القدس، بيت المقدس، إلياء، مدينة السلام، أرض المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، أرض الإسراء والمعراج، أرض الأنبياء، الأرض التي صلى بها نبينا محمد إماماً بالأنبياء والرسل، أرض المحشر والمنشر، الأرض التي باركها الله تعالى وما حولها من فوق سبع سماوات، أرض الرباط إلى يوم الدين.
هي مدينة ليست ككل المدن، هي زهرة المدائن بامتياز، ربطا لله تعالى بين مسجده االأقصى والمسجد الحرام برباط رباني قدسي لا تنفصم عراه، فقال جل في علاه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى (الإسراء 1)، كما ربطه المصطفى برباط ثالث مع المسجد النبوي، فقال: «لاتُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى» (أخرجه البخاري ومسلم). وإن الربط بين هذه المساجد الثلاثة ينبغي أن يبقى قائما أزليا إلى يوم الدين، فهي مساجد متوأمة توأمة ربانية نبوية لا دخل للبشر فيها، وبتوأمة مساجدها تكون مدنها الثلاث متوأمة كذلك: مكة المكرمة، والمدينة المنورة والقدس الشريف.
ولذلك فإن مكانة القدس عالية سامية في الزمان والمكان،لأن القدس جزءمن هذا الدين الذي ندين به، وجزء من هذه الحضارة التي هي عنوان هويتنا، وجزء من هذا التاريخ الذي ننتمي إليه، ومن ثَم فإن التفريط فيها تفريط في جزء من العقيدة والهوية والحضارة والتاريخ.
ولئن كانت القدس اليوم قد ابتليت بالاحتلال الصهيوني، فهو ليس بالاحتلال الأول؛فلقد عرفت المدينة عبر تاريخها الطويل عدة حملات غازية محتلة، وأشهرها في التاريخ الإسلامي الاحتلال الصليبي الذي عمّر قرابة قرن من الزمن، إلى أن قيض الله تعالى من يحرره، حينما كتب النصر للمسلمين على يد القائد المسلم الكُردي الكبير صلاح الدين الأيوبي رحمه الله. وإن عودة بيت المقدس ومعه الأرض المباركة إلى ديار المسلمين أَمْرٌ آت لا شك فيه، حتى وإن طال الزمن، تحقيقا للوعد الرباني : فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (الإسراء 7).
وإن ما تعيشه الأمة اليوم من عجز وتشتت وفتن فليس قدراً أبدياً محتوماً، وإنما هو عرَض زائل، ولذلك لا ينبغي أن تنسينا هذه الآلامُ القدسَ أو مايعيشه إخواننا هناك في أرض فلسطين، فالقدس رابط من الروابط الكبيرة التي تجمع المسلمين، ولذلك لا بد من العمل على إبقائها حية في ضمائرنا نابضة في قلوبنا، فهي المدينة التي شغلت الناس قديما وحديثا، حيث بلغ ماكُتب عنها –حسب بعض الإحصاءات – أزيد من ستة آلاف وخمسمائة مادة ما بين بحث و كتاب ومقال، فكيف ينساها المسلمون وهي أولى القبلتين ؟؟.