العدد 400 __ بين يدي العدد
إن قراءة سنن التاريخ الإنساني وقوانين نشوء الحضارات وسقوطها يفضي إلى استخلاص ما يلي:
- أن الريادة والإمامة الحضارية لا تتأتى إلا على أساس نهضة علمية، متينة القواعد، سليمة البنيان، شاملة متكاملة.
- أن النهضة الصحيحة الراشدة في كل أمة تنطلق من تصحيح مسار البحث العلمي مضمونا ومنهجا وغاية، لأن النهوض بالبحث العلمي وبأهله نهوضا سديدا رشيدا، وقويا قويما، كمّا وكيفا، هو الكفيل بالتعجيل بالانبعاث السليم لأي أمة.
- إنه لا نهضة علمية صحيحة في مشروع أي نهضة حضارية إلا بالانطلاق من التراث العلمي للذات، مع الإفادة مما لدى الآخر مما لا يذيب الذات ولا يهدم المقومات. والانطلاق من تراث الذات لا يكون بحقه إلا من خلال مسارين متكاملين متلازمين: مسار التحقيق العلمي للتراث ، ومسار الدراسة العلمية لمفاتيحه التي هي المصطلحات.
- إن ريادة الأمة المسلمة وقيادتها لغيرها من الأمم لم تتأت لها في ما سبق ـ ولن تتأتى لها في ما سيلحق ـ إلا بالانطلاق مما لديها من رصيد تراثي، والعودة إلى أصوله أولا قبل فروعه، أي إلى الوحي أولا، ثم إلى ما أُلف من علوم منطلقة منه أوخادمة له .
وبما أن أمتنا هي أغزر الأمم تراثا، وأرسخها قدما فيه كيفا وكمّا، فإنها – وهي مقبلة من جديد على مرحلة الإمامة الحضارية – تحتاج إلى تحديد عدة أمور، على رأسها: التأسيس الرشيد لنهضتها، والتأسيس السليم للبحث العلمي، والانطلاق في اكتشاف الذات من خلال تراثها العلمي الزاخر، وتحديد الأولويات في هذا الدرس التراثي.
في هذا السياق من الاستبصار بمستلزمات البعثة الجديدة وأولوياتها ومتطلباتها، وواجبات الوقت على الأمة في المنطلق الذي منه يكون الانطلاق، والأساس الذي عليه يكون البناء، شهدت مدينة فاس العالمة العامرة مؤتمرا علميا عالميا كبيرا هو الثاني من نوعه، نظمته مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) بتعاون مع كل من الرابطة المحمدية للعلماء ومعهد الدراسات المصطلحية، من المملكة المغربية، ومركز تفسير للدراسات القرآنية وكرسي القرآن الكريم وعلومه من المملكة العربية السعودية.
وذلكم هو المؤتمر العالمي الثاني للباحثين في القرآن الكريم وعلومه الذي موضوعه” آفاق خدمة النص والمصطلح في الدراسات القرآنية” أيام 29 جمادى الأولى 2-1 جمادى الثانية 1434هـ الموافق ل13-12-11 أبريل 2013م، والذي جاء حلقة ضمن سلسلة مؤتمرات علمية خالصة، تخصصت في تنظيمها مؤسسة (مبدع)، وتدخل ضمن مشروع علمي جديد، ينطلق من البعد الحضاري للتراث، وخاصة الوحي، وما نتج عنه من علوم خادمة له أو مؤسَّسة عليه. مع ما تستلزمه هذه الرؤية من ضرورة إعداد النص التراثي المخطوط إعدادا علميا: جمعا وتصويرا وفهرسة وتحقيقا وتكشيفا ونشرا وتوزيعا، ثم إعداد مفاتيح استنطاق دلالاته والكشف عن مقاصده من خلال الدراسة العلمية والمنهجية للقرآن الكريم ولعلومه الخادمة.
واعتبارا لأهمية هذا المؤتمر العلمي الباني مضمونا ومنهجا وغاية، ونظرا لقيمة الطموحات التي يحملها والرهانات التي يروم تحقيقها، واكبت جريدة المحجة أشغاله: محاضرات وأنشطة موازية، واستجوابات وحوارات وتعليقات، وأعدت للقراء الكرام عددا كاملا عنه، رجاء توسيع دائرة الاهتمام بما تحتاج الأمة إلى الاهتمام به، فتكون الأمة في قلوبهم، ويكونوا بإمكاناتهم واستعداداتهم ومشاركاتهم في قلب الأمة.
والله تعالى الموفق إلى ما فيه الخير والرشد والسداد.