سبق أن قلنا بأن الوجوه الداعية إلى الإستغراب والدهشة حول برمجة رواية “بداية ونهاية” في مقرر السنة الأولى ثانوي “أدب” كثيرة، إلا ما أن قدمناه لحد الآن لا يعدو قراءة خارج الرواية لا تفي بالغرض، لكن قراءة عاجلة داخلها تكفي لكشف خبايا الرواية، وتدعو لطرح عشرات الأسئلة.
فدونك صورة غلاف الكتاب (طبع بدار القلم بيروت) : فتاة بصدر عار مكشوف وذراعين سافرين، ووجه ملطخ بأنواع المساحيق، وفي حركة مثيرة للمشاعر، يمسك شاب بذراعيها، هذه الصورة منعت كثيرا من التلاميذ من قراءة الرواية في وسطهم العائلي، لما في قلوبهم من بقايا حياء، مع أن هذا ظاهر الكتاب أما باطنه فحدث ولا حرج.
فالكتاب تحت عنوان “بداية ونهاية” يستهله الكاتب ببداية درامية محزنة ويختمه بنهاية مؤلمة. ولكن بين البداية والنهاية شريط جنسي خليع، تفنن المؤلف في نسجه وتنسيق حلقاته ليظهره في أبها حلة تجذب الأنظار وتأخذ إليها المشاعر، كأنه ابتدأ بتلك المقدمة المحزنة ليستدرج إليه مشاعر القارئ فيحتويها بما نسجه من خيوط مترابطة تصل النهاية بالبداية ليوقع القارئ في حبائله.
وبين ثنايا المقدمة نجد ما ينبئ عن عقيدة فاسدة مدبدبة يلقنها المؤلف للقارئ على لسان أشخاص الرواية، وخذ هذا المثل واعمل فيه بصيرتك : “أنت تقولين إن الله لا ينسى عباده وأنا عبد من عباده. فلننظر كيف يذكرنا. لماذا أخذ والدنا؟ ولماذا يعلن عن حكمته على حساب أمثالنا من الضحايا؟”!! ص18فانظر إليه كيف يجادل في حكمة الله وقدره حين توفي أبوه.
وأليك مثالا ثانيا من خلال الحوار التالي : “(وتساءل من لنا الآن؟ فابتسم حسين… وقال باقتضاب : الله؟ فاستطرد الكاتب بنفيه يعقب على قولة حسين المقتضبة (الله!) ليقول : (وزاد الجواب من حنقه!، إنه لا يشك في هذا ولكنه لا يقنع به. الله للجميع حقا ولكن كم في الدنيا من جائع ومصاب! لم يتنكر يوما لعقيدته ولكن يتلهف في خوفه على سبيل محسوس للطمأنينة” ص42تبصر أخي القارئ إلى الصراع الذي سيولده مثل هذا القول في أعماق الشباب في غياب قاعدة عقيدية متينة، فيا ترى ما سر “لكن” الأستدراكية بعد كل جملة. “إنه لا يشك في هذا ولكن… /الله للجميع حقا ولكن…/ لم يتنكريوما لعقيدته ولكن…)”
أما الإشارة الجنسية فقد خصص لها الجزء الأكبر من الرواية، وهو الجزء الذي يتوسط البداية والنهاية. فبذكاء ماكر ينقل مشاعر القارئ من مواقف الحزن والأسى على مصير الأسرة إلى مواقف التلذذ والإثارة والشهوة، وأعتذر لأنقل بعض المشاهد المحشوة في الرواية، و{التي أهلت نجيب محفوظ لحيازة جائزة نوبل للآداب}…
في ص : 39 يقول “( رأى فتاة مولية الباب ظهرها، ومنحنية على شيء بين يديها… وقد برز ردفها اللطيفان، وانحسر الفستان عن ساقين وباطن ركبتيها، ساقان مدمجتان يكسوهما بياض ضاحك تكاد العين تحس بطراوتها، فثبتت عيناه على المنظر فلم يبد حراكا…) بهذه الوقاحة في وصف محاسن المرأة انتقل من مأساة البداية ليضغط على زر الوحش الراقد بين أحشاء القارئ.
وبعد التفاتة إلى موضوع آخر يرجع بعجالة لعالم الإثارة فيقول :
“(كان المنظر الذي أثاره لا يزال ناشبا في مخيلته، الساقان البديعتان، والوجه البدري والعينين الزرقاوين، نظرة هادئة رزينة توحي بالثبات لا بالخفة، جمال يبهر، وإن شابه شئ من ثقل الدم، ولكنه لم يترك أثرا في نفسه، لا يزال دمه يتدفق حارا في عروقه” كأنه يقدم للقارئ ميزان الجمال في النساء ومقوماته لديهن. لكن قمة الإستهتار بالمشاعر ما ذكره نجيب محفوظ في ص 41 على لسان التلميذ حسين بعدما رأى ابنة جيرانه على الحالة السابقة إذ يقول : “إني بحاجة إلى مثل هذه الفتاة، نذهب إلى السينما معا، ونلعب معا، ونتحدث كثيرا، وما من بأس في أن أقبلها وأعانقها. ليس في الحياة وجه جميل يجذبني إليه، وحسبي ما صادفت من فتيان المدرسة ونادي شبرا. أريد فتاة. أريد هذه الفتاة، في أوربا وأمريكا ينشأ الفتيان والفتيات معا كما نرى في السينما. هذه الحياة. أما هذه فما إن رأتنا حتى توارت عن الباب كأننا وحوش نروم إلتهامها. وكأن أجدادنا يقتنون الجواري… أظن أكبر ذنب نؤخذ به في الآخرة هو أن نترك هذه الدنيا دون أن نستمتع بحلاوتها، أجمل منظر حقا هو بطن ركبتها، في وسطه عضلة رقيقة مشدودة تشف بشرتها عن زرقة العروق لو انحسر الفستان قليلا لرأيت مطلع الفخذ أجمل منظر في الدنيا امرأة تخلع ثيابها، أجمل من المرأة العارية نفسها… انكحوا ما طاب لكم من النساء، هذا أمرك يا رب ولكن هذا البلد لم يعد يحترم الإسلام)”
إنها العبثية يا غيورين، إنها الوقاحة يا مسلمين، إنها ألغام خطيرة في ص 41لا تحتاج إلى سبق تفكير لإدراكها :
- حصر التفكير فقط في الفتاة ولا هم سواها- لا بأس أن تتحول العلاقة إلى زنى (وما من بأس في أن أقبلها…) -ضرب المثل بأوربا وأمريكا للحياة الحقيقية (هذه الحياة)- الإستهزاء بحياء الفتاة حين توارت عن نظري التلميذين- ترك الإستمتاع باللذات المحرمة هو أكبر ذنب يؤخذ منه الإنسان في الآخرة- تأويل سفيه للقرآن الكريم : (واكحوا…) نعم هذه هي الحياة التي أرادها نجيب محفوظ للشباب والتي يدسها وراء أستار كلمات الشخصيات في الرواية.
ولاينفك يعيد وصف هيئة البنت في صفحات متكررة ليغري القارئ المسكين ويضغط على مشاعره بقوة حتى لا تنفلت من مخالب الإثارة :”(ومد حسين يده فتناول الصينية، فأطبقت يده اليمنى على يسراها، وسرى مسها في يده، وذراعه وجسمه وروحه، في أقل من الثانية، ولم تقف به جرأته عند حد فضغط على أصابعها ضغطة غير خفية…)” هكذا يجب أن يكون إحساسكم يا تلاميذ، فأكثروا من مصافحة الفتيات في المدرسة. وهكذا تكون الجرأة، بل لا تقفوا عند هذا الحد ولكن اقرؤوا ص46 لتجدوا خطة جهنمية لعلها تساعدكم على لقاء فتاة ما، كما فعل حسين الرجل الصامد في حبه، الشهم الشجاع، أليس هو القائل -حينما نصحه أخوه حسن بالإبتعاد عن بهية : “(والله يا أخي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أتركها ما تركتها أو أهلك دونها)” هكذا يكون التباث والصمود على المبدأ يا شباب، وهكذا تكون التضحية و”الحب” يا له من طموح ويا له من هدف سام “بهية” والحب الذي لا يضاهيه حب آخر : ص55 “(إني أحبك، أحبك أكثر من الحياة نفسها، بل ليس في الحياة خير إلا أني أحبك)” ويضيف حسنين حينما ضبطه أخوه مع بهية (ما أحمقه! كيف سولت له نفسه التجسس علي، أفسد علي شاعرية الموقف السعيد) فالخلوة إذن أصبحت موقفا سعيدا يولد شاعرية (يحرفون الكلم عن مواضعه).
ويعود مرة أخرى لإثارة غريزة الشهوة في القارئ في ص71 “(وحاولت أن تتملص من دراعه ولكنه شد على خاصرتها فلم يتخل عنها وسار بها ببطء وجنباهما ملتصقان) الدقة في الوصف والتركيز على أبسط الحركات والغلو في الوصف بما يفي بالغرض المدروس بين ثنايا حلقات الرواية “(وتناول ساعدها وأمطره قبلات من شفتيه الغليظتين وهي ترتجف… فدلك يدها براحته… وسرت فيها دغدغة بثت في ساعديها وذراعيها وصدرها تخذيرا فاقشعر بدنها… فقال بصوت متهدج : أعطني شفتيك أقبلها… سأقبلها كثيرا مائة قبلة أو ألفا، سأقبلها حتى أموت، وأندلق عليها وقبل شفتيها قبلة طويلة شرهة… ثم أمطرها قبلا نهمة حامية… وهمس :قبليني… أريد أن أشعر بشفتيك تأكلان شفتي… هه!)، في ص71 (… ومد يسراه وراء ظهرها ويمناه حول صدرها، فشعر بثدييها تحت ساعده ناهدين صلبين، فغلى دمه وضمها إليه بوحشية وانهمرت أنفاسه على خدها وعنقها)” ص193 بهذا وبغيره يضرب نجيب محفوظ على أوتار المشاعر، لينتج نغمة فرويد وينشد أنشودة الصهاينة (لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه) فهنيئا لك يا نجيب! إنك تتقن الضرب على أوتار المشاعر وتجيد تطبيق لحن الصهاينة والأمركان فحقت لك جائزة نوبل وكنت لها أهلا! ولما لا؟ “(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)”.
ومما يندى له الجبين ما قرأت في ص109 من الكتاب حينما هم حسن أخو حسين بالدخول على إحدى العاهرات داخل دار للمومسات لإرتكاب جريمة الزنى، فأمر الغلام الذي أوشده لبيتها، بقراءة صورة الفاتحة! لله دركم! أليست هناك قلوب تتحس كمدا. وفكرا يتكدر لهذا العبث! قراءة الفاتحة عند الزنى. ما دعاك يا محفوظ لهذا الربط الغريب بين قراءة القرآن والفاحشة : أليست العبثية في التفكير؟ بلى والله.
إن هذا الذي عمد إليه الماسكون بزمام التعليم ليطرح ألف سؤال وسؤال حول الهدف والغاية من تسطير هذا المؤلف ضمن مقرر السنة الأولى ثانوي “أدب” إن ما نقلته من الرواية ليس إلا غيظا من غيض، فما أغفلته من بعض الفقرات منعني من نقله ما تضمنه من فحش وسفاهة وابتذال. فاللهم إن هذا لمنكر! (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم، وأنتم لا تعلمون.) (إن الذين فتنوا المومنين والمومنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق).