يتبين بجلاء من خلال ما تمَّ ضبطه في عين اللوح، أن عملية التنصير للمغاربة المسلمين تركز بالذّات على الفئات الاجتماعية الفقيرة، التي تعاني الأمرّين في الحياة.
واستغلال هشاشة الفئات المستضعفة أو المحتاجة هو دَيْدَن جميع الحركات الهدامة في العالم بأسره، فالإنسان المحتاجُ وغيْرُ المحصَّن من الفكر الهدّام قابل أن يبيع كل شيء مقابل الحصول على لقمة العيش..
مازلت أذكر -وأنَا طالبٌ في أوربا- كيف كانت مجموعات من الشباب تطرق علينا أبواب السكن الجامعي، وغير الجامعي، وبمجرد فتح الباب يبدأون في الحديث، دون استئذان، كان الحدث في الغالب يبدأ بالسؤال عن مدى معرفة المخاطَب بالمسيح والانجيل، ودون أيّ معرفة من يكون هذا المخاطب، وعلى أي دين هو؟ يبدأون في الحديث -وفق تصورهم- عن المسيح وعقيدة التثليث وما يتبع ذلك من خطابات. قدرتهم على الحواروالجدال ضعيفة، لا حجّة لديهم مقنعة… مازلت أذكر أني دخلت معهم في حوارات هادئة مطولة، في مسألة الرسالات الإلهية والتوحيد و الوحي، وطبعا “التثليث” أيضا… أكثر من مرة وككل حوار وخاصة مع النصارى، لابد أن يكون بالتي هي أحسن، فنحن نؤمن بنص الكتاب أن المسيح كلمة الله ونبي من أنبيائه عليهم السلام، وأنّ الإنجيلَ من الكتب السماوية المنزلة هذا الاعتقاد الذي يكملُ بالتصديق برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وبذلك فإن الدين عند الله الاسلام، ومن يبتغ غيْر الاسلام دينا فلن يقبل منه.
واعتماداً على هذه المبادئ في الحوار، كنا نصل دائما إلى نتيجة مهمة، وهي ألا حجة للقوم على التثليث، كيفما كانت هذه الحجةُ ودرجة مصداقيتها، الحجة عندهم كما كان يقولون هي عبارة “الأمر هكذا” “Cصest comme ça”، لكن “الأمر” الذي هو “هكذا” كانت تصاحبه إغراءات متنوعة، وفي مقدمتها الاغراء المادي، وكما نعلم فإن الجانب المادي هو عصب المشكلة بالنسبة للطالب، وخاصة المغترب الذي لا يكاد يجد قوت يومه.
كنت أعجب من حماس أولئك الشباب المتوثبين وجرأتهم على اقتناص فرائسهم من الجالية الإسلامية من الطلاب الفقراء خاصة، وكنت أعجب مما يتم دعمهم به معنويا وماديا -كما صرحوا لي بذلك أكثر من مرة- لكن عجبي كثيراً ما كان يتلاشى، لأنهم في بلادهم، ومجتمعهم مجتمعٌ يدين بالنصرانية، فليس من الغريب أن يدعوا غيرهم إلى اعتناقها.
لكن عجبي الذي لا يمكن أن يتلاشى بل يزداد كل مرة هو ما يحصل في هذا البلد الكريم على كل الناس بمختلف فِئاتهم…
قبل سنتين دعاني بعض من أعرف من المقيمين الأجانب الغربيين في بلادنا ممن يقومون فيما يبدو بمهمة تنصيرية إلى حضور حفل رأس السنة في كنيسة، اعتذرت له عن الحضور، ودخلنا في حوار، وكان مما قال لي : >إننا لا نجرؤ على دعوة المغاربة إلى الكنيسة إلا في هذه المناسبة، مناسبة رأس السنة، أما في سائر الأيام فإننا نجتمع في منازل خاصة< قلت له لماذا؟ قال لأن القانون المغربي لا يسمح بتغيير الديانة. فهمت المراد وأيقنت أنه مُنَصِّر من الدرجة الأولى، خاصة وأن منزله يرتاده العديد من الأفارقة.
ودار الزمان دورته، وإذا بي ألتقي بطالب إفريقي مسلم يدرس بإحدى الجامعات المغربية يشكو إلي ما تعرض له من محاولة التنصير لأكثر من مرة، ويشكو لي غفلة المسلمين وأولي الأمر في هذا البلد عن هذا الأمْر، بتَفقيه الناس في هذا الموضوع وتنبيههم إلى ما هو ملقى على عاتقهم، وتوعيتهم من مخاطر التنصير، وذكر لي أن من حبال التنصير وضحاياه الأفارقة المسلمون المقيمون أو العابرون لأرض المغرب.
ومما هو واضح أن منظر الأفارقة ببلادنا أصبح لافتاً للانتباه، من حيث انتشار ظاهرة التسول بينهم، تراهم في كل باب من أبواب المساجد والمتاجر وفي الطرقات العامة وغيرها، مما يجعلهم فريسة سهلة للتنصير، وربما أداةً لكل حركة هدامة، إما في بلدانهم بعد عودتهم، أو بلدان المهجر التي ينوون الهجرة إليها ويتخذون المغرب معبراً إليها.
وحتى الطلبة الأفارقة، رغم أنهم محسوبون على الطبقة المثقفة أو شبه المثقفة، فإنهم هم الآخرون أداة طيعة في يد التنصير، ونموذج الطالب المشار إليه خير دليل على ذلك، خاصة وأن ليس لديهم حصانة من مثل هذه الدعوات الهدامة.
وهذا كله يدعو إلى ضرورة الالتفات إلى هذا الأمر من قبل كل من يهمه الأمر وخاصة الشأن الديني.