عن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة، رضي الله عنهما، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتات بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون، يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول : بلى، كنت آمر بالمعروف ولا أتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه”(متفق عليه).
قوله : “تندلق” هو بالدال المهملة، ومعناه تخرج، و”الأقتاب” الأمعاء، وأحدها قتب.
إن أول نفس ينبغي أن تتأثر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي نفس الداعية، وإلا حل بها الوعيد الشديد الذي جاء في حديث الباب، يقول ابن كثير : جاء في بعض الآثار إنه يغفر للجاهل سبعين مرة حتى يغفر للعالم مرة واحدة، وليس من يعلم كمن لا يعلم، وقال الله تعالى : {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولوا الألباب} وقد روى ابن عساكر عن الوليد بن عقبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أناسا من أهل الجنة يطلعون إلى أناس من أهل النار، فيقولون : لم دخلتم النار؟ فو الله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم؟ فيقولون : إنا كنا نقول ولا نفعل(1).
وعن أنس ابن عباس أنه جاءه رجل، فقال : يا ابن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، قال : أو بلغت ذلك؟ قال : وأرجو. قال : إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل. قال : وما هن؟ قال : قوله عز وجل : {أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} أحكمت هذه؟ قال : لا. قال : فالحرف الثاني. قال : قوله تعالى : لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون؟ أحكمت هذه؟ قال : لا، قال : فالحرف الثالث. قال : قول العبد الصالح شعيب عليه السلام : “وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه” أحكمت هذه الآية؟ قال : لا. قال : فابدأ بنفسك.
وقال بعضهم : جلس أبو عثمان الحيري الزاهد يوما على مجلس التذكير فأطال السكوت، ثم أنشأ يقول :
وغير تقي يأمر الناس بالتقى *** طبيب يداوي، والطبيب مريض.
قال : فضج الناس بالبكاء.
وقال أبو الأسود الدؤلي :
“لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم.
فابدأ بنفسك فانْهَها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم”(2).
———–
1- رواه الطبراني في الكبير.
2- تفسير ابن كثير ج 1 ص 254.