314حوار مع زوجة الشهيد د.عبد العزيز الرنتيسي
سعيت لإجراء هذا الحوار، أولا للفوز بفرصة نادرة، بلقاء من هو جزء من حبيب راحل عزيز، أحببناه وفجعنا في وفاته، فلما حظيت بمقابلتها، وأيقنت أن ” الطيبات للطيبين”، فإذا بي أمام عالمة، مجاهدة، وقلب مرتبط بربه وقضيته، وقد ندبت نفسها على إكمال مسيرة زوجها الراحل الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي(1947-2003) ، قائد حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، والذي استشهد في 2003م بثلاثة صورايخ أطلقتها طائرة أباتشي صهيونية. أم محمد “رشا صالح العدلوني ” من مواليد يافا، 1955، درست في الجامعة الإسلامية بغزة أصول دين وتتأهل الآن لنيل درجة الماجستير في التفسير، وتعمل الآن مديرةً لدائرة العمل النسائيّ بالمجمّع الإسلامي و هي مؤسسة إسلامية ثقافية اجتماعية خيرية في غزة.. وهي رمز من رموز الثبات الإسلامي المعاصر، وقائدة نسوية متميزة تجدد سيرة أسماء وفاطمة وخديجة، رضي الله عنهن جميعا.
المرأة الفلسطينية وصناعة الواقع
> من خلال تجربتكم الشخصية ومعايشتكم للواقع الفلسطيني، الذي يقدم كل يوم شهداء، فما هو أثر غياب الشهيد عن أسرته وطبيعة المشكلات والتحديات التي تقابل تلكم الأسرة؟
<> الحمد لله إن أرض الرباط مازالت تجود بالشهداء في سبيل تحرير الأرض والمقدسات، وطبعا هناك أرامل وأسر بلا أب وزوج ما دام هناك شهداء، ولكن المجتمع المجاهد، هو مجتمع متضامن ومتكافل، وهذا المجتمع هو الذي يسد ثغرة الأب ويؤدي احتياجات الأسرة التي غاب كافلها، وهي ليست بمشكلات لأن مجتمعنا مجتمع يعيش من أجل قضية، ونساء الشهداء يعرفن ماذا يفعل أزواجهن وماذا ينتظرهم في نهاية المطاف وهن قبلن هذه الحياة وهذه التضحيات ومن ثم يقبلن أي ظروف يختارها لهم الله.
> كيف يؤدي هذا المجتمع ضرورات هذه الأسرة، هل عبر مؤسسات أم التكافل الأسري المعروف؟
<> كل الجهتين موجودتين، فهناك مؤسسات مختصة تقوم بهذه المهمة ولا تتأخر في القيام بالواجب المطلوب قبل أن تطلب الأسر ذلك بل تقدم دعمها من راتب وغيره للأسرة في منزلها بدلا من أن تتجشم أرملة الشهيد وأبناؤه عناء الذهاب لتلك المؤسسات.
ومجتمعنا متراحم والحمد لله.
> لاحظنا من خلال وسائل الإعلام ثباتا للمرأة الفلسطينية غير معتاد من المرأة، فأين مكان المرأة في الحركة الإسلامية “حماس”؟
<> المرأة الفلسطينية حاضرة بقوة في الحركة الجهادية في فلسطين فهي التي تربي أبناءها على الإيمان بالقضية والاستعداد للتضحية في سبيلها ، وهي التي تتحمل أعباء الأسرة في حالة غياب الزوج بسبب أعمال المقاومة أو الأسر أو الشهادة.
والمرأة والرجل يقومان بمهمة واحدة تتكامل فيها أدوارهما، والمرأة تقوم بكل دور في الحركة والجهاد إذا ملكت القدرة على ذلك، فالمرأة الفلسطينية اليوم، أصبحت استشهادية..
> هل البرنامج التربوي للأخوات في حركة حماس هو برنامج الرجال وأين هي في هيكلة الحركة؟
“حماس” تربي أبناءها على الإقتداء بالنبي صلوات الله وسلامه عليه وصحابته، وهذا التاريخ المنير يضئ مسير كثير من المجاهدات العاملات، فأسماء بنت أبي بكر، كانت تقوم بمهام أمنية، في هجرة النبي ، واليوم تسعى الحركة أن تقتفي أثر ذلك الجيل الكريم المبارك، وتسعى لتثقيف وتربية الإخوان والأخوات، تربية عقدية وعلمية واقتصادية وأمنية، تربية شاملة حتى يكون هذا الجيل بقدر التحديات وقد كان بحمد الله.
فالمرأة الفلسطينية كان لها دور في صناعة الانتصار فكانت مجاهدة بأولادها وبنفسها إن كان شهيدا أو أسيرا أو بتوفير الحراسة الأمنية للمجاهدين كداعية في المساجد أو في المؤسسات الإسلامية تحصن الجيل من الفساد. كأم في البيت تربي الجيل على مرضاة الله ثم كطبيبة وممرضة في المستشفى. كمحامية تدافع عن أبناء الشعب الفلسطيني، مدرسة في المدارس والرياض تربي أبناء الجيل وتؤسسه لبناء حضارة الإسلام والإيمان، المرأة الفلسطينية أدت كل هذه الرسالة من خلال الرسالة الربانية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم: “النساء شقائق الرجال”:، فتأسّت بالصحابيات ونساء رسول الله .
> كيف تتمكن المرأة الفلسطينية في غزة من التكيف مع حصار طويل وقاسي؟
<> المرأة الفلسطينية كما أسلفت قدوتها الصحابيات رضي الله عنهن، وقد تربت تربية عقدية عميقة وتربية على ترشيد الإنفاق إلى حده الأدنى، وترك كل الكماليات والاكتفاء بالضروريات، بل وتجاوز بعض الضروريات كلما اشتدت أزمة الحصار، ولهذا عدن لإشعال النار بالحطب والطبخ به عندما انقطع الغاز. .. وقبل ذلك – يا أخي- هل يعقل أن يضعف بسبب الجوع والمسغبة من يقدم ابنه وزوجه للموت في سبيل الله؟
الحياة مـع الشـهـيد
> اسمحي لي ببعض الأسئلة حول الشهيد الكريم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، متى التقيت به وكيف كان زواجكما؟
<> زواجنا كان وفق التقاليد المعروفة عندنا، فهو عندما قرر الزواج، تقدم للأسرة وحصلت الموافقة والقبول وتم الزواج، ولا نختلف في ذلك عن أي شاب وشابة فلسطينية.
> كيف كانت حياة الشهيد الأسرية؟
كان الدكتور الرنتيسي شخصية إسلامية متكاملة في كل أمور حياته، متوازناً، فهو يعلم أن لديه أما يجب عليه برها وأخوات يلزمه وصلهن وأبناء عليه رعايتهم وتربيتهم، وزوجة لها حقوق عليه واجبة الوفاء، حينما أتحدث عن تلك الشخصية المتوازنة في أداء كل الأعمال التي كان يؤديها فأجد التوازن الذي هو أساس ديننا الذي أوصانا به رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، حينما كنا نقرأ سيرة (رسول الله عليه السلام) ونرى مدى تعامله مع أزواجه أراه إنسانا مقتدياً بسنة الرسول عليه السلام، إنه كان يحرص أن يكون داخل البيت معطياً كلّ إنسان حقه إن كان من زوجة أو أبنائه أو أصحابه في البيت، فكان يسعى أن يسعد كل إنسان ويعطي كل ذي حق حقه.
إن حياة الرنتيسي كلها كانت حياة المسلم في أخلاقه في عزته في إبائه، وفي تعامله داخل البيت وخارجه، كطبيب وكإعلامي وكقيادي سياسي، وكأستاذ في الجامعة وإنسان مجاهد في سبيل الله يحمل سلاحه مع إخوانه، هكذا كان الدكتور الرنتيسي شخصية إسلامية متكاملة فمثل لنا القدوة الحسنة في كل أمور حياته وهذا ما تركه لنا”.
> كيف تلقيتم نبأ استشهاد الشهيد الدكتور؟
<> سمعت دوي انفجار أو قصف بعد خروج الدكتور من البيت بخمس دقائق، فأدركت أن المقصود بذلك هو الدكتور الشهيد، وللتيقن من الخبر فتحت الراديو، فسمعت خبرا يقول ، ضربت قبل قليل سيارة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وقد توفي إثنان من مرافقيه، بينما نقل الدكتور الرنتيسي إلى العناية المركزة.
> كيف كان وقع ذلك الحدث عليكم؟
<> لقد تلقيتُ نبأ استشهاد الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي كما تتلقى أي زوجة نبأَ استشهاد زوجها، فلقد هزَّني النبأ من الأعماق، ولكني لم أفقد صوابي، ولم أفقد إيماني وثقتي بالله، فأصبَح لساني يلهَج بحمد الله، ثم توضأت وصلَّيت العشاء، ودعوت الله أن يثبِّتني ويثبِّت أولادي، وتسائلت عن واجبي في تلك اللحظة، وعندها عزمت ألا أفرح قلب عدوه وعدو المسلمين بدمعة واحد، وبفضل الله كان ذلك، بل كنت أثبت النسوة اللائي جزعن للنبأ .
والحمد لله موت الشهيد وإخوانه هو الذي يحيي الأمة، والأمة ولود ، فكل يوم تنجب الحركة قائدا والحمد لله.
> هل كنت تتوقعين استشهاده؟
نعم ، فالرجل الذي هو مع الله في عمله وجهاده وعلمه ودعوته، وصبره على الأذى والإبعاد ومقتل قادته وإخوانه على يد أعدائه ، لابد أن يموت ميتة شريفة وليس هناك في الدنيا أشرف من الشهادة، والشهادة هي أمنية الشهيد التي كانت يطلبها.
> ماهو برنامج السيدة أم محمد اليومي بعد استشهاد الدكتور الرنتيسي؟
إذا تكلمنا عن يومياتنا بعد استشهاده فلم تختلف قبل استشهاده لأن رسالة الإسلام تتطلب منا أن يكون كل وقتنا يحقق الآية الكريمة:{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام : 162).
> هل يمكن أن تعطينا لمحة سريعة؟
<> برنامجي اليومي بعد صلاة الفجر وتلاوة ما تيسر من القرآن والأذكار، أخرج إلى العمل في دائرة العمل النسائي في المجمع الإسلامي في غزة (تتولى رئاستها)، وبعد الانتهاء من المهام المطلوبة هناك، أعود للدار وأحيانا أخرج لبعض الواجبات الاجتماعية ثم أعود في المساء ، أقوم بواجباتي الأكاديمية في مرحلة الماجستير ، وهو في التفسير، وكما أطالع آخر الأحداث السياسية التي تتعلق بفلسطين والأمة وقراءات في بعض الكتب الفكرية والمنهجية.
> ما هو آخر كتاب كان بين يديك ؟
<> كتاب ” بين العقيدة والقيادة” للواء محمود شيت خطاب – رحمه الله.
> كلمة أخيرة:
<> إن كان ثمة كلمة،فأقول الإسلام مصدر عزة وكرامة “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام وإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”، وأقول إلى الشباب خاصة عودوا إلى مصدر عزتكم وكرامتكم، كتاب الله وسنة رسوله، تخلَّقوا بأخلاق القرآن وطبِّقوه في كل أمور حياتكم، وترفعوا عن الذنوب التي تقعد بكم عن القيام بالواجب، واعلموا أنه إنما جاء الإسلام ليكون رائدًا لهذا العالم {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(التوبة:33)، وحتى يظهر الإسلام يحتاج إلى من يحمله بقوة، فأقيموا شريعته في أنفسكم، وفي مجتمعكم، وفي كل مكان تذهبون إليه.
> عن الشبكة المشكاة الاسلامية