إلى أن نلتقي


الابتسامة في تراثنا (2)

للابتسامة في التراث الإسلامي حظ كبير من الاهتمام، فهناك العديد من الأحاديث النبوية التي سبقت الإشارة إلى بعضها في عمود العدد الماضي. ولتأكيد هذا الجانب نشير إلى أن الإمام البخاريُّ قد جمع في صحيحه جملة منها في “باب التبسُّم و الضَّحِك”، كما ذكَر الإمام مسلِمٌ في صحيحه أحاديثَ من هذا القبيل، بوَّبها الإمامُ النوويُّ في “باب تبسُّمه وحُسْن عشرته”، وتتبع مجموعةً منها العلامة الكبير أحمد بن الصديق رحمه الله تعالى في كتاب أسماه : “شوارق الأنوار المنيفة بظهور النواجذ الشريفة” جمع فيه رحمة الله عليه ما وقف عليه من الأحاديث التي ورد فيها أن الرسول ضحك حتى بدت نواجذه.

وهناك العديد من أقوال السلف التي بين فيها العديد من العلماء الأعلام أهمية الابتسامة وطلاقة الوجه، منها مايلي:

< قال ابن عيينة : ” البَشَاشَة مصيدة المودَّة، والبِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن”.

< وقال ابن حبَّان : “الواجب علىا لمسلِم إذا لَقِي أخاه المسلِمَ أن يُسلِّم عليه، متبسمًا إليه، فإنَّ مَن فعَل ذلك تحاتَّ –أي سقط – عنهما خطاياهما كما تحاتُّ ورَقُ الشجر في الشِّتاء إذا يَبس، وقد استحقَّ المحبَّة مَن أعطاهم بِشْرَ وجهه”.

< وقال أيضا : “البشاشةُ إدامُ العلماء، وسجيةُ الحُكماء؛لأنَّ البِشْر يُطفئ نار المعاندة، ويَحرِق هيجانَ المباغضة، وفيه تحصينٌ مِن الباغي، ومنجاةٌ مِن الساعي، ومَن بشَّ للناس وجهًا، لم يكن عندَهم بدون الباذِ للهم ما يملك”.

< وقال رحمه الله : “لا يَجِبُ على العاقل إذا رُزِق السلوك في ميدان طاعةٍ من الطاعات، إذا رأى مَن قصَّر في سلوك قصْده، أن يَعْبَس عليه بعَمله وجهَه، بل يُظهِر البِشرَ والبشاشة له؛ فلعلَّه في سابقِ عِلم الله أن يرجِع إلى صحَّة الأَوْبة إلى قصْده، مع ما يجب عليه مِن الحمد لله، والشُّكر له على ما وفَّقه لخِدمته، وحَرَم غيرَه مِثلَه”.

< وقيل لسعيد بن الخمس : ما أبشَّك؟! (قد يكون القول سؤالا أوتعجبا، أي: ماالذي جعلك بشوشا؟ أوما أكثر بشاشتك !) قال: “إنَّه يُقوَّم عليَّ برخيص “؛ يعني: أنَّ البشاشةَ رخيصة لاتُكلِّفه شيئا مع ما فيها من الأثر في الآخر.

< وقال الإمام الغزاليُّ معقبا على قول رسول الله: “لاتحقرنَّ مِن المعروف شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوجهٍ طَلْق”، قال:

“فيه ردٌّ على كلِّ عالِم أو عابدٍ عبس وجهه، وقَطَّب جبينه كأنَّه مستقذِرٌ للناس، أو غضبان عليهم، أو مُنزَّه عنهم، ولا يَعلم المسكينُ أنَّ الورَعَ ليس في الجَبْهة حتى تُقطَّب، و لا في الخَدِّ حتى يُصعَّر، ولا في الظهر حتى يَنْحَني، ولا في الرَّقبة حتى تُطاطَأ، ولا في الذَّيْل حتى يُضم، إنَّما الورع في القَلْب، أمَّا الذي تلْقاه ببِشْرٍ ويلقاك بعبوس، يَمُنُّ عليك بعِلْمه، فلا أكْثرَ اللهُ في المسلمين مِثلَه، ولو كان الله يَرْضَى بذلك، ما قال لنبيِّه: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) .

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>