في ندوة صحفية بفرنسا : رئيس المجلس الوطني الانتقالي السوداني يتحدث عن الأوضاع في الجنوب


في ندوة صحفية بفرنسا : رئيس المجلس الوطني الانتقالي السوداني يتحدث عن الأوضاع في الجنوب

> مراسل المحجة بباريس.

عقد رئيس المجلس الوطني الانتقالي (البرلمان السوداني) السيد محمد أمين خليفة، ندوة صحفية بمقر اليونسكو بباريس وذلك يوم الاثنين 18/4/94 حضر هذه الندوة إلى جانب الصحفيين العرب والأجانب بعض سفراء الدول العربية والإفريقية المعتمدين بباريس.

وقد وصل إلى المحجة تقرير مفصل عن ذلك تضمَّن أهم القضايا التي نوقشت في الندوة.

وقبل أن يفسح المجال لأسئلة الصحافيين ألقى الرئيس محاضرة بيّن فيها حقيقة الوضع في السودان وخاصة مشكل الجنوب وقال : … إن الأسباب الخفية والجذور التاريخية لهذا المشكل بدأت مع دخول الاستعمار البريطاني المنطقة.. ذلك أنه وضع قوانين كان الهدف من ورائها زرع العداوة بين العناصر الدينية والعرقية واللغوية المكونة للمجتمع السوداني هذه العناصر المختلفة التي هي في الحقيقة مصدر قوة وافتخار بالنسبة للسودان وليست سبب خلاف… لكن الاستعمار كان يرمي إلى عزل الشمال عن الجنوب حتى يبقى هذا الأخير متخلفا وبالتالي يظل تابعا للاستعمار فتستغل ثرواته من أجل ذلك منع الشماليين من الذهاب إلى الجنوب ومنع الجنوبيين من ارتداء اللباس الشمالي (الذي هو لباس عربي افريقي) واجبروهم  الا يسموا أبناءهم بالأسماء العربية الافريقية بل يسمونهم بأسماء المستعمر (مثلا جون هو اسم غربي وليس افريقي) وبقي الجنوب متخلفا يعيش حياة بدائية منغلقا على نفسه محروما من الاتصال بالشمال وذلك بقانون القوة الذي فرضه الاستعمار حتى إذا ذهب الشمالي إلى الجنوب للتجارة اتهمه الجنوبيون بأنه جاء لتجارة الرقيق.. لكن لما خرج الاستعمار خرج بنفسه وترك قانونه القسري وترك ثقافته وترك تأثيراته… وترك الجنوب في حالة تخلف شديد إذ ليس هناك إدارة ولاقانون ولاحكم… وإبان الاستقلال (1956) لما وضعت الخطوط الادارية من طرف الحكومة المركزية أوعزت بريطانيا إلى الجنوبيين بأن الشماليين يخططون لاستعماركم فخلقت مشاكل وقامت ثورات في تلك المنطقة وكانت محاولات للسلطات المركزية وتوصلت إلى حلول فوضعت الحرب أوزارها لفترة لكن بايعاز من نفوذ خارجي قامت أيضا حروب إخرى  فكانت مشكلة الجنوب هي سبب كل الانقلابات العسكرية التي عرفتها السودان… حتى جاءت ثورة الانقاذ يونيو 1989م

وعن مشكل اللاجئين قال : … إن أول من عرف بقضية اليتامى واللاجئين الموجودين في الجنوب هم نحن وأنا أول من ذهب إلى هناك فوجدت 12 ألف طفل محتجز لدى قرنق واعترف بذلك هو بنفسه… احتجزهم ليربيهم ويتخذهم دروعا بشرية… كل المناطق التي هي تحت سيطرتنا تنعم بالأمن والاستقرار حتى أن آلاف المواطنين الموجودين في المناطق التي يسيطر عليها قرنق يفرون سرا من هناك إلى مناطقنا.. وأقول لكم حقيقة يغفلها الجميع وهي أن جميع الصور التي تظهر في مختلف وسائل الإعلام والتي تظهر مأساة اللاجئين السودانيين هي كلها ملتقطة ومصورة في المناطق التي يسيطر عليها قرنق ونحن نتحدى غير ذلك…

سؤال : .. السودان متهم بعدم احترام الحرية وحقوق الإنسان ومتهم بالإرهاب؟

جواب : اما عدم احترامنا لحقوق الانسان فنحن نتحدى أن تأتوننا بالبراهين.. وقلنا في مؤتمر للمحامين العرب بأن تفتح سجون السودان وسجون الدول العربية الأخرى لنرى من يحترم حقوق الانسان ومن يدوسها لكنهم لم يفعلوا ذلك لأنهم يعلمون أن الفارق بين عدد السجناء في السودان وغيره في الدول العربية شاسع… وأنا أقول لكم وبكل صدق وتأكيد أني قبل سفري إلى هنا تركت 53 معتقل فقط وهم قيد التحقيق وقد يفرج عن أغلبهم أو كلهم في الأيام القادمة.. قضية أخرى اتهمنا بها وهي قضية حرية المرأة وحقوقها، وللتأكيد فإن وضعيتها أحسن بكثير مما هي عليه في كثير من البلدان حتى الأوربية وأعطيكم مثال واحد فقط يبرهن عن صحة ماقلت ان لدينا 25 امرأة في البرلمان من أصل 250 عضو مما يجعل نسبتها 10% وهذه النسبة غير موجودة في أغلب البرلمانات الأروبية فضلا عن العربية..

أما فيما يخص الحرية السياسية والديكتاتورية فأقول ان النظام السياسي الذي اختارناه وهو نظام المؤتمرات الشعبية يفسح المجال أمام ابناء الشعب بكل اختلافاتهم وطبقاتهم من المشاركة في الحكم وتسيير شؤون البلاد… فقد رفعنا عدد الولايات إلى 26 ولاية وذلك لاتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من المواطنين لتسلم السلطة والمساهمة في رفع مستوى كل ولاية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. أما قضية الدكتاتورية فهي دعوى باطلة كيف يحكم بلدا دكتاتوريا ورئيسه يتجول في شوارع المدن بدون سلاح… وصوره الشخصية لا توجد في الدواوين الحكومية ولا في مكتب رسمي….

وفي جواب له عن المفاوضات الجارية لاحلال السلام في جنوب السودان حتى ستقر هذا البلد ويقوم بدوره الحضاري في المنطقة وفي العالم قال :  في بداية ثورة الانقاذ اتفقنا مع متمردي الجنوب حول قضايا أساسية وهي أن التفاهم حول المشكلة يجب أن يكون بالطرق السلمية لا بالحرب وأن يفسح المجال للإغاثة ومن جانبها تعهدت ثورة الانقاذ بأن تصدر عفوا عاما علي كل من حمل السلاح من المتمردين مند 1983م. لكن منغستو (الرئيس الأثيوبي أنداك) والذي يدعم المتمردين كان يحرضهم على مواصلة الحرب وعدم التفاهم لانه كان يساوم بالقضية الاريترية… بعد ذلك اتفقنا (الحكومة-المتمردين) بأن يقوم مؤتمر للحوار حول السلام فوضعنا خمسة أسس لحل القضية :

1- المحافظة على الوحدة الوطنية.

2- الاقتسام العادل للسلطة.

3- الاقتسام العادل للثروة.

4- التنمية المتوازية.

5- علاقة الدين بالدولة.

كان هذا في ديسمبر 1989م بنيروبي فوافق المتمردون على هذه الأسس لكنهم اشترطوا علينا مطالب غير عادلة وهي : رفع حالة الطوارئ، الغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر وليبيا، الغاء الشريعة الاسلامية، اذن هي شروط غير عادلة لأنها قضايا سياسية ومن اختصاص الدولة المعترف بها دوليا أما بخصوص الغاء الشريعة فقلنا لهم أن الشريعة والعرف هما مصدرا التشريع وأن الأقلية الغير اسلامية تعفى من تطبيق الشريعة وعليها أن تأخذ بالعرف وانفض المؤتمر.. وفي احدى مؤتمرات منظمة الوحدة الافريقية اقترح الرئيس عمر البشير على الرئيس النيجيري بابا انجيدا على أن يقوم بدور تنسيقي بين الجانبين فوافق وذهب وفد الحكومة إلى أبوجا بنفس المبادئ السابقة وتوصلنا إلى نجاحات لكن بقيت بعض القضايا عالقة فعدنا إلى أبوجا مرة ثانية في 1993 لمناقشة ماتبقى من القضايا. وكان جون قرنق قد وافق على أن يحضر هذه الجولة من المفاوضات التي كانت من انجح الجولات، وقبل اسبوع من بدء الجولة ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية  ليحاضر هناك بدل أن يحضر إلى أبوجا كما وعد وعلى الرغم من غيابه توصلنا، إلى عقد اتفاقية لكن لم نستطع التوقيع على بنودها لأن جون قرنق وصل في آخر يوم من المفاوضات فكان سببا في عدم التوقيع… ورغم هذه العراقيل فإن بحث  السودان عن السلام لن يتوقف ومحاولاته مستمرة وآخرها أنه عقد في نيروبي مؤتمر للتفاوض بحضور دول (الكاد) (وهي اثيوبيا، اوغندا، ارتيريا ، كينيا) وتم الاتفاق على فصل القضايا السياسية عن الانسانية وتكونت لجان من الاطراف الثلاثة واتفقنا على أن تصل الإغاثة إلى المتضررين فتبرعت الحكومة ب 153 ألف طن من الأغذية وأرجأت لجنة الكاد] النظر في القضايا السياسية…

كان هذا أهم ماجاء في عرض رئيس البرلمان السوداني ورئيس الوفد السوداني في مفاوضات السلام حول الجنوب بعد ذلك ترك المجال للأسئلة ونشير إلى أن الاسئلة كانت عبارة عن مداخلات طويلة خاصة من جانب الفرنسيين وأغلبهم من المختصين والباحثين في شؤون السودان والذين عاشوا فترة طويلة هناك، ولذلك سوف نقتصر على المحور الرئيسي للمداخلة والذي تم الاجابة عنه من طرف الرئيس :

إن وضعية المرأة في السودان أحسن بكثير مما هي عليه في كثير من البلدان حتى الأوربية وأعطيكم مثال واحد فقط يبرهن عن صحة ماقلت ان لدينا 25 امرأة في البرلمان من أصل 250 عضو مما يجعل نسبتها 10% وهذه النسبة غير موجودة في أغلب البرلمانات الأروبية فضلا عن العربية..

سؤال :  حول طبيعة الحرب في الجنوب؟.

جواب : … إن الحرب في جنوب السودان ليست دينية ولاعرقية وإنما هي سياسية في الدرجة الأولى… فإذا كانت دينية بين المسلمين والمسيحيين او عرقية بين العرب الشماليين والافارقة الجنوبيين كما تقولون فلماذا هناك مسلمون يحاربون مع المتمردين وأفارقة جنوبيين غير مسلمين في أعلى هرم السلطة المركزية (وجود وزراء مسيحيين في الحكومة الحالية)… إن جون قرنق هو الذي يضفي هذه الصفة على هذه الحرب، فهو  يتحول مع كل حالة… في السابق عندما كان يذهب إلى الكتلة الشيوعية الحرب التي يقودها هي حرب ضد البورجوازية وضد الاقطاع والرجعية وذلك من أجل الحصول على الاعانات والآن عندما يذهب إلى الغرب يقول إن حربه هي حرب ضد الديكتاتورية وعندما يلتقي بالمسيحيين يقول إن الحرب دينية بين المسيحية والاسلام كل هذا لكسبب التأييد العالمي وجلب المعونات، لكنه في الأخير افتضح.

الحرب سياسية ويجب أن تحل سياسيا…

سؤال، في نفس السياق وهي أن قضية الجنوب قضية عرقية بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي

جواب : إن القضية ليست عرقية بين الشمال والجنوب ولادينية بين الاسلام والمسيحية… لكن قد تتحول إلى حرب عرقية طاحنة لانهاية لها إذا انفصل الجنوب عن الشمال. لأن الجنوب مكون من عدة قبائل متباينة العرق واللغة والدين فإن تم الانفصال فهذه القبائل ستدخل في حرب لاتبقي ولاتذر ولعل بعض المنظمات وبعض تجار السلاح يريدون  ذلك.. ولن يتم ذلك أبدا بإذن الله… لأننا اتخذنا كل الوسائل لمنع الحرب والإقتتال بين السودانيين واهم هذه الوسائل إقامة العدل : العدل في توزيع السلطة والعدل في توزيع الثروة؛ فكل ولاة الاقاليم الجنوبية هم جنوبيون (يعني اهل البلد)… وثروات الجنوب يذهب أكثرها إلى أهل البلد (60%) والنصيب الباقي (40%) يذهب إلى المركز لتوزيعه على بقية المناطق.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>