لست من السياسيين، ولا أحب أن أكتب في الموضوعات السياسية، وما كنت لأكتب في هذا الموضوع لولا أن صديقا عزيزا يكبرني سنا ممن له تاريخ نضالي طويل، قال لي ونحن نتجاذب أطراف الحديث عن واقعنا العربي الأليم، “إن ما يحدث في مصر مؤامرة، وإذا حدث سوء بمصر -لا قدر الله- فإن أركان العالم العربي بل وامتداداته الأسيوية والإفريقية ستتزلزل وتتغير، هلا تركوا الرجل -أي الرئيس المصري – يستقر أولا في مكانه ثم نرى بعد ذلك نتائج عمله؟”.
طبعا، محدثي ليس خبيراً استراتيجيا، كما أنه لا يمالئ ولا يتعاطف مع أي اتجاه إسلامي، بحكم رصيده النضالي الخاص كما سلف الذكر، ولكن قوله هذا ينبني عن موضوعية في التحليل التي يمكن أن يتبناها كل ذي فكر موضوعي سليم. فما يحدث الآن في مصر مثير للاستغراب، كيفما قلّبنا الأمر وأوّلناه، مع أنه لا يحتاج إلى تأويل ولا إلى تقليب لكل ذي عينين، لا لشيء إلا لأن القوم أرادوا أن يقلبوا أمور مصر رأساً على عقب، وقديما قال الشاعر :
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه
إذا كنت تبْني وغيرك يهدم
لا تَمَام للبنيان مع استمرار الهدم، بل إنه في ساعة يمكن أن تهدم ما تم بناؤه في سنوات، فكيف ومعاول الهدم لم تترك البنيان يضع حتى أساسه، وأنّى له الشخوص وقد تداعت عليه هذه المعاول من كل الجهات.
إن الإنسان، فرداً أو مجتمعا، لا يمكن أن يغير شيئاً فبالأحرى واقعا بين عشية وضحاها، والنظام الجديد في مصر هو وليد جديد، ظهر في ظروف عصيبة محليا وجهوياً وحتى عالمياً، فكيف يُطالَب في ظرف ثلاثة أشهر أن ينجز ما لم ينجزه غيره في ثلاثة عقود.
إن الديمقراطية لها مبادئ وأسس، ولها إيجابيات ولها سلبيات.
فمن مبادئها أن الحكم للأغلبية، حتى ولو كانت هذه الأغلبية بنسبة 0,1%، أو حتى من أقل ذلك، ولا يمكن أن يعترض على هذا المبدأ إلا ذو مصلحة شخصية معادٍ للديمقراطية أو مستغل لها ليقضي بها مآربه الخاصة، أو مآرب من ولّوْه تحريك الأقلية على الأغلبية، فمن يتزعم الآن ما يعرف بالإنقاذ في أرض الكنانة، معاد للديمقراطية، ومعاد لمصلحة البلد.
ومن إيجابياتها أنها ميزان تزن أعمال من تولى أمور البلاد بالحكم والسياسة لفترة معينة، فإما أن يعدل ويبني ويسوس سياسة بنّاءة، فيوليه الشعب مرة ثانية وثالثة، كما هو حاصل الآن في تركيا، وإما أن يتغطرس ويتجبر ويفسد ويهدم، فيحكم عليه الشعب -وبشكل سلمي في الانتخابات- بالفشل والبوار، كما هو شأن العديد من الأحزاب في أكثر من بلد التي تتبني الديمقراطية بشكل مبدئي وتتنكر لها إذا لم تكن الأمور في صالحها. وهذا ما لا يريد فهمه من يتزعم ما سمي بالإنقاذ.
ومن سلبياتها أنها تسمح لكل ناعق بأن يدعي الدفاع عن البلاد والعباد وعلى المبادئ والمكتسبات، وأن يتباكى على مبادئ الديمقراطية، وهو من كل ذلك براء، وهو بلا شك مدفوع ،بغباء أو بدهاء، لمصلحته الشخصية أو لمصلحة أسياده هناك، وهذا ما يحدث الآن هناك في ميدان التحرير وبجانب الاتحادية، حيث تثبت الوقائع والأحداث المصورة أن ما يجري هناك فصل من فصول مسرحية محكمة الحبّك والنسيج اسمها: التآمر على مصر.
لقد نشرت هيئات إعلامية دولية مستقلة ومنها الـ ب.ب.س تقارير لها واستطلاعات عن الأوضاع في مصر، بينت فيها أن 82% من أبناء مصر لا يؤيدون ما يعرف بجبهة الإنقاذ، كما نشرت قناة الجزيرة استطلاعا آخر بدا فيه أن 93,3% من أبناء مصر يرون أن هناك مؤامرة ضد مصر.
كل الناس يعتقدون -والأمر هو كذلك- أن مصر قلب العالم العربي الإسلامي، فباستقرارها سيستقر ما حولها وبزعزعتها سيتزعزع كل من حولها.فهلا عمل العقلاء من هذا البلد، ومن غير هذا البلد، على الأخذ على أيدي السفهاء في البلد، تجنبا لكارثة لن يهنأ فيها أحد؟!.