في ضرورة النقد والمراجعة


في ضرورة النقد والمراجعة

لقد شهدنا في العقدين الأخيرين يقظة إسلامية شملت العالم الإسلامي وتعدته إلى مناطق وجود الأقليات. ولقد طفقت الحركات الإسلامية المتعددة تنظم وجودها وترص صفوفها وتعد برامجها وتصوغ مشاريعها بالقلم والساعد والروح مقدمة في سبيله الغالي والنفيس حتى سطرت صفحات مشرقة وكتبت فصولاً من العزة والكرامة في محاولة لاسترداد دور الأمة في الشهود الحضاري، بيد أن هذا الخير العميم لم يخل من بعض الإصابات والانحرافات والأخطاء التي شوهت شيئاً من الصورة. لذلك وجب علينا تحديد مواطن الاصابة وبيان أسباب الخلل والدعوة إلى إحياء حسبة المراجعة والمناصحة والتصويب.

بيد أن عمليات المراجعة والنقد والتقويم تبدو اليوم وكأنها أمر جديد على الحركة الإسلامية، حيث أصبح البعض ينزعج من ذلك ويعتبره تجريحاً وتهجماً وتشهيراً وإعانة لأعداء الإسلام وكشفاً لعورات المسلمين ناهيك عن توهم بعضهم أنه بدعة لم ترد في القرآن والسنة… وحتى الشرائح التي ادعت إدراك أهمية المراجعة ودعت إليها في أدبياتها المختلفة وتباهت برحابة صدرها وترحمت على من أهدى لها عيوبها وتوعدت أن لا خير في من لا ينبهها إلى أخطائها وأن لا خير فيها إن لم تسمعها، مع ذلك تجد القول شيئاً والممارسة شيئاً آخر حيث يكون كل الجهد نفي الخطأ وتنزيه الذات، وقد يتهم المنتقد في نيته، فيتم حرمان الأنفس وحرمان الأمة من الافادة من تجارب الماضي وخبرات الحاضر في محاولة لاستئناف البناء من حيث انتهى الآخرون.

لكن -مع ذلك- ما أسهل أن يمسك أحدنا اليوم بعمل أو موقف أو تصرف فينتقده ويجد فيه المآخذ الكثيرة. إن النقد الذي مانزال عاجزين عنه هو دراسة الأمور دراسة لا تقل عن العمق الذي وصل إليه الباحث أوالمفكر أو الجماعة ثم الاحاطة بظروف الموقف أو الفعل لنضعه في إطاره الصحيح، ومن تم نحشد ما نستطيع من إمكانات تطوير هذا الجهد والارتقاء به وفتح المجالات والآفاق الأوسع أمامه وتوجيهه إلى أن يؤدي دوراً أكبر مما قدر له وتوظيفه في مشروع أكثر شمولاً، فالنقد والمراجعة هنا، بناء حقيقي أو مشاركة في البناء وإضافة ملموسة تحيط بأبعاد الموقف أو الفكرة لتوجيهها توجيهاً بناء واضحاً قابلاً للتطبيق، ولو وجه العاملون للإسلام اليوم سؤالاً صريحاً لأنفسهم : ماذا قدمنا من نقد حقيقي للحركة والعمل الإسلامي ولمسيرة الأمة عموماً؟ لاتضحت أمامهم أبعاد المشكلة وحجمها الكبير بشكل قد يكون مفزعاً.

إن عملية المراجعة في أساسها نفي للخبث ونزع لنبتة السوء وتقويم للاعوجاج في المسيرة وتصويب للخطأ في القول والفعل والممارسة وإعادة إبراز للمعالم الغائية.. في خلاصتها وحقيقتها إعادة لبناء الإسلام بصورته الأصلية الناصعة المشرقة. فالمراجعة إذن هي الرجوع إلى الحق بنقائه وصفائه الأولين ولا يَعْني التراجع أبداً.

إذن، إن هذا الموضوع تدريب للعقل المسلم وتمرينه على الحرية في التفكير وتخليصه من عقدة الخوف من الخطأ، وتمرينه على قبول الرأي الآخر والتأكيد على أهمية نزع القدسية عن الاجتهاد والفهم البشري وتسويته بالنص المعصوم، فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا الرسول (ص)، كما نؤكد -بالمناسبة- على أن أزمة الأمة هي بالدرجة الأولى أزمة فكرية وأن سائر الأزمات الأخرى ماهي إلا مضاعفات أو انعكاسات أو أعراض جانبية لها دعاتها الذين قد لا ينقصهم الاخلاص وإنما ينقصهم الوعي والاختصاص كما يقول مالك بن نبي.

إن النقد والتقويم عبارة عن منبهات لاثارة القلق السوي وشحذ الفاعلية للعقل المسلم اليوم، والسكوت عن المراجعة نكوص عن حسبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي قامت عليها خيرية هذه الأمة >كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر<.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>