آية فهمت خطأً >ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون< المائدة 107]


آية فهمت خطأً

يقول الله عزوجل : >ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون< المائدة 107]

هذه الآية الكريمة كثيرا ما كانت مطية للهاربين من الدعوة إلى الله، فأوهموا أنفسهم -وغيرهم كذلك- بضرورة الإهتمام بالهداية الذاتية عن هداية العالمين. وبذلك ساهموا في تعطيل وظيفة ورثها الدعاة عن الرسل والأنبياء عليهم صلاة الله وسلامه، فما كان من الله عزوجل إلا أن حرمنا قيادة الأمم، لأن شرط كوننا >خير أمة أخرجت للناس< انتفى مصداقا لقوله تعالى : >كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله<آل عمران 110].

>ولقد روى أصحاب السنن أن أبا بكر رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : >ياأيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية.. وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “إن الناس إذارأوا المنكر، ولا يغيرونه، يوشك الله عزوجل أن يعمهم بعقابه”<. وهكذا صحح الخليفة الأول رضوان الله عليه ما ترامى إلى وهم بعض الناس في زمانه من هذه الآية الكريمة. ونحن اليوم أحوج إلى هذا التصحيح، لأن القيام بتكاليف التغيير للمنكر قد صار أشق. فما أيسر ما يلجأ إليه الضعاف في تأويل هذه الآية على النحو الذي يعفيهم من تعب الجهاد ومشاقه، ويريحهم من عنت الدعوة وبلائها<في ظلال القرآن ج 2] ومن هنا ينطلق “سيد” ليورد المعنى الأرجح، فيخبرنا على لسان الآية >أنتم وحدة منفصلة عمن سواكم، متضامنون متكافلون فيما بينكم، عليكم أنفسكم فزكوها وطهروها، وعليكم جماعتكم فالتزموها وراعوها، ولا عليكم أن يضل غيركم إذا أنتم اهتديتم<في ظلال القرآن ج2]

وفي نفس الطريق سلكه حجة الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه- حين قال : >وماذكره الصديق ظاهر، فإن الله قال (عليكم أنفسكم) أي إلزموها وأقبلوا عليها. ومن مصالح النفس : فعل ماأمرت به من الأمر والنهي. وقال : >لا يضركم من ضل إذا اهتديتم< : وإنما يتم الإهتداء إذا أُطيع الله، وأُدِّي الواجب من الأمر والنهي وغيرهما. ولكن في الآية فوائد عظيمة :

1- أن لا يخاف المرء الكفار والمنافقين فإنهم لن يضروه إن كان مهتديا.

2- أن لا يحزن ولا يجزع ولا يجزع عليهم، فإن معاصيهم لا تضره إذا اهتدى، والحزن على مالا يضر عبث.

3- أن لا يركن إليهم، ولا يمد عينه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات.

4- أن لا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أوذمهم، أوهجرهم، أوعقوبتهم.

5- سلوك سبيل القصد في القيام بالأمر والنهي مع علم ورفق<فتاوي ابن تيمية]

وبعد الإستشهاد بهذين العَلَمَيْنِ البارزين في تاريخ الإسلام، أحسب أنه لم يعد هناك عذر للذين يدَّارأون وراء هذه الآية، فيقولون على الله ما لم يقل، وهو يقول : >قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون<الأعراف 31]. ففي تصنيف الحرام اتبع الله عزوجل ترتيبا تصاعديا جعل آخره : >القول على الله بدون علم< بل وضعه في مرتبة أعلى من الشرك به، وهذا يبرز خطر المعصية التي وقع فيها هؤلاء الناس.

فارح يونس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>