ذ. فتيحة الشايب
رغم الدمار والخراب الذي خيم على غزة “العزة” لثلاثة أسابيع متتالية طغت فيها الدبابات الإسرائيلية الجبانة، معبرة عن فكر “ما سوشي” طاغوتي مرعوب من كل ما يوجد فوق أرض الشهداء من إنسان ونبات وحجر..
لقد صمد أبناؤها الأبطال.. صمودا اهتزت له كل شعوب العالم من شماله إلى جنوبه، وعبرت عن وعي وعزم وإيمان قلَّ نظيره إن لم يكن قد انعدم. كنت ككل الذين زاغت عيونهم من أماكنها وهم يشاهدون صور البشاعة والكراهية والعنصرية في كل صاروخ يرمى عدوانا وطغيانا على كل ما يحمل نسمة “غزة”، لم يكن لي من وسيلة أعبّر من خلالها عن عمق انتكاستي ،كعربية، سوى البكاء اليومي الملون بطعم العلقم والدعاء في كل صلاة بالنصر لهم..
لم يتمكن أحد من إخراجي من هذه الحالة وهذا الإحساس سوى صمود المرأة الفلسطينية بإصرارها وإيمانها اللامحدود وأيقضني رد فعلها هذا كي أعيد حساباتي الداخلية وأنتقد كل حركاتي وسكناتي التي لا تتماشى مع عروبتي وقضيتي كمسلمة بدأت بطرح أسئلة عميقة نابعة من ديني، ومن وجودي.
كيف يٌعقل أن يكن هؤلاء النساء تحت القصف اليومي ذاكرات لله عز وجل وصابرات ومحتسبات شاكرات له نعمه، وأنا ونساء غيري نمارس حياتنا بشكل اعتيادي..
أقنعني صمودك سيدتي -الفلسطينية- بأن الحرب على غزة لم تكن حرب شجرة وزيتون أو ثرى.. إنها حرب على ديننا وهويتنا كمسلمين. ما يخيف العدو ليست حماس كقوة ذات سلاح وفقط، بل ما يخيفها أكثر هو هذا الإيمان الروحاني المنبعث من هذا الشعب الأبي..
لقد علّمني صمودك -سيدتي- أن أعيد ترتيب أولوياتي وأن أزرع في ابنتاي الغيرة على ديني.. دين آبائي وأجدادي، وأعلمهن مقاطعة السلع الفتاكة التي يستقوي بها العدو..، وأعلمهن الاجتهاد في الدرس والتحصيل لمجابهة أعداء أمتنا.
علّمتني -سيدتي الفلسطينية- أن أتجمل بالصبر وأتعطر بالشجاعة وأفتخر بالزي الإسلامي، وأن أحارب كل وسائل الإغراء الفتاكة المقدمة إلينا من الغرب على طبق من ذهب بهدف استلابنا..
علمتني -سيدتي- أن أعيد قراءة كتاب الله عز وجل، وسيرة الحبيب المصطفى.. وأن أستمد العظمة من عظمة هذا الدين.
علمتني أن أعيد ترتيب مكتبة أطفالي لأقرأ لهم كل يوم سيرة الحبيب المصطفى، ثم سيرة أبطال تاريخنا المجيد، كي يعلموا علم اليقين بأن الغد لهم ولأطفال غزة الشامخة.
فتحية حب وإجلال وتقدير لك أختي الفلسطينية.