الاستنساخ البشري:
حرب بيولوجية ضد البشرية
الغرب حادث كما صرح روجي جارودي, ولم يعد ينتج إلا الحوادث كما أكدت التجربة الامبريالية الاستعمارية وبعدها الحرب النازية والآن الارهاب الأمريكي.
وإذا كان الفكر العسكري ظاهرا قاهرا, فإن الخطر التكنولوجي قائم لطبيعة من يوظفه, وهاهو الخطر البيولوجي يطفو على السطح مع جنون الاستنساخ البشري.
والذي يجمع هذه الأخطار ا للصيقة بالتجربة الغربية في دورة الحضارة: ا لخطر التكنولوجي والخطر النووي والخطر الكيمياوي والخطر البيولوجي هو الثقافة التي تديرها وتوظفها وتحكمها, وهي ثقافة القوة والاكراه, الجسد والمادة, العلمانية, فهذه المكونات للعقل الغربي جعلت العلم بلا أخلاق, والحرية بلا إرادة, والقوة بلا رحمة.
لقد عجزت خطابات الديموقراطية وتقارير حقوق الانسان على منع هذا التلاعب بحق الانسان والطفل في ولادة عادية طبيعية, كما عجزت عن تأكيد مبدأ الميلاد الحر المتساوي.
فمن الناحية الفردية يولد انسان الاستنساخ مكبلا بماض ليس له وتجربة غير حداثية!! كما أنه يخرج إلى الحياة على مقاس حسابات الطوائف النازية الصهيونية العنصرية وكذا الشركات الاقتصادية العسكرية التي تنظر إليه شيئا من أشيائها يجب ترويجه وبضاعة يجب تسويقها لمن يدفعون أكثر لالمن يوظف أنفع.
إن خطر التوحش والتشوه وارد في الخطر البيولوجي (الاستنساخ) كما ورد وتأكد مع الخطر النووي والكيمياوي في حروب أمريكا على العالم منذ هيروشيما إلى أطفال العراق وفلسطين وأفغانستان. فأين حقوق الانسان؟ وأين مفاهيم ا لعقلانية والحداثة؟ كما نسائل الديموقراطية الغربية والمنتظم الدولي أمام عجزهما على تهذيب هذا الارهاب.
أما من الناحية الجماعية: فاالاستنساخ حرب بيولوجية ضد البشرية وضد كسبها الحضاري. فالاستنساخ جعل علامة استفهام حول خيرية البحث العلمي وقوض المنظومة القيمية لخطاب حقوق الانسان, كما أنه يهدد استقرار مفهوم الأسرة, وأمن وسلامة المجتمع ومعايير التقدير الاجتماعي وثروات الأمم وانسجام الجنس البشري.
كما أن عولمة الاستنساخ سيهدد خاصة دول العالم الثالث نظرا لافتقار هذه المجتمعات لجهاز مناعة طبي وقانوني ومجتمعي يهذب الظاهرة ويؤطرها. وما إرهاق وباء السيدا لهذه البلدان إلا نموذجا عن تصدير الغرب لأزماته.
إن البشرية مهددة في آدميتها والخلق السوي الذي ارتضاه الله تعالى لها. أما البحث عن الكمال, والنموذج البشري الأصيل فطريقة التربية والعلم والتخلق من منبع الدين وليس في مختبرات أو من خلال تلاعبات بيولوجية.
إن أزمة التجربة الحضارية الغربية أكبر من جريمة الاستنساخ البشري, بل هي تمظهر كباقي التمظهرات ا لسابقة( الاستعباد, الاستعمار, ا لحرب الكونية, السيدا, التلوث النووي وغيرها) أساسه الخلفية الفلسفية والعقدية التي توظف هذه الاكتشافات العلمية وتوجهها وتضعها ضد الانسان وليس لصالحه.
الاستنساخ والعولمة الأمريكية:
والاستنساخ تنميط لنموذج إنساني بشكل تعسفي من داخل المختبر البيولوجي على خلفية تأليه الإنسان وتسيب الأخلاق وحداثة الصيرورة البشرية.
والعولمة تنميط للعالم على مقاس النموذج الأمريكي من داخل غرف البانتغون والبيت الأبيض والكونغرس على خلفية نفس بنية الفكر الغربي التي تمجد القوة والتحيز للذات وتحتقر الأخلاق والتنوع البشري.
إن هذه المقاربة الثقافية للاستنساخ تجعلنا قريبين من مفهوم العولمة ذاته. فالأمر في كلتا الحالتين يتعلق بتنميط قسري تعسفي بقوة الإرهاب البيولوجي أو الإرهاب العسكري بدعوى الحاجة البشرية لإنسان كامل أو بدعوى حاجة العالم للنموذج الأمريكي. كما أن الخلفية المعرفية للظاهرتين هي خلفية واحدة تعود للبنية الثقافية الغربية مع كامل حمولتها المادية، الإلحادية العنصرية.
من هذا المنطلق يسهل علينا الحديث عن العولمة الاستنساخية والاستنساخ العولمي. فكل من العولمة والاستنساخ هما نتاج حضارة فقدت توازنها وشردت عن مهمتها الحقيقية الاستخلافية التي تتأسس على العلاقة الترسيخية التي تنظر إلى الإنسان على أنه شيء وبضاعة في سوق الشركات العابرة للجنسيات وسوق النخاسة العالمي الذي تتحكم فيه المؤسسات العسكرية الاقتصادية واللوبي الصهيوني.
فالفرق شاسع بين تسخير الكون واستهلاكه، ففي الأول نجتهد في إعمار الكون حسب قوانينه الطبيعية والبيولوجية والاجتماعية والأخلاقية من موقعنا الحضاري، أما في الثاني فهو حرب مفتوحة الجبهات حسب قانون المادة فقط الذي يمجد الرفاهية والترف دون احترام للقرية الصغيرة (الأرض) التي تتحول مع العولمة والاستنساخ إلى غابة كبيرة.
إن العولمة حرب على البشرية (في أفغانستان، فلسطين، العراق، كوسوفو…..) والاستنساخ كذلك حرب على البشرية والسلاح البيولوجي حاضر في الحالتين.
إن الاستنساخ البشري منتوج مربح من منظور العولمة، ولا يمكن للبرالية المتوحشة أن تتغاضى عن سوقه مهما كانت وحشيته وتحدياته.
فلا يفاجئنا تورط المؤسسة العسكرية الأمريكية والمالالصهيوني في هذا الإرهاب الحقيقي للعالم وهو تجارب الاستنساخ البشري.
حدث الاستنساخ أم لم يحدث… فالتجربة الغربية الحضارية في امتحان جديد أمام منتجاتها، ذلك أن الأبنية المعرفية التي طورها النظام الغربي في سياق عملية تشكله التاريخي التي أسس عليها صيرورته الإنتاجية أدت إلى حوادث وكوارث أرهقت العقل الغربي والإنساني عامة، فمقدمات العقل والقوة والجسد -وهي الأبنية المعرفية الأساسية للغرب-، أنتجت تناقضات لا حصر لها. فإلى جانب ثورة المساواة والحرية نشطت حركة الاستشراق وإلى جانب نمو فكر الديموقراطية نشطت الحركة الاستعمارية ومع تطور علوم الغذاء والطب واللياقة البدنية انفجرت ظواهر المخذرات والشذوذ الجنسي والسيدا وخطر الاستنساخ.
فكيف يمكن للتجربة الحضارية التي ألهت الإنسان ووفرت له جميع شروط الترف والرفاهية أن تضعه أمام امتحان الحيوانية والتوحش والتشوه الذي يفرضه إرهاب الاستنساخ؟!
إن الثقافة الغربية شأنها شأن باقي التجارب تعيش دورتها الحضارية بداية ونهاية، كما حددها مالك بن نبي رحمه الله في مراحلها الثلاثة : الروح والعقل والغريزة. إلا أن الإرهاق الجسدي (الترف الجنسي) والاستهلاك العقلي (العقلانية، الإلحاد) كل هذا أدى إلىخلل في توازن البناء والانطلاقة. إن الموروث اليوناني والإغريقي أعطانا تجربة حضارية غربية جديدة شائخة، تنشط صيرورتها بإنتاج نقائضها والعمل على معالجتها. فالتحيز الواضح لعالم المادة لا يترك مجالا لثقافة الوقاية ومرجعية الأخلاق. كما أن الفكر المادي يهدد هذه التجربة الحضارية بالسكتة القلبية المفاجئة وانهيار جهاز الإنعاش والتجدد بسبب طغيان بعض مكوناتها وانفلاتها. فخطر الشركات العابرة للجنسيات والاقتصاد العسكري ودعاة الشذوذ الجنسي ومناشط الصهيونية هي التي أنتجت النظام العالمي العولمي الذي نعيش الآن جنونه وشدوده مع الوحش الأمريكي حتى انفجر التناقض وانكشف الخلل في مفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والحرية والمساواة.
مآزق الاستنساخ:
كما أن خطر ثقافة الاستنساخ بصفتها شذوذا علميا و أخلاقيا، قوضت البنى التنظيمية والمعرفية للتجربة الغربية وأبطلت مفعولها وبريقها. وهذه بعض النماذج :
الاستنساخ ومأزق العلمية : شكلت العلمية خطابا استعلائيا في التجربة الغربية ففي طريقه تمت محاربة التدين والأخلاق، ومن خلاله تم تشجيع العلمنة والإلحاد والمادية. فكانت النتيجة أن أنتج العلم نقيضه. فإذا كان شعار العلم هو خدمة الإنسان وتحسين ظروف عيشه، فإن خلاصة الاستنساخ هو إرباك منظومة الإنسان والمس بكرامته وتفرده وتميزه الاجتماعي. إننا بصدد تكرار أزمة عبودية الإنسان للبيولوجيا بعد عبودية الآلة. إن علما ينتج التوحش ويهدد استقامة الإنسان يعيش فعلا أزمته.
الاستنساخ ومأزق الحداثة : الاستنساخ من منظور فلسفي حفاظ على الواقع وتقليد و جرٌّ للمستقبل إلى الوراء، كأن نفرض على إنسان حقيبة جينية تجعله نسخة كاملة، وربما مشوهة، لسابقه فهذا تجاوز لاندفاع الحداثة وصيرورتها الانقلابية. فكيف يمكن للعقل الحداثي أن يتعايش مع جنون الاستنساخ، وربما أن يضمن له الحرية والغطاء التبريري. فلا نستغرب أن تحمل الحداثة نقيضها لأنها فكرة غير علمية.
الاستنساخ ومأزق الديموقراطية : الديموقراطية قَبُولٌ بالتعدد والتعايش والحرية. أما الاستنساخ فهو هيمنة للنمطية والواحدية المستنسخة، واستبداد وقهر للإنسان حتى قبل ولادته. لكن كيف ولد هذا السلوك الاستنساخي في مناخ الديموقراطية الغربية ؟! إنه الخلل في البناء المعرفي الإنتاجي الذي سبق أن تحدثنا عنه. إن طوباوية الديموقراطية لم تصمد أمام العنف الأمريكي والتحيز الغربي الصهيوني، وقد لا تصمد أمام مأزق الاستنساخ.
مأزق العقلانية : الثقافة الغربية ثقافة “عقلانية” بامتياز، والاستنساخ سلوك لا يخضع للعقل ولا يستجيب للمنطق، إنه يشبه طقوس البدائيين في تحضير الأرواح وتقديم القرابين. لقد جنت العقلانية على نفسها عندما انفصلت عن الأخلاق وادعت المعرفة الوضعية وألَّهَتْ العقل.
الاستنساخ ومأزق حقوق الإنسان : الاستنساخ من منظور حقوقي تمييز عنصري على أساس النقاء المعرفي وانتخاب غير طبيعي داخل الجنس البشري. وإذا كان الإنسان منذ بدء الخليقة عانى من تجاوز لحقوقه بعد الميلاد، فإن مع الاستنساخ يمس الإنسان في حقوقه قبل الميلاد عندما نفرض عليه نموذجا سابقا وجنسا معينا ولونامعينا وحقيبة جينية مقفلة.
إن تأليه الإنسان في فكر حقوق الإنسان الغربي بعيدا عن عقيدة التوحيد وناظم الأخلاق، والتمركز حول النموذج الغربي مدخل غير آمن لتبرير الاستنساخ وتشجيعه.
الاستنساخ ومأزق الروحانية : الروحانية (بالمعنى الغربي) انهزام، لحاجة التدين أمام طغيان العلمانية وإرهاب المادية وهيمنة الإلحاد، إنه انغماس مادي وانحراف عقدي تحت غطاء شكلانية روحانية لا تضمن صفاء مصدر التلقي ولا إيجابية انفعال القلب وتخلق الجوارح. لقد شكل استيراد الغرب لروحانيات الشرق إنعاشا لمأزق البنية الفكرية الشعورية العريضة بالإلحاد والعلمانية.
ويجد الاستنساخ البشري مرجعية له ضمن الطوائف الروحانية واعتقاداتها وطقوسها. ونموذج الطائفة الرائلية بخلفيتها اليهودية التي تدعي تجارب استنساخ بشري دليل على مأزق الروحانية أمام هذا الانحراف في الثقافة الغربية.
إن ظاهرة الاستنساخ البشري ليست سلوكا انحرافيا طارئا غريبا على الثقافة الغربية بل منتوج غربي بامتياز، ينسجم والخلفية المعرفية المادية للغرب فبنيات العقل الملحد والجسد الإلاه والقوة المقدسة تشكل الخلفية الحقيقة لشذوذ الاستنساخ ولأغلب ظواهر شذوذ التجربة الحضارية الغربية في نسختها الأوربية أو الأمريكية.
إن قِصر مرحلة الغريزة في الدورات الحضارية السابقة، خاصة الإسلامية منها، مكن البشرية من انتخاب دورة حضارية جديدة تجدد معها آدميتها وتوازنها، غير أن هيمنة الغريزة على المراحل الثلاث في التجربة الغربية واجترار مرحلة الغريزة التي استكملت تعفنها مع المخذرات والشذوذ الجنسي والسيدا والانحراف الخلقي والترف الفاحش أرهق البشرية واستهلك مخزونها الآدمي وجعلها أمام انحرافات جنونية غارقة في التوحش مثل الاستنساخ البشري وانعكاساته. إنه مأزق الأنانية الغربية.