الدولة ونزع سلاح المليشيات وتجميد كل نشاط مسلح للمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل من داخل أراضيها.

- الأردن : يعتبر أضعف حلقة في مسلسل التسوية بالمنطقة، ويبقى أكبر أمله في هذه المفاوضات هو التخلص من عقدة الذنب لتضييعه الضفة والقدس الشريف سنة 67. وكذلك سعيه الحثيث لتحقيق مكاسب اقتصادية مع المولود الفلسطيني الجديد في غزة وأريحا، دون أن يثني ذلك النظام الأردني على تشديد الخناق على الإسلاميين إن بتلفيق التهم إليهم أو حتى بحظر حركة حماس.

- مصر : منذ توقيع السادات لصفقة الخيانة في كامب ديفد، ومصر ينظر إليها بعد عودتها إلى الصف العربي على أنها عراب إسرائيل بالمنطقة والجسر الذي تمر عبره كل اللقاءات والصفقات السرية والعلنية، وخدمة الأهداف الاستراتيجية للصهاينة ولو بمتابعة الفلسطينيين على الأراضي المصرية وإذا كانت دول الطوق لها من المبررات ولو بمنطق المصلحة الأنانية لحملها على تصفية القضية الفلسطينيةبمساهمة عرفاتية، والانخراط في مسلسل السلام والتطبيع مع إسرائيل، فإن ما يثير امتعاض الجميع هو الاندفاع الكلي والجنوني لدول تعتبر بمثابة الخندق الثاني في صف المواجهة مع العدو الصهيوني لمخاطبة ود الصهاينة وربط كل أشكال التعاون معهم : السياسي والاقتصادي والمالي، بحيث إن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بلغ مداه ولم يعد ينقصه سوى فتح السفراء وتبادل السفارات، ولا نستغرب إذا سمعنا في يوم ما أن حجم التبادل الاقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل يفوق مثيله بين الدول العربية نفسها نتيجة لما يحدث؟.

فإذا كان هذا الاستعراض بمثابة ملامسة عن قرب لسلبيات العامل الخارجي في دعم القضية الفلسطينية وبالتالي الحيلولة بين حماس وأهدافها  في تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، فإن العوامل الداخلية في المقابل تعتبر أكثر أهمية مما سبق ذكره نظرا لما آلت وتؤول إليه المفاوضات بين المنظمة وإسرائيل من واقع جديد بعد التوقيع بينهما في 4 مايو على تنفيذ مبادئ الحكم الذاتي، والذي على ما يبدو كان حافزا لحركة حماس على تليين موقفها  السابق، مستفيدة في ذلك من دروس الماضي والحاضر والتي يمكن أن نجملها في النقط التالية :

1- إن التاريخ علمنا أنه في السياسة ليس دائما من يضحي أكثر يربح في النهاية كما هو الأمر في عالم الاقتصاد وهذا ينطبق أيضا على حماس في سعيها لتحرير كامل أرض فلسطين، إذ كان عملاء الاستعمار وطابور العلمانية والديكتاتورية العسكرية على امتداد طول الوطن العربي هم الذين يستفيدون من تضحيات المجاهدين وحركات التحرر في أقطارهم، وتصبح الوطنية حكرا على رموزهم، وفضل الاستقلال  يعود إليهم، وقد لا تستثنى حماس من هذه القاعدة -لا قدر الله-

2- إن حماساً لا تملك الضمانات الكافية لالتفاف الجماهير المنتفضة حولها إلى ما لا نهاية وبهذا الزخم كله، بعد تطبيق الحكم الذاتي، ذلك أن الجماهير العربية مبتلاه بداء النسيان والصفح عن جلاديها (تلويح أنصارعرفات بأغصان الزيتون في وجه الجنود الصهاينة بعد توقيعه اتفاق 13/9/93) خاصة إذا عرفنا أن هذه الجماهير لا تنتفض إذا مست أو أهينت في عقيدتها أو مقدساتها (الآيات الشيطانية..) وإنما إذا مست في رغيفها، وهذا ما أعدت له سلطة الحكم الذاتي حسابه بالاستفادة من الأموال الطائلة التي ستخصص لها من أجل تحسين أوضاع الجماهير الفلسطينية الاجتماعية والاقتصادية طيلة الفترة الانتقالية.

3- إن المفاوضات الحالية ستفضي لا محالة إلى إفراز وضع دولي جديد بالمنطقة بإنشاء هونغ گونغ شرق أوسطية (كيان صغير بدون سيادة) تكون الأولوية فيه للاقتصاد، وقد تتلو ذلك خطوات أخرى من قبيل سحب إسرائيل لإدارتها وقواتها من المناطق الملتهبة لتحل محلها إدارة وشرطة فلسطينية التي سيكون من مهامها الأساسية وقف الانتفاضة..

4- التنسيق والتفاهم بين المنظمة وإسرائيل بلغ مداه في كل المجالات بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين أعضاء حركة فتح والسماح بعودة المنفيين على دفعات وجلهم كوادر حركة فتح لتهييئهم لتسلم زمام الأمور الإدارية المقبلة. وكذلك السماح بنشر 9 آلاف شرطي/ جندي من الموالين لحركة فتح لحفظ الأمن بغزة وأريحا.. هذا في الوقت الذي يشتد فيه الخناق على أعضاء حركة حماس بالداخل والخارج والزج بالآلاف منهم في المعتقلات والسجون.

وكيفما كان الأمر فهذا غيض من فيض وما تحبل به الأيام المقبلة قد يكون أهول.. لكن ما يجب التأكيد عليه لكل العاملين في الحقل الإسلامي أن الشعار شيء والواقع شيء آخر لذا فالحرص واجب على عدم تكرار أخطاء بعض الحركات الإسلامية التي ترفع شعارات “هلامية” تكون دون طاقتها لتنزيلها على أرض الواقع سيما وأنها تتحرك من خارج أرضية وموقع السلطة الفاعلة التي تكفل لأي شعار النجاح في التطبيق، بغض النظر عن التآمر والتربص المحيطين بالفكرة الإسلامية والعاملين لها. وقد يكون من نتيجة ذلك فقدان المصداقية عند الجماهير في تلك الشعارات وأصحابها، كما حصل لسدنة الاشتراكية في الماضي عندما عجزوا عن تحقيق وعدهم بإقامة الجنة على الأرض!؟

ولانشك في أن حماس قد تخلت عن خطها الاديولوجي والجهادي الذي قطعت العهد في سبيل تحقيقه حتى تحرير كامل فلسطين من قبضة اليهود وهي أيضا على علم تام بأن واقعا جديدا يتم رسم معالمه على أرض فلسطين بإقامة كيان غير كامل النمو، وهذا لا يمنع بأي شكل من الأشكال من محاولة استثمار هذا المعطى الجديد المفروض قسرا على الشعب الفلسطيني بدءا بالمشاركة في العملية الانتخابية المزمع إجراؤها لاختيار قياديي الشعب وممثليه الذين سوف يكون من حقهم ولوحدهم، التعبير عن ارادة الفلسطينيين وطموحاتهم.

وفي هذا الاطار أكدت حماس، أنه في حالة حصولها على ثقة الشعب الفلسطيني فإنها ستعمل على تنفيذ برنامجها القاضي بحشد كل الطاقات والقدرات الذاتية التي يخْتزِنُها، شعب فلسطين الأبيّ من أجل تحرير كامل أرضه ومقدساته. ومؤكدة في الوقت نفسه تشبتها الكامل بثوابتها الاسلامية الاصيلة باعتبار فلسطين أرضاً إسلامية لايجوز التنازل عنها أو التفريط فيها أو المساومة عليها!!

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>