قـوانـيـن الـقـرآن الـكـريــم (12) – قـانـون الجـهـاد


الجهاد بالمعنى العام ثَمَن الجنة

لا زلنا في قوانين القرآن الكريم، والقانون اليوم قانون الجهاد…

لابد من مقدمة، لقد خلق الله فينا طبعا وأعطانا تكليفا، هناك تناقض بين خصائص الطبع وخصائص التكليف، هذا التناقض هو ثمن الجنة، ففي طبعنا محبة لأخذ المال والتكليفُ إنفاقُهُ، في طبعنا رغبة في النوم والتكليف الاستيقاظ لصلاة الفجر في وقته المناسب، الطبع يقتضي الحفاظ على الحياة والتكليف أن نجاهد، لذلك… هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة لقوله تعالى : {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}(النازعات : 39- 40).

…الآية التي هي أصل في هذا الموضوع، قانون الجهاد هي قوله تعالى : {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}(آل عمران : 144) لابد من الجهاد، لأن ثمن الجنة أن نجاهد أنفسنا وأهواءنا، وهذا هو الجهاد الأكبر كما وصفه بعض أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم فلذلك الإنسان إن لم يجاهد، أو إن لم يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من ثلم النفاق.

على كل إذا ذكرنا كلمة الجهاد لا يقفز إلى أذهاننا إلا الجهاد القتالي، مع أن هناك أنواعا منوعة من الجهاد سوف توضح فيما سيأتي من دقائق متعلقة بهذا الموضوع الخطير.

… ولكن بادئ ذي بدء قال تعالى : {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه}(العنكبوت : 6) لأن الله عز وجل في حديث قدسي صحيح يقول “يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد في ملكي شيئا. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص في ملكي شيئا. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم وقفوا على صعيد واحد وسألني كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك في ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في مياه البحر” ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام، كن فيكون، زل فيزول “فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه”.

 مدارج الجهاد الأربع

1- الجهاد النفسي:

…الآن نبدأ بأنواع الجهاد، الجهاد أربعة أنواع: النوع الأول هو الأصل، كيف أن هناك تعليما أساسيا هو الأصل يبنى عليه بقية مراحل التعليم، لذلك من لم يجاهد نفسه وهواه لا يستطيع أن يرقى إلى مستويات الجهاد الأخرى، والذي يهزم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة، فلذلك الآية الدقيقة {والذين جاهدوا فينا}(العنكبوت :69) جاهدوا أنفسهم أي حملوا أنفسهم على طاعة الله، ودفعوا ثمن الطاعة صبرا عليها، ودفعوا ثمن المعصية صبرا عنها، وقبلوا قضاء الله وقدره بأنه قرار الله عز وجل. فهناك صبر عن الشهوة وعن المعصية، وصبر على الطاعة، وصبر على قضاء الله وقدره. هذا الجهاد الأول: جهاد النفس والهوى، يمكن أن تدفع نفسك إلى أعلى درجات هذا الجهاد وأنت في بيتك، وفي عملك، لأنك ضبطت نفسك، وحملت نفسك على طاعة الله…

2- الجهاد الدعوي:

ولكن …هذا الجهاد لا يكفي، لابد من جهاد آخر هو الجهاد الدعوي، دليله في القرآن {وجاهدهم به} أي بالقرآن {جهادا كبيرا}(الفرقان : 52) سمى الله هذا الجهاد كبيرا لأنه الأصل في كل جهاد، لابد من أن تنقل الحق إلى الآخر، من هنا قال صلى الله عليه وسلم : ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} نقل الحق، وقد تفاجأ أن الدعوة فرض عين، فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم.. وفي حدود من يعرف. يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم ((بلغوا عني ولو آية)) يؤكد هذا المعنى الفرضي للدعوة إلى الله قول الله عز وجل  : {والعصر إن الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق}(العصر : 1- 2) أحد أركان النجاة التواصي بالحق، بل .. قول الله عز وجل : {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}(يونس : 108) إذن الجهاد الثاني هو الجهاد الدعوي. كل مسلم مكلف أن يكون داعية في حدود ما يعلم ومع من يعرف…

3- الجهاد البنائي:

فلو انتقلنا إلى الجهاد الثالث.

ما الجهاد الثالث؟ قال تعالى  : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}(الأنفال : 60) الحق يحتاج إلى قوة تدعمه، هناك من يعتقد في العالم الآخر، العالم الغربي أنك على حق لأنك قوي، أنت قوي أنت على حق، هذا كلام باطل، الحق إذا جاءت حركتك وفق منهج الله، فلذلك المؤمن على حق، إذن هو يملك الحجة والبرهان، لكن هذا الحق يحتاج إلى قوة، من هنا قال صلى الله عليه وسلم : ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف))الآية الثالثة في هذا الموضوع {وأعدوا لهم ما استطعتم} ما كلفنا الله أن نعد العدة المكافئة، ولكن الله جل جلاله كلفنا أن نعد العدة المتاحة، إذن {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} القوة جاءت نكرة تنكير شمول، كل أنواع القوى، ولكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم القوة تجسدت في الخيل قال {ومن رباط الخيل} وبعد حين القوة تأخذ منحى آخر، إلى أن نصل إلى أن الإعلام قوة، والأقمار الصناعية قوة، والقنبلة النووية قوة، والأسلحة الفتاكة قوة، والتماسك الداخلي قوة…إلخ. الآية تغطي كل أنواع القوى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} عطف الخاص على العام في وقت نزول هذه الآية.{ترهبون به عدو الله وعدوكم}(الأنفال : 60 )كلمة ترهبون أي تردعون، معناها الدقيق في هذه الآية تردعون. وهناك دعاة كثيرون يتحرجون من ذكر هذه الآية مع أن الإعداد إعداد القوة من أجل منع الإرهاب بالمفهوم المعاصر.

{ترهبون} أي تردعون الآخر عن أن يفكر في الوصول إليكم… هذا هو الجهاد الثالث الجهاد البنائي، لابد من تطوير الحياة، لابد من استخراج الثروات، لابد من إنشاء السدود، لابد من حل مشكلة الشباب، لابد من تأمين المساكن، كل هذا النوع من العمل ينضوي تحت كلمة الجهاد البنائي.

4- الجهاد القتالي:

إذن هناك جهاد نفسي: جهاد النفس والهوى، وهناك جهاد دعوي، وهناك جهاد بنائي، وبقي الجهاد الأخير وهو الجهاد القتالي.

…الجهاد القتالي تحكمه آيات كثيرة، من هذه الآيات {وقاتلوا في سبيل الله} يعني لإعلاء كلمة الله، لتكون كلمة الله هي العليا {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}(البقرة : 189).

…لو فهم المسلمون أنواع الجهاد بدقة بالغة، أو لو نجح المسلمون في الجهاد النفسي نجاحا باهرا، وفي الجهاد الدعوي نجاحا باهرا، وفي الجهاد البنائي نجاحا باهرا، ينتظر أن ينجح المسلم الذي مشى بهذا التسلسل قي النجاح القتالي، عندئذ يكون قد أعطى نفسه المنهج الذي أراده الله عز وجل، وحقق الثمن الذي يقبله الله للنصر الأكيد والنصر العزيز…

إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى…

خبير الجمال الدعوي الدكتور محمد راتب النابلسي 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>