د. محمد ديـرا
في شهر رمضان الأبرك يجد الإنسان حظا عظيما ونصيبا كبيرا من لحظات الخير وأوقات استمداد مواهب الرحمن، فهو محطة صفاء ولحظة نقاء، يصفي فيها المرء روحه وينقي فيها قلبه مما علق به من أكدار، فهو شهر التجليات والنفحات والرحمات، فهل يحدونا الأمل لنتعرض لتلك المنح والعطايا والأسرار في هذا الشهر الكريم؟
أخي الصائم، أختي الصائمة: فهيا بنا إلى برنامج عملي يكون لي ولك دليلا في هذا الشهر العظيم اغتناما لفضائله.
1- إذا طرق سمعك أن غدا رمضان فاجلس مع نفسك جلسة محاسبة ومصارحة، واعقد العزم على أن يكون شهر رمضان لهذه السنة شهر التوبة والرجعى والولادة الجديدة، وبأن يكون محطة فاصلة بين زمنين في حياتك. واستعن على ذلك بالدعاء وبإلحاح لأن الله يحب العبد الملحاح.
2- حافظ على الصلوات الخمس في المسجد مع الحرص على تكبيرة الإحرام -ما أمكن- وتذكر أن الفريضة في رمضان كسبعين فريضة فيما سواه.
3- أكثر من نوافل الصلاة، وحاول أن تكون اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة على الأقل، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من صلى في اليوم والليلة اثني عشرة ركعة تطوعا بنى الله له بيتا في الجنة” (رواه مسلم). ومن زاد زاده الله من فضله وكرمه وثوابه، وتذكر أن النافلة في رمضان كالفريضة فيما سواه.
4- رتب لنفسك برنامجا يوميا لقراءة القرآن الكريم، إذ أنت في شهر القرآن، وهو نور وعليه مدار طب القلوب وإعدادها لتمتلئ إيمانا، واعلم أن دعوة مستجابة تنتظرك عند الختم.
5- حافظ على صلاة التراويح في المسجد وأحيانا في البيت مع أسرتك.
6- حافظ على تناول وجبة السحور ولو بجرعة ماء، فالله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين.
7- جاهد نفسك لتحافظ على صلاة الليل “أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام” (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)، وتذكر أن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ فلا يكُنْ مُنَادي الفلاح ينادي وأنت نائم، وتعرض لهذه المنحة الإلهية العظيمة ولا تنس أنك في شهر الاجتهاد ومضاعفة الأجر والثواب.
8- لا تنس أن تدخل في “الوقت الإلهي” وهو الوقت الذي حدد الله فيه نوع العبادة، ومن ذلك الاستغفار بالسَّحر، فاجتهد أن تجلس قبيل أذان الصبح للاستغفار لتكون من المستغفرين بالأسحار.
9- حاول أن تحافظ على جلسة الشروق الممتدة من صلاة الصبح إلى طلوع الشمس مع صلاة ركعتين فذاك زمن مبارك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة، تامة تامة تامة” (أخرجه الترمذي وصححه الألباني).
10- حافظ على أذكار الصباح والمساء فهي حصن حصين.
11- واظب -ما أمكنك- على صلاة الضحى “أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام”(متفق عليه)، وهي من ركعتين إلى ثمان ركعات بحسب الاستطاعة.
12- أكثر من ذكر الله فهو قوت القلوب وزادها ومن ذلك:
- الاستغفار: أكثر منه تطهيرا لقلبك فـ”من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب”(رواه أبو داود وابن ماجة)، واجعل لك منه برنامجا يوميا.
- الكلمة الطيبة المباركة لأن أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، قال صلى الله عليه وسلم: “جددوا إيمانكم، قالوا: كيف نجدد إيماننا يا رسول الله؟ قال: أكثروا من قول “لا إله إلا الله”(رواه الإمام أحمد ورجاله ثقات) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا إله إلا الله أفضل الذكر وهي أفضل الحسنات” وقال عليه الصلاة والسلام: “أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله” فأكثر منها كما أوصاك نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعل لك منها برنامجا يوميا.
- الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم استجابة للأمر الإلهي وتنويرا لقلبك، يقول تعالى: ” إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”. فالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ضياء ونور للقلب وطريق واصل موصل لمحبته، كما أنها صلة دائمة به عليه الصلاة والسلام ومفتاح لكل خير. اجعل لك منها -أيضا- برنامجا يوميا.
13- اِسع لأن تفطر صائما كل يوم ولو بشق تمرة ولك مثل أجره.
14- قف بين يدي ربك في كل يوم وليلة.. في صلاتك وبعدها وأثناء السجود.. في الثلث الأخير من الليل وأثناء الإفطار.. في كل وقت وحين اغتناما لبركة شهر رمضان، قف بين يديه داعيا سائلا سؤال المضطر لنفسك ولأهلك ولعامة المسلمين وخاصتهم الأحياء منهم والأموات .
15- اِجلس جلسة قبيل صلاة المغرب تقرأ فيها القرآن الكريم وتَذْكُر فيها الله تعالى وتسبح فيها بحمده، يقول تعالى: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها}(طه: 130)، واختمها بالدعاء وعرض الحاجات على الله فهو مستجاب، “ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يُفْطِر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين”(رواه أحمد والنسائي والترمذي).
16- اِجتهد أكثر في العشر الأواخر فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها.
17- تحرَّ الليلة المباركة التي تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر والتي هي خير من ألف شهر.
18- أدِّ زكاة الفطر قبل صلاة العيد فهي طُهرة للصائم وطُعمة للمسكين.
19- تصدق ولو بقدر قليل كل يوم فـ”أفضل الصدقة صدقة رمضان”، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان.
20- صِلْ رحمك واصنع المعروف “صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر”(رواه الطبراني).
21- جالس الصالحين والأخيار حرصا على الانتفاع منهم وتلمسا لفضل مجالس الذكر والعلم والإيمان “ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه، إلا حفتهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده”(رواه مسلم).
22- رُدَّ المظالم وأعط الحق لصاحبه وأد الأمانة.
23- تجنب إذاية المسلمين وكن سليم الصدر.
24- اِسع لأن تكون بين الناس ناصحا وإلى الله داعيا برفق وحلم وأناة فما كان الرفق في شيء إلا زانه.
25- اِحرص على أن تكون في حاجة المسلمين وتفقه ما أمكنك فيما ينفعك وينفع الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم : ((من نَفََّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يَسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه…))(أخرجه مسلم وغيره).
26- عَظِّم النية في العمل الواحد وفي الطاعة الواحدة لتنال أجر كل النيات.
27- حاول تنظيم جلسات عائلية إيمانية للدعاء والذكر والتذاكر وتدارس القرآن الكريم والتفقه في دين الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم : ((…ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهَّل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه”(أخرجه مسلم وغيره).
28- اجلس مع نفسك كل ليلة عندما تريد أن تنام، وانظر ما قدمت وما أخرت في يومك من أعمال لتتدارك في اليوم المقبل حتى لا يستوي يوماك.
29- اختر صديقا مخلصا وأمينا وتعاقد معه وتعاهدا على التعاون على البر والتقوى وأعمال الخير، فتضعان برنامجا موحدا وتتعاونا على تطبيقه مع التحفيز والتنبيه والمساءلة الأخوية اللطيفة لبعضكما البعض ودعاء كل منكما للآخر بظهر الغيب.
هذا، وإن التوفيق بدءا وختاما من الله عز وجل، فنسأله جلت قدرته أن يعيننا جميعا على ذكره وشكره وحسن عبادته في هذا الشهر العظيم (وكل شهر) وأن يجعلنا فيه من العتقاء.