كتاب فيرجس حول الجزائر


كتاب فيرجس حول الجزائر

صدر مؤخراً في شهر أكتوبر الماضي كتاب للمحامي >جاك فيرجس< تحت عنوان، “رسالة مفتوحة لأصدقاء جزائريين أَصْبَحُوا مُعَذِبين”، الكتاب شهادة حيّة عن الواقع السياسي والأَمْنِيِّ الذي تعيشه الجزائر منذ سنتين، ومما يعطي للشهادة قيمتها الموضوعية أنها صدرت عن رجل دافع عن القضية الجزائرية أثناء حرب التحرير، ودافع عن المجاهدين الذين قادوا هذه الحرب والذين يقودون اليوم حربا ضد الشعب الجزائري باسم العصرنة والتقدم.

وبهذه المناسبة إلتقينا بالسيد فيرجس وأجرينا معه هذا الحوار:

الحوار أجراه حسن بن منصور من باريس

سؤال : لقد نشرتم هذه الأيام كتابا تندٍّدُونَ فيه بالنظام الجزائري الحالي، هل مَنْعُكم من الدخول إلى المحكمة العسكرية بالبليدة والدفاع عن مسئولي الفيس كان هو سبب نشر هذا الكتاب؟

فيرجس : أولا أَقُولُ لكم أني لا أُهاجم النظام بصفة عامة، بل أُهاجم الحكام الجزائريين اليوم بسبب حقوق الإنسان والعدالة والأشياء البربرية المتمثلة في التعذيب. وكذا الإعدامات الخارجة عن القانون والتي كان الجيش الفرنسي يسميها العقاب >Loevée<، فهي أشياء عرفتها الجزائر منذ ثلاثين سنة، والتي تعرفها من جديد.

وكتابي يعبر عن شعوري في هذا الموضوع، وبما أني أَطْرَحُ عليكم المشكل في هذا الإطار -وهو إطار غير سياسي- بل إطار أخلاقي ومعنوي… فمن البديهي أنه ليس تشاجراً بسبب جُرْح كَرَامَتِي أو صَدَاقَتَي الذي أُلْحِقَ بي، ولكن عندما كَذَبُوا علي، عندما قالوا لي إِنِّي باستطاعتي الدِّفاعَ عن الشيوخ أمام المحكمة العسكرية للبليدة، وليلة المحاكمة أيضا، عندما قال لي محافظ الحكومة : أنه يَعْتَبِرُني جزائريًّا أَكْثَرَ مِنْهُ ولي مكانة في هذه المحاكمة، ومن الغد الكُلُّ وصل إلى المحكمة، ولكن مَنَعُونِي من الدُّخُولِ، فمن البديهي أنه بالنسبة لي خَيْبَةُ أملٍ. ولكن ليست الخيبة هي الأهم، الأَهَمُّ ماوراء الخيبة ..وهذا مايُفَسِّرُ سُلُوك الآخرين، فهمت هذا اليوم شيئين :

أولا أن الأخوة في السلام التي وُلِدَتْ أثناء حرب الجزائر، أثناء الثورة الجزائرية، هذه الأخوة في السلام، البعض لا يُفَكِّرُ فيها إلا كتَوَاطُؤٍ بدون مبادئ. كنا أخوة في الماضي، يجب أن نكون اليوم مُشْتَرِكين في السَّرِقَةِ، وهذا كان بالنسبة لي القَطْرَةَ التي أَفْهَمَتْنِي كُلُّ هذا رغم أن إحساسي لم يكن بعيداً عن هذا.

والشيء الثاني وراءَ رَفْضِهِم دُخُولِي أَنِّي قُلْتُ إن لَهُم أَشْيَاءَ يُخَبِّئُونَهَا، يعني أَنَّ الملفَّ غَيْرُ قَابِلٍ للْكَشْفِ، وإنَّ المُدَاوَلاَتِ غَيْرُ قابلةٍ للْكَشْفِ أَيْضاً، لأنَّهُم اسْتَعْمَلُوا الحُجَجَ الوَطَنِيَّةَ، وهِيَ الحُجَجُ المستعْمَلَةُ، دائِماً عند الاسْتِسْلاَمِ، قالوا : إِنَّ منْ حقِّهِمْ رَفْضَ الدُّخُولِ للصَّحفيين والمُلاحِظِينَ إلى المحكمة، بالفِعْلِ، إِنَّ حَقَّهُمْ هذا يُخَوِّلُ لهُم أيَّ شيء، إعطاءُ -مثلاً- سَاعَتَيْنِ للنَّاسِ للتَّظَاهُرِ من أجل شِعَارَاتٍ رسمية، أو تقرير جَمْع تبرُّعَات بهدف بناءِ تمثالٍ لمسْئُولٍ. لكن ليس هذا هو المشكل، المشكل حسبَ رأيِي هو الشرف الوطنيُّ والمتمَثِّلُ في مسْأَلَتَيْنِ :

الأولى هو عندما نَحْكُمُ فَلْنَحْكُم علاَنِيةً ليرى العَالَمُ كُلُّهُ العدَالَةَ، عِنْدَما نُخَبِّئُ ذلك، هذا مَعْنَاه أننا نقوم بشيء لا نُرِيدُ البَوْحَ بِهِ.

والمسألة الثانية هو عدَمُ غَلْقِ أبْوَابِ المحاكم، والشَّرَفُ الوَطَنِيُّ أيضا ألاّ نَتَسَوَّلَ لَدَى جميع الساحات الحالية العالمية وقبُول شروط الأغنياء، هذا مااستخْلَصْتُهُ من هذا المبدأ.

سؤال : عندما نَقْرأ كتابك نشْعُرُ بِخَيْبَةِ أمَلٍ كبيرة اتجاه أصدقائك القدامى، والذين تُطَلِّقهم إلى الأَبَدِ، هَل يُمكنُ القول اليوم إنَّكَ بالفعل لم تكن تعْرِفُهُم بأنّهم وُحَوشٌ ذَاتُ وُجُوهٍ آدميّة؟

فيرجس : أُريد في البداية تعديل ما قُلْتَه، إنهم ليسوا أصدقائي القدامى، “الرسالة” ليست موجهة لأصدقائي والذي مَعْنَاهُ أنهم كُلُّهُم خَانُوا المثَلَ الأعلى، من حُسْن الحظ أن بَعْضَهُم مازال متمسِّكاً بمُثُلِهِ، لكن هؤلاء بَعِيدون عن المَسْئُولِيّةِ.

بالفعل كثيرٌ من الأصدقاء خيَّبُوا أمالي فيهم، تريد أن تعرف مدى هذه الخيبة؟ كانت كبيرةً بالنسبة إليَّ، لاَ أَفْهم أنّ أُنَاساً عندما كنتُ أَقُصُّ عليهم -في الماضي- صُوَرَ التعذيب الذي كُنْتُ شاهداً فها كمُحَامٍ، كانُوا يَبْكُونَ، والآن هم أنفسهم يعذبون أو يسمحون بتعذيب جزائريين بنَفْسِ التعذيب وأشدَّ. نعم، إنها الخيبةُ، هَلْ كُنتُ أجْهلُهم بالفعل؟ بدون شَكٍّ.

سؤال : لنَذْكُرْ منهم على سبيل المثال، صديقَكَ القديم “علي هارون” الذي قَبِلَ وشَارَكَ في الإنقِلاب، أَلَم تَنْصَحُوه برَفْضِ المُشاركةِ؟

فيرجس : أقولُ لك أني لم أُشَاوَرْ، وعندما قامت الجماعةُ بالإنقلاب لم تَطْلُب رأْيَ أحَدٍ.

سؤال : ولا حتى كَصديق؟

فيرجس : لم يُطلبْ رأيي ذلك اليوم، فَهُوَ يعرِفُ رأيي في الإنقلاب العسكري، والانقلابُ العسكريُّ هو انقلابٌ عسكريٌّ، وإلغَاءُ الإنتخاباتِ هو إلغاءُ انتخاباتٍ.

سؤال : لماذا لم تُحَرِّكْ سَاكِناً عند إلغاءِ الانتخابات في يناير 1992؟

فيرجس : لم أفْعَلْ ذلك لسبَبَيْنِ :

الأول : أنني لا أُريدُ أَنْ أُعْطِيَ الدروسَ للاخرين، الجميع تحدّث في الموضوع في كلِّ العالم، ولاَ أظُنُّ أنَّ تَعْلِيقِي عَلَيْهِ يزيدُهُ أهَمِّيَّةً، لكن بعْدَ ذلك اتخَذْتُ الموقِفَ الذي تَعْرِفُهُ لأنني الوحيدُ الذي أَسْتَطِيع أنْ آخُذَهُ.                   تتمة ……….ص 6 ==>>>

“رسالتي المفتوحة” هو موقفُ محامٍ يدافعُ عن الشيوخ المَسْجُونين الذين طَلَبُوا مني ذلك، وأَعْتَبِر ذلك شرفاً كبيراً لي.

سؤال : تُهْمَتُهُمْ جَرِيمَةٌ لَمْ يَرْتَكِبُوهَا؟

فيرجس : نعم جريمة لم يرتكبوها، لكن للأسَفِ لَمْ أَسْتَطِع أن أُدافِع عَنْهُم، ولاَ زُمَلاَئِي في الجزائر، الكُلُّ طُرِدَ.

لقد قبلتُ الدفاع عنهم، وذلك يُعْتَبَرُ مَوْقِفاً في حدِّ ذَاتِهِ، وأصبحَ بعد ذلك تَعَاطُفاً.

لقد قلت للسلطات التي تحدثتُ مَعهَا أنَّنِي أَثْناء الثَّوْرَةِ كُنْتُ إلى جانب الشعب الجزائريِّ، وبَعْدَ الإنتخابات وانتصار”الفيس” أَعْتَبِرُ أنَّ الدفاعَ عَنْ زُعَمَاءِ “الفيس” هُو دِفَاعٌ عن الشعب الجزائري، والتالي الرجوعُ إلى ماضي النِّضَاليِ.

سؤال : حسبَ رَأيكَ هَل يُمْكِنُ مُحَاكمةُ رجالات النظام الجزائري… ومن بينهم أصدِقَاؤك القدامى.. بتهمة جريمةٍ ضِد الإنسَانيَّة؟

فيرجس : لا أظن أن المشكل اليَوْمَ هُوَ هذا، ومن جهةٍ أُخْرَى لا أُرِيدُ أنْ أُعْطِي رأياً في هذا الموضوع، زُعَمَاءُ الشعب الجزائري غَداً هُم الوحِيدُونَ الذين يقرِّرُونَ ذَلِك.

سؤال : أَتظنون أَنَّ الغَرْبَ، وبصفةٍ خاصّة فَرَنْسا، مستَعِدٌّ للتخلِّي عن النظام الجزائري؟ وماذا يَرْبَحُ أو يَخْسَرُ في ذلك؟

فيرجس : ما قامت به فرنسا ضد “الاخوة الجزائرية في فرنسا” من تفتيش واعتقلات لم يَكُنْ سوى عمليةٍ إشْهَارِيَّةٍ، لم تُسْفِرْ في الأخير عن الشيء الكثير. لقد قُلْتُ للمسئولين الفرنسيين أَنَّكُمْ تُراَهنونَ على الحِصَانِ الخاسر عندما تَقِفُونَ إلى جانبِ النظام الجزائري. و”الفيس” سَوْفَ يَصْعَدُ لاَمَحَالَةَ إلى السُّلْطَةِ مَعَ آخَرِينَ ويَجبُ أنْ تَتَفَاوَضُوا مَعَهُ، لماذا إِذَنْ تَخْلُقُون مشَاكِلَ مَعَهُ وكنتُ سعيداً عِنْدَما لاَحَظْتُ بَعْضَ الأشْياء :

أولاً أنَّ >الاخوة الجزائرية في فرنسا< لم تُحلَّ مثلَمَا حُلَّت المنظَّمَاتُ الكُرْدِيَّةُ .

وثانياً لمْ يُطْرَدُ أيٌّ من الموقُوفِين إلى الجزائر. وهذا اعترافٌ غيرُ مباشرٍ من فرنسا أن حُقُوقُ الانسانِ في الجزائر غيرُ مُحْتَرَمَةٍ .

وثالثاً هُنَاك تَغَيُّرٌ في السياسة الفرنسية هذه الأَيَّامِ اتِّجَاه الجزائر، إِنَّكَ تتَذَكَّرُ ماقَالَهُ >آلات جوبي< للسّيد >رضا مالك< عندما زَارَ هذا الأخيرُ فرنسا : إن فَرنسا ضِدَّ التعصبِ والإرهاب، وهِيَ تُسَانِد الجزائر، لكن في المدَّةِ الأخيرة.

سمعنا السيد >لاماسور< يقولُ إِنَّ فرنسا بجانب الشَّعْبِ الجزائري وليس بجانب الحُكُومة، وهي ضِدَّ العنف مهْما كان مصدرُه، ومع حقوق الإنسان. إن فرنسا بَدَأَتْ تُصَحِّحُ خَطَأَهَا.

سؤال : هل تعتقدون أن الحوار مع المُعَارضَةِ مآلُهُ النَّجَاحُ؟

فيرجس : لاأستطيع الإجابة على ذلك، لستُ إلامُحاميّا، والمسألة سياسية.

سؤال : حسب رأيكم لماذا يَرْفُضُ النظامُ التحاور مباشرة مع الفيس؟

فيرجس : منذ الإنقلاب العسكري فإن هدف السلطة هُو القضاء التام على زعماء الفيس. واسترجاع قاعِدَتِهِ، وكان الحِسَابُ خاطئاً لأن النظام لا يستطيع القيام بأي شيء بدون مُسَانَدَةِ أغلبيةِ الشَّعْبِ وبعدَهَا قَالُوا سَنَتَحَاوَرُ مع مُنْشَقِّي الفيس. ثم مع الذين لم يشارِكُوا في عمليات العُنْفِ، أَظُنُّ أن التحَاوُر مع الفيس حَتْمِيٌّ.

سؤال : إذا حاكم الشعبُ يوماً أَصدقاءك القدامى ومِنْهم >علي هارون< و>رضا مالك< بسبب الجرائم التي يَرْتَكِبُونَهاَ في حَقِّهِ، هَلْ تدافع عنهم؟

فيرجس : هُنا أَيضا لاَ أستطيع أن أسبق الاحداث. إنك تُقَدِّمُ افْتِرَاضاً مُرْتبطاً بالاحداث المستقبلية وبموقف مسْئُولي “الفيس<.

سؤال : بعض الاشخاص في فرنسا قاموا بتنظيم ندوات للتنديد بقتل المثقفين الجزائريين الفرنْكوفُونيِّين المعادين للفيس دون الآخرين المساندين للفيس، هل يمكننا أن نعرف لماذا لم تحاول إحْسَاسَ الرأي العام العالمي حولَ قضية هؤلاء المثقَّفين المساندين للفيس والذين يتم تعذيبُهُم في السُّجُون إلى درجة الموت في بَعْضِ الأحيان؟

فيرجس : إن هذه “الرسالة المفتوحة” هي أَوَّلُ عمليَّة في التَّحْسِيسِ، لقد اتخذتُ مَوقفاً عندما اتُّصِلَ بي في قضايا : >رَابح كبير< و>أسامة مدني<، حينها جَمَعْتُ وثائقَ كثيرَةً نشرتُها في كتابي “رسالة مفتوحة”.

بالطبع سأُواصل عمل التوعية هذا، وقد أَرْسَلْتُ ذلك إلى >اللجنة الدولية لمساندة المثقَّفين الجزائريين< لَكِنَّهَا لم ترُدَّ علي بَعْدُ.

سؤال أخير : هل تعتقدُون أن سنة 1994 ستكون سنَة الجزائر الأَصِيلَةِ؟

فيرجس : إنشَاءَ اللَّهُ، أَتمنَّى ذلك وأَعْتَقِدُهُ، إن جزائر اليوم تُشْبِهُ جزائر 1961، النظام فَقَدَ السَّيْطَرَةَ على كُلِّ شَيءٍ، عليه أن يصنع المُبادرة، يَجِبُ إذنْ أن يَفْعَلَ مَا فَعَلَهُ دِيغُول، إعْطادُ السلطة لاصْحابها.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>