الاستهزاء بمقدسات الأمة (قرآنا وسنة ونبوة..) يعتبر كفراً، ومن نواقض الإيمان:
إن الاستهزاء بهذه الأشياء والاستخفاف بها يعلن عن فراغ القلب من تعظيمها ومحبتها. ولقد ورد في سيرة الرسول أنه حينما كان راجعاً من غزوة تبوك قام رجل من الناس يقول : ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء (أرغب بطوناً أي يحبون الأكل الكثير)، إنه يتهم أصحاب رسول الله ويريد أن يتسهزئ بهم، فقام إ ليه صحابي جليل هو عوف بن مالك وقال : كذبت، ولكنك منافق ولأخبرن رسول الله بذلك، فذهب عوف بن مالك إلى رسول الله يخبره بما قال هذا الرجل المنافق وكان قد ركب ناقته ارتحل عن المكان فجاء الرجل يعتذر فقال يا رسول الله إنما هو حديث الركب نقطع به الطريق ونريح به أنفسنا من عناء السفر والطريق فلا تأخذ هذا الأمر مأخذ الجد، فيقول له للنبي : {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون}، غضب النبي فأنزل الله تعالى في ذلك قرآنا : {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا، قد كفرتم بعد إيمانكم إن يعف عن طائفة منكم تعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين}(سورة التوبة)، إذن سماهم الله تعالى بالمجرمين وقال : قد {كفرتم بعد إيمانكم}، وهذا هو المهم، إذن إذا كنتم تخوضون وتلعبون بالمقدسات : بالكتاب، بالسنة، برسول الله ، بالله، إذن فقد انمحى من أنفسكم تعظيم هذه الأشياء وذهب من قلوبكم حُبُّها. إذن فقد كفرتم بعد إيمانكم، وهذه الآية نصٌّ في : أن الذي استهزأ بمقدَّسَات الأُمّة كافرٌ، قد {كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُم}.
{ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} :هذا يعطينا معنىً كبيرا هو أن الاستهزاء بالله وبرسوله وبآياته هو في الحقيقة من علامات الكفر والردة. فالذين يؤلفون قصصا يضحكون فيها من الملائكة، من ميكائيل وإسرافيل… هؤلاء كفار.. فهذه حرمات. كتاب الله محترمٌ، وسُنّة رسوله محترمة، وذات الله محترمة، فمن استهزأ بشيء من هذه الأشياء فقد عرض نفسه للانسلاخ من هذه العقيدة التي يزعم أنه ينتسب إليها. هؤلاء الذين لا يحبون هذا الدين يتخذون من هذه الأشياء العظيمة في ديننا صورا مسرحية، ويعبثون بها ويتحدثون عنها باستخفاف كبير، وإذا سألناهم قالوا إن الفن القصصي يقتضي هذا؟! إن المسرح يقتضي هذا!! إن البحث العلمي يقتضي هذا!! إن هذا الأمر ليس فيه مجال للاستهزاء!!. ونحن نقول هذا استهزاء بالدين، والعلماء كلهم والحمد لله قالوا لهؤلاء العلمانيين قفوا عند حدودكم، فليس في العقيدة مجال لحرية التعبير. حرية التعبير مجالها المسائل الاجتهادية في التعامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ثم إن حرية التعبير مكفولة عند العلمانيين في مجال هدم الدين، أما في فضح أكاذيب الخصوم فيستحيل أن يسمح لك بذلك، هناك جامعات ترفض حتى الآن بحثاً إسلامياً ليكون دكتوره الدولة، أعرف طالبا مات ولم يناقش رسالته، وأنا أتحدى الأساتذة العلمانيين أن يشرفوا على دكتورة إسلامية فهم يمارسون الإرهاب والتعتيم على حرية الفكر والتعبير، بل ظهر واحد من أشرار المغرب وهو أحد نواب البرلمان من التقدميين كتب رسالة إلى وزير التعليم السابق يخبره بأن شعب الدراسات الإسلامية أصبحت تخرب الكثير من الطلاب فهم يعانون من البطالة بسبب دراستهم الإسلامية.. ولذلك فإني أقترح عليكم منع هذا النوع من التعليم وإقفاله، أليس هذا اعتداءا على حرية التعبير؟! أليست البطالة ضاربة أطنابها في كل مجال؟! ثم لماذا يُدْرس الإسلام؟؟ هل للتديُّن به أم للارتزاق؟؟ أليس الواقع يقول بأن مجالات الإسلام مفتوحة في المجتمع أكثر من غيره؟؟.
هدفنا من هذه التنبيهات أن يتعقل الناس ويراجعوا حساباتهم مع ربهم ودينهم حتى لا يطلقوا ألسنتهم في الإسلام، لأن هذا الدين العظيم لا ينبغي أن يبقى مستهدفا من أعدائه. فالإسلام لم يرتكب جرما ولا ظلما ولا شيئا مخلا بما يجب أن تكون عليه البشرية من تقدم ورقي وسعادة حتى يتعرض لكل هذه الهجمات.
إذن فكل نظرة احتقارية لكتاب الله ولسنة رسوله ولأحكام الشريعة تُخْرِجُ من دائرة الإيمان، سواء كان على شكل الاعتراض على حكم من أحكام الشريعة، أو كان على شكل الحط من هذه الأحكام ونعتها بأنها في القرون الوسطى، كما يفعل الكثير من الناس عندما تبيّن لهم أن أحكام الشرع سواء كانت قطعا ليد السارة، أو جلداً للزاني، أو حجاباً للمسلمة، أو تحريما للظلم السياسي والاقتصادي إلى غير ذلك من الأحكام الكفيلة بتطهير المجتمع من جميع الأدناس والنقائص، عندما تبيّن لهم أن هذه الأحكام هي فوق الزمان والمكان، أي لا يبليها الزمان أو المكان، لأنها تشريعات للإنسان في أي عصر كان، قالوا لك : أتريد أن تردنا للقرون الوسطى بدون أن يفهموا أننا في القرون الوسطى كنا في قمة الازدهار والتقدم، فالقرون الوسطى هي بالنسبة لغيرنا، أما نحن فقروننا الوسطى هي ما نحن فيه من الظلم وانتهاك الأعراض، ودوس الحقوق الإنسانية والاجتماعية، هي ما نحن فيه من الغش والخداع، والتهافت على الفساد وتقبيل أعتاب الكفار، فعلى الناس أن ينتبهوا لهذه الأشياء ويتيقظوا لها، فكل استهزاء يصنف صاحبه مع المرتدين، مثل ما نسمعه كثيراً في هذه الأيام : تريد أن تعود بنا إلى عصر {الرجال قوامون على النساء}. نحن في عصرنا تقدمت المرأة كثيرا وأنتم تريدون أن ترجعوا بنا إلى عصر {الرجال قوامون على النساء} وعصر {والله فضل بعضكم على بعض}. هذا كلام الله لا يتحكم فيه بشر. وأمر آخر يجب أن نعيه جيداً، هذا الأمر هو تقدير رسول الله واحترامه وتوقيره، لأن الله قال : {يا أيها الذين آ منوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}، وقال : {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}.
إن موقف التقدير والتعظيم للنبي شيء يجب أن يُرَبَّي عليه الناس، وقد كان السلف فيما بعد عصر الصحابة يعون هذا الأمر جيدا، وقد كان الأئمة خصوصا الإمام مالك ] شديد العناية بهذ ا الجانب ويربي عليه الناس، وحينما كان هو وأبو جعفر المنصور الخليفة العباسي المعروف وقع نوع من الجدال، فرفع أبو جعفر المنصور صوته فقال له مالك : يا أمير المومنين لا ترفع صوتك في هذا المكان فإن الله أدب أقواما فقال : {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} وامتدح أقواما فقال : {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولائك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} وذم أقواما آخرين : {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} فتأدب واطمأن أبو جعفر لهذا الكلام وخشع صوته وما استطاع أن يرفع صوته في مسجد رسول الله، وكان مالك يعرف أنه إذا سأل عن الحديث أو شيء من أخبار رسول الله ، يتغير لونه فيسأله أصحابه لم يقع منه هذا؟؟ فيقول لقد رأيت ربيعة وفلان وفلان لما يرد عليهم شيء من أخبار الرسول تذهب ألوانهم وتصفر وجوههم تعظيما وتوقيراً لرسول الله .
كان ينشر هذا الأمر في أتباعه وفي تلاميذه، وكان هذا الأمر عنده أمرا معروفا وحينما مرض ولم يعد يستطيع أن يمسك بوله اعتزل مسجد رسول الله توقيراً وتعظيما له. وعاش في المدينة المنورة لا يركب دابة توقيرا لرسول الله وهذا هو التعظيم الكبير، وكان إذا أراد الحديث لبس ملابس خاصة، وتعطر وتطيب ليبين لأصحابه كيف يجب أن يتعاملوا مع حديث رسول الله ، ومع سنته ومع هديه وتوجيهه لأن النبي هو الذي تتمثل فيه هذه الأحكام، أي في الجانب العملي التطبيقي، ومن هذا الباب، وتبعا لهذا، فقد كان الفقهاء شديدي الغيظ على من يتنقص النبي أو يحط من قيمته أو يُنزله من مكانته.
ذكر القاضي عياض رحمه الله أن عاامة الفقهاء بمن فيهم مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة اتفقوا على أن من تنقص رسول الله فإنه مرتد ويجب أن يقتل.
وقد سأل هارون الرشيد مالكا في هذه القضية، فيمن شتم رسول الله فقال : لقد سألت بعض فقهاء العراق في ذلك فقالوا يجلد أو يحد فغضب مالك غضبا شديدا، وقال : >ما بَقَاءُ الأمّة بَعْدَ شَتْم نبيِّها<؟!. لقد وصلت إلى النهاية، فقال : من شتم رسول الله قُتِلَ ومن شتم الصحابة جُلِد.
وقد أفتى في هذا فقهاء الأندلس. فمقام رسول الله ليس كمقام عامة الناس. فإن كنا نقول إن الذي يؤذي الرسول إنما يجب عليه الحَدُّ أو التعزير فقد سوى بينه وبين عامة الناس. إن الرسول ليس ككل الناس، إن شتمه ليس لنفسه فقط، بل للدين، بل فيه تشكيك في القرآن وهدم للملة كلها. أما لو شتم الإنسان آخر فالشرع يتدخل ليؤدبه. فالرسول مُبَلّغٌ للأمانة، وحامل للوحي. فشمته تنقيصٌ له وترك لطاعته وتشتيت للأمة الإسلامية وإنهاء للإسلام.
ولذلك تعامل الفقهاء مع هذا بموقف صارم، وثبت أيضا من السنة أن بعض الناس قتلهم الرسول خاصة بعد فتح مكة ولم يعف عنهم بالغوا في إذايته، لا لأنهم كانوا كفاراً فقط. وقد ثبت أن رجلا أعمى كانت له امرأة تنال من النبي فنهاها ذات ليلة فلم تنته فتركها حتى إذا نامت أخذ سكيناً وذبحها فَرُفِع ذلك إلى رسول الله فلم ينكر عليه ذلك لأنها استوجبت ذلك بهذا الصنيع.
إذن إن الإنسان وهو يعالج هذا الموضوع يجب أن يحفظ الحرمة. والمكانة للائقة برسول الله . أما عن هؤلاء الذين يكتبون عن رسول الله الآن كتابات فيها تنقيص أو احتقار للنبي هؤلاء جميعا مرتدون لأنهم يدخلون في أشياء لا يفقهون أسرارها، مثل :
لماذا النبي تزوج عدة نساء؟ أليس الأنبياء قبله تزوجوا العشرات، أليس مطلق الناس كانوا يتزوجون العشرات؟؟ فمجرد السؤال هو تهمة!!