كلام في تحديد النسل
> عبد الرحمان بودرع
تعرف البلاد حالياً حملة مكثفة للتوعية بما يدعى بتنظيم الأسرة. وقد تضافرت في الحملة الإعلامية أجهزة متعددة نزلت بكل ثقلها للبلوغ إلى وعي الناس بتركيز وحملهم على الاستجابة. فَجِهَةٌ تُصْدِرُ التخطيطاتِ >المنظّمةَ< للأسرة والحبوبَ التي تحدّ من انتشار أفرادها، وجِهَةٌ تجتهد في إيصال مقررات الصحة ونشرها وأُخْرَى تصدر خطباً جاهزة أو تعليمات مُسْتعجلةً للبحثِ والتنقيبِ ولَيِّ أعناق النصوص التي يمكن أن تستجيب لمقاصد >تنظيم الأسرة< واعتبارِ توالي >الحمل< إلقاء باليد في التّهلكة.
و>تنظيم الأسرة< مصطلح مهذب أنيق يخفي وراءه مفهوماً آخر لا يُذاعُ في حملات التوعية هو >تحديد النسل<، و>إيقاف أعداد المواليد المتكاثرة يومياً<. وقد عمدت وسائل الإعلام إلى المقارنة بين أسرتين إحداهما امتثلت لمخطط تحديد النسل بتناول حبوب منع الحمل ولم تستجب الأخرى فوقعت في الفقر وكثرة المشاكل وسوء التدبير، وقد صُوِّرت الأسرتان بالطريقة التي تُحبب إلى النفوس منع الحمل وتُكَرِّه إليها كثرة العيال. وقد تأدبت بعض البرامج في التفريق بين التحديد والتنظيم فقالت إن المدعوَّ إليه هو التنظيم أي المباعدة بين فترات الحمل لاإيقافه، ولكن ذلك لم يمنع من تبيُّن مقاصد بعض الجِهَاتِ التي تحركت بكثافة للتوعية بشبح النسل وأعدت للقضية كلّ عُدة. وإذا حقّ لإعلامنا أن يقارن بين أحوال مصطنعة لأسرتين من أجل تقريب >الأزمة< إلى النفوس، فقد كان ينبغي له أن يقارن بين بلادنا التي تجند طاقاتها لتهويل الموضوع وبين بعض بلدان أوربا التي تشجع على النسل وتقدم على التّناسل والتكاثر الهبات والمكافآت وهي مشفقة على نفسها من انخفاض نِسْبة المواليد مع العلم بأن عدد سكانها مرتفع جداً، وهي تشجع على الولادة وتعلم أن الولادة ليست سبباً لنقص الأموال والثمرات وانتشار الجوع والفقر.
ومن اللاّفت للنظر في العالم كله أنه -في إطار النظام العالمي الجديد- أصبح المسلمون عملة رخيصة تُباع وتشترى بل تباد بكل أنواع المبيدات البشرية، وأمامنا نماذجُ كثيرةٌ تُثْبِتُ هذه الحقيقة كنموذج الصِّرب الذي يُبيدُ مسلمي البوسنةِ ويساعده المنتظم الدولي الجائر بالصمت والتزكية وإصدار القرارات الفارغة وتعطيل المبادرات، ونموذج اليهود الذين يفتكون بالفلسطينيين ويهدمون بيوتَهم ويصادرون أموالهم وخيراتهم ويشجعون على انتشار اليهود وتكاثرهم في كل بقعة من بقاع العالم لافي الأرض المحتلة فقط.
وبعد، ألا تعتبر إبادةُ المسلمين ضرباً من تحديد نَسْلِهِمْ في الأرض وتنظيم الأسرة ضرباً آخر خفياً؟ ألا نضع اليد -بدلاً من حملة التحديد هذه- على الحدّ من الفقر والجوع والمرض والجهل، والحدِّ من سوء توزيع الثروات، والحدّ من تفاحش غنى الأغنياء وفقر الفقراء، والحدّ من تَخرُّج المغنين والمغنيات والراقصين والراقصات، وتشجيع نسبة المتعلمين وتوسيع قاعدة المثقفين والعلماء حتى يصبح المطلب الأساسي هو العيشَ الكريمَ والاستقامةَ على الطريقةِ، ويتحوَّل النظرُ من أزمةٍ مفتعلة تتعلق بالحدّ من المواليد التي تُعلَّق عليها الأزمةُ، الاقتصاديةُ والاجتماعية إلى أزْمة حقيقية تتعلق بحسن تكوين هذه المواليد وتربيتها وتعليمها وإعدادها لنفع البلاد والعباد وتحمُّل الرسالة.