عصر يوم الاثنين 16 جمادى الثانية 1436 هـ الموافق 6 أبريل 2015 م، توفي العلامة محمَّد بن محمَّد بن قاسم بن حساين التاويل، عن سن يناهز الثمانين سنة، إذ ولد عام 1934م، بإقليم تاونات دائرة غفساي قبيلة بني زروال المغرب، وبموته تكون الأسرة العلمية والمغاربة والمسلمون في العالم الإسلامي قد فقدوا هرما علميا أصيلا وجبلا شامخا في المذهب المالكي والفقه والأصول الإسلامية ذا ملكة فقهية متينة وخبرة علمية دقيقة بقضايا الفقه وإشكالاته قديمها و حديثها.
> تكوينه العلمي وشيوخه :
< في مسقط رأسه :
انتهى الشيخ التاويل عبر رحلة علمية كبيرة وواسعة، أخذ فيها العلوم الشرعية على علماء عصره في مسقط رأسه وفي فاس العاصمة العلمية للمغرب وهكذا فقد تعلم أولا في بيته إذ حفظ القرآن الكريم وهو صغير وكان بيته بيت علم فقد تلقى على يد والده محمد بنقاسم، علم القراءات القرآنية، وانتقل بعدها إلى دراسة العلوم على يد الشيخ محمد العربي المساري فأخذ عنه علوم : النحو حتى أتقنه خاصة (الآجرومية والألفية)، والفقه خاصة متن (المرشد المعين والمختصر والتحفة)، والفرائض وعلوماً أخرى.
< مرحلة التلقي بجامع القرويين:
بعد حفظ القرآن الكريم وتلقي الضروري من علوم الآلة والفقه أرسله أبوه للدراسة بجامع القرويين بفاس حيث واصل مشواره العلمي بنجاح وتفوق لما كان يتميز به من قوة حفظ وذكاء وسرعة بديهة فتمكن من حفظ متون عديدة في سرعة قياسية إذ يحكى عنه أنه حفظ الألفية في عشرة أيام، وحفظ جمع الجوامع وغيرها من المتون وكان يستظهرها من حفظه إلى أن مات رحمه الله تعالى، الأمر جعله دائما من المتفوقين على زملائه وكان يتصدر النتائج الأولى في مساره التعليمي. وقد مكنته الدراسة بجامع القرويين من تحصيل علوم عديدة وامتلاك ناصيتها على يد شيوخ تلك المرحلة خاصة :
- التفسير وعلومه وقد تلقاه من شيوخ عديدين منهم العلامة العربي الشامي.
- الحديث وعلومه وتفقه به على يد العلامة عبد العزيز بلخياط.
- علم الفقه الذي أخذه على يد العلامة أبي بكر جسوس، والعلامة امحمد العمراني الزرهوني، والعلامة عبد الكريم الداودي.
- علم الأصول على يد العلامة الحبيب المهاجي.
- علوم الآلة:
- كعلم النحو الذي أخذه على العلامة عبد الهادي اليعقوبي خبيزة.
- وعلوم البلاغة الذي استفاده من شيخه العلامة امحمد العمراني.
- والمنطق والعقيدة الذي درسه على يد العلامة ابن عبد القادر الصقلي.
- الأدب وتلقاه على يد العلامة عبد الكريم العراقي.
- والتاريخ على الشيخ العلامة الغمري.
وغيرهم من علماء حاضرة فاس في تلك المرحلة من الاستعمار الفرنسي.
ومن مناقب العلامة الدكتور التاويل رحمه الله تعالى أنه كانت له مشاركات علمية دقيقة في كثير من العلوم القديمة والمعاصرة مما كان له أُثركبير في تكوينه العلمي الرصين.
> الشهادات والوظائف :
- شهادة العالِـميَّـة من جامع القرويين بفاس 1957م (شعبةالأحرار ).
- شهادة الدكتوراه من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.
- أستاذ التعليم العالي والفقه والأصول بجامع القرويين.
- عضو المجلس العلمي المحلي بفاس.
- عضو اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأسرة.
- مشارك في إعداد برامج التعليم العتيق بمديرية التعليم العتيق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
- عضو في خلية تأليف الكتاب المدرسي للتعليم الأصيل – أربعة كتب : ثلاثة في الفقه، وواحد في الأصول.
> من إسهاماته العلمية :
ترك الشيخ التاويل تأليفات عديدة وبحوثا فقهية رصينة تعالج بمنهج علمي وأصولي قضايا فقهية معاصرة، وقد نشر أغلبها بجريدة المحجة المغربية وبمواقع إلكترونية عديدة، كما كتبت عنه صحف ومجلات للتعريف به في حياته، مثل الحوار الذي أجراه معه الأستاذ فيصل العلي رئيس تحرير مجلة الوعي الإسلامي، خلال زيارة قام بها لبيت الشيخ (الوعي الإسلامي عدد : 573).
كما كان للشيخ رحمه الله تعالى إسهام في إلقاء المحاضرات والدروس وتحرير الفتاوى بأدلة وأصولها.
وكان يقصده أهل العلم من الأساتذة والمتخصصين في العلوم الإسلامية وطلبة العلم، كما كان محلا لاستشارات العلمية من قبل مؤسسات عديدة في النوازل الفقهية المعاصرة في المجال الاقتصادي والطبي وغيرهما.
> من أهم كتبه :
1 – الوصايا والتَّـنزِيل في الفقه الإسلامي.
2 – موقف الشريعة الإسلامية من اعتماد الخبرة الطبية والبصمة الوراثية فيإ ثبات النسب و نفيه.
3 – اللباب في شرح تحفة الطلاب، (نظمه وشرحه، في علم الفرائض).
4 – وأخيراً.. وقعت الواقعة وأبيح الربا: الفوائد البنكية.
5 – مشكلة الفقر: الوقاية والعلاج في المنظور الإسلامي.
6 – إشكالية الأموال المكتسبة مدة الزوجية : رؤية إسلامية.
7 – الوصية الواجبة في الفقه الإسلامي.
8 – من خصائص المذهب المالكي.
9 - لا ذكورية في الفقه.
10 – الشركات وأحكامها في الفقه الإسلامي.
11 – مع عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في حياتها الأسرية ومسيرتها العلمية.
12 – زكاة العين ومستجداتها.
13 – منهجية عمر بن الخطاب في الاجتهاد مع النص.
> وفاته وجنازته :
وقد انتشر خبر وفاته ونعته جهات علمية ومؤسسات وشخصيات تَقْدُر الرجلَ قدره العلمي وإسهامه الإيجابي في القضايا الوطنية و العلمية.
فنعاه الديوان الملكي في برقية خاصة وصفته بأن بموته ” فقدت فيه أسرة العلم والعلماء بمملكتنا الشريفة عالما ورعا وفقيها فذا، كرس حياته لتدريس ونشر تعاليم الإسلام السمحة، وترسيخ وحدة المذهب المالكي، الذي كان رحمه الله أحد مراجعه الأماثل بأصوله وفروعه”. ونوهت البرقية الملكية بقيمته العلمية و” ماكان يتحلى به الفقيد الكبير من خصال المؤمنين الصالحين والعلماء المقتدرين، حيث كان رحمه الله، وعلى مدى حياته الحافلة بغزارة العلم والعطاء والاجتهاد الفقهي المتميز، مثال اللتقوى والورع و الإخلاص لثوابت الأمة و لمقدساتها.” ونعته منظمة الإيسيسكو، والشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والدكتور أحمد الريسوني نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وقد شيع جثمان الفقيد في جنازة مهيبة عصر يوم الثلاثاء ودفن بمقبرة القباب بباب الفتوح حيث جرت العادة بدفن علماء جامع القرووين. فرحم الله تعالى العلامة محمد التاويل وأسكنه فسيح جنانه.