ذ. أشرف الفاضلي
الزمان رأس السنة كما قيل ويقال، المكان لا يهم كل العالم أمكنة وأزمنة للبشر، وحدها الرِؤوس تطلب احتفاء واختفاء، في كل الأشياء تضاء الشموع الباكية في العتمات المتفردة فرحا وتقبر أخرى كمدا وحزنا لأن أصحابها تخاصمهم المصابيح الكهربائية كما خاصمهم الزمن من قبل، فكل لياليهم شموع باكية ليس كمن يبكي لياليه بفرح الشموع بإيقاعات عد عكسي لزمن آفل يجر معه خيبات وقهقهات وأنخاب الذكرى والذهول. في البدء تكون الأشياء عادية وعفوية وأحيانا تتسلل الرتابة ببطء لتزيد مع تنهداتنا المؤرقة من عطب الحواس بوخزات الواقع. لتتحول التفاصيل غير العادية إلى عادية بطعم المرارة ولون السواد والشماتة المستشري في كل شيء. وكلما أطفأت سنة شمعتها أعدت أخرى نفسها للاشتعال، لكن السنوات كالشموع تشتعل هي الأخرى بالمآسي والحروب والأهوال وتزايد الفجوات والهوات بين عباد الله وتنامي الظلم وإقبار الفرح في عيون البسطاء لأننا منذ الولادة نحتضر لا مكان للفرح في مياه قلبنا الإقليمية، لأننا لا نفرح لكوننا علمنا أن الفرح أن يسكن كل أقطار العيون التي تشبهنا وحتى التي لا تشبهنا، حلت سنة جديدة هجرية وميلادية معا الأولى مسكينة لا مجال لها في قاموسنا من الاحتفال والتبجيل، إلا ما كان وما سيكون، والثانية وسيرا على تقليد أعمى راسخ نخلع فيه برنس أصالتنا وهويتنا ونلبس على مقاسات الآخرين واختيارهم، حلولهما معا كشف عن روعتنا في الاستلاب والتبعية وضرب الدف للآخرين والتحمس لحماستهم وبهجتهم كشف عن شرخنا وعن انفصامنا المريع .
تلك سنة، وتلك سنة، والزمان هو الزمان يسرح بنا نحو المنحدر العميق لنكتشف في الأخير غفلتنا وصمتنا وحتى لعبتنا. يحز في النفس كمسلمين أن نطرد سنتنا الهجرية وتقويمنا الهجري من ديارنا ومن كريات دمنا ومن أوردتنا الدافئة بغضب صامت لأننا مجبرون على الغضب الداخلي فقط وإلا فالعاقبة مسطرة سلفا أنك ستكون لا محالة من الأخسرين ومن حزب “جنت على نفسها براقش” الغيض كل الغيض أن ترى سنتنا الهجرية تمر أمام أعيننا تسحب كالبساط وتزال كستارة قديمة بكل برودة لتعوض بأخرى جديدة أو كمن يقلب الصفحة، ومن يعقد مقارنة بين السنتين على مستوى الإعلام بشتى تلاوينه سواء كان مكتوبا أو مسموعا أو مرئيا خاصة هذا الأخير سنجد أن البون شاسع بينهما في طرق الاحتفال والرصد والتهاني عبر كل القنوات الإنسانية المشفرة وغير المشفرة كأن السنة الهجرية لا أحد يرصد فلكها، الأصح أن كل أيامنا الهجرية عيد بالتودد والتقرب لله عز وجل بالطاعات والصلوات والصيام والدعاء كلها أيام مشرقة من صفحات التاريخ الإسلامي، أحدات وعبر ونوازل تحيل على منهج ودين إسلامي عظيم، والدين عند الله الإسلام وهو صالح لكل زمان ومكان، لكن العيد في أيامنا نحن المسلمون أصبح تصعيدا سلبيا فإذا كان هناك من يستطيع أو ما زال يستطيع أن يحسب الأيام والشهور ويميز بينهما فهناك من لا يستطيع أن يعد حتى أصابع يديه بل حتى أنفاسه ما دام الموت يتربصه ويحيط به من كل جانب، الغيض كل الغيض أن ترى آباء ممسكين بأطفالهم وبأيديهم طرود الحلوى وزينة رأس السنة الميلادية قافزين عن السنة الهجرية كالأحصنة المرودة وغزة وأطفال غزة يمطرون بوابل رؤوس القنابل وكل أنواع العتاد الحربي وحتى المحظورة منها، أطفال غزة لا شموع لهم فقط الدموع التي تضئ أجسامهم النحيلة جوعا وبللا، أطفال غزة عراة يموتون، يسقطون يصرخون يجوعون يٌغتصبون لم يبق لهم إلا أن ينزلوا من الشاشات لكي ننتفض كل الأشياء غير عادية أصبحت عادية حتى أحاسيسنا أصبحت إسفلتا مسلحا بالعادة والتعود وقتل الأشياء الجميلة فينا ما دام الموت والتقتيل والتشريد والتنكيل بإخواننا صباح مساء يصدر إلينا ويقدم لنا في نشرات الأخبار المعدة والمفبركة والمبرمجة على ذبذبات غربية وغريبة كوجبة إظافية مع الوجبات الثلاث إن وجدت أصلا، غزة تحاصر ولا من يناصر. الغيض كل الغيض أن تشعل شمعة مع الآخرين وأنت تحتفل بالدم، وأنت الدم المراق في غزة وفي البر والبحر وفي كل شبر من الأراضي المقدسة، وأنت الشرف والعرض والدم المنتهك في العراق وأفغانستان والشيشان وفي كل أرض وقطر يدين بدين الإسلام، كيف تمد يدك وتشايع من يقتلك ويكرهك ويرهبك. الغيض كل الغيض أن تبيع عرضك ودينك، فلا نحتاج الصراخ والتنديد والمسيرات والمظاهرات الحاشدة والمنظمة لكونها أصبحت عادية ومتجاوزة بل حتى لاغية، لا نحتاج اجتماع رؤساء القمة العربية ولا قمم عربية لأنها منذ الأزل وهي في قمقم الموت، غزة وغير غزة تحتاج لنخوة عربية إسلامية حقيقية فقط أن تغار لأن الله يغار وحين تغار غيرة على حرمات الله آنئذ ستفعل كل شيء، نحتاج أولا أن نرمي وجوهنا السافرة بأحذيتنا النتنة قبل أن نرميها في وجوه الآخرين لأننا حقا الأولى بها وقبل أن نحتفل برأس السنة تحتاج هي أن تخلع حذاءها كذلك لترمي به في وجه من يشبه رأسه قدمه.