يتوقع بعض علماء الحضارات والمستقبليات بأن القرن 21 الميلادي هو عصر عودة الانسان إلى الدين، ويظهر هذا جليا في أمريكا وفي العالم الاسلامي وفي الهند…
ففي أمريكا أصبح للدين المقام الأول في النظام الجديد منذ الرئيس ريغين، وقد أفصح بوش الابن عن ذلك بكل صدق وعفوية واعتزاز.. كما أن وزير عدله استحق لقب: “آية الله اشكروفت” كما يقول الكاتب القبطي الذي يعيش في أمريكا: وليم الميري إذ يقول: “جون اشكروفت وزير العدل في إدارة بوش يستحق لقب آيات الله بجدارة حتى لو كان لا يضععلى رأسه عمامة بيضاء أو سوداء أو خضراء وهو معروف بتشدده وتزمته الديني، فأبوه القس الواعظ رباه واخوته على التقاليد الدينية المتزمته، وهو صاحب وثيقة “قانون الوطنية” Patriot Act التي تعطي للسلطات الأمريكية الحرية التامة لانتهاك الحريات المدنية والشخصية قصد محاربة الارهاب وذلك بعد 2001/9/11، ويعمل اشكروفت على هدم الجدار الذي يفصل الكنيسة عن الدولة. وفصل الكنيسة أو الدين عن الدولة هو من أرسخ أسس الديمقراطية الأمريكية والغربية عامة.. ومن الخطوات التي أنجزها بوش في سبيل ذلك :
- انشاء مكتب مهمته مساعدةُ الهيئات الدينية أو الكنائس في الحصول على تمويل لبرامجها العامة من الحكومة الفدرالية.
- تمكينُ المدارس التي تملكها الهيئاتُ الدينية أو الكنائسُ من الحصول على دعم مالي.
- ضمان حق الهيئات والمنظمات الدينية في التميز علنًا عند اختيار موظفيها على أساس ديني دون أن تفقد معونة الحكومة.
- حجب المعونة عن أي مدرسة خاصة تتدخل في أو تمنعُ الاجتماعات التي يعقدها التلاميذ والمدرسون للصلاة وقراءة الكتاب المقدس..
ويقول : >وهكذا أصبح بوش شديد التدين والتعصب هو ووزير عدله اللذان تخليا عن العلمانية، يُمَارسان الضغوط ويوجهان التهديدات للدول العربية والاسلامية بأن تأخذ بالعلمانية وتفصل الدين عن الدولة< (جــــــريدة القدس 2003/5/20، ص 10، باب تحقيقات سياسية).
ولا يخفى أن حكومة الهند الحالية حكومة دينية صريحة ومتعصبة لا تقصِّر في محاربة الهنود المسلمين الذين كانوا بالأمس القريب هم حكام الهند الأصليين.. وتتآمر على المسلمين بوسائل عدة منها أن مخابراتها أحرقت “آلقطار” المشؤوم ليتخذ ذلك ذريعة لقتل مآت المسلمين واحراق دورهم وتشريدهم في الآفاق، أما العلمانية فخرافة وبُهتان في الهند.
أما العالم الإسلامي فإن ظاهرة العودة إلى الدين هي احدى مميزات هذا العالم بعد نكسات فلسطين وحروب الخليج ومآسي المسلمين في الاتحاد السوفياتي والاضطهاد النصراني الصهيوني الجديد..
والمغرب جزء من العالم وعضو حيوي من العالم الاسلامي، فقد كان سباقاً إلى الوعي بنفسه والتجاوب مع دينه بعدما خاب أمله في “التهريج” الغوغائي بالقومية العربية وتحرير فلسطين والازدهار الاقتصادي وشعارات العزة والكرامة والتنمية الاقتصادية وغير ذلك مما تبين أنها لم تكن مسجلة في الضمائر والبرامج والعقليات.. فسرعان ما عاد المغاربة إلى دينهم فأقبل الكثير منهم على المساجد وعلى ملازمة القرآن وعلى التوبة إلى الله، لكن هذه العودة لم تجد العلماء الأكفاء لتأطيرها وتوجيهها وترشيدها، فأصبح كل واحد يبحث عمن يفتيه ويشرح له ويفسر له ويوجهه، فلم يجد أمامه ما كان يجده آباؤه وأجداده في المدن والبوادي، فكثر “المفتون” وتعدد “الشيوخ، وبين عشية وضحاها وجدنا زعامات دينية ليس لها من علم الدين إلا الادعاء والجهل المركب والمكعب..
وقد تنبه المسؤولون إلى هذه الظاهرة الخطيرة ، فأعادوا تأسيس الكراسي العلمية في مدن كبيرة كما أعادوا الدراسة للعلوم الدينية بالقرويين وابن يوسف، إلا أن ذلك لا يستطيع أن يلبي حاجات المجتمع المغربي المتعطش لدينه والحريص على حضارته ورسالته التاريخية.
ونحن الآن إما أن نهيئ العنصر البشري العلمي لتأطير الشعب المغربي في شؤون دينه كما نهيئ للتعليم والادارة وغيرهما، وإما فإن المغرب قد يصبح بعد جيلين أو ثلاث مثل لبنان : كثرة الأديان والملل والنحل وإذاك يفقد المغرب وحدته وما يدريك أن تثور فتن وربما نزعات انفصالية على أساس عرقي أو مذهبي، لذلك فإن الاهتمام بمواجهة ظاهرة تمزق الوحدة الدينية للمغرب قبل فوات الأوان فلا نخسر الأرض فقط بل سنخسر حتى إنساننا كما يتمنى ذلك من يتآمر على المغرب ويعوق تقدمه ووحدته..
إن بعث الدراسات الدينية في المغرب وتعزيز مؤسسات العلماء بالاحترام والتوقير أمران ضروريان لاستمرار الوجود المغربي الأصيل الذي يستمِدُّ من ماضيه وأمجاده ما يدفعه دائما إلى المستقبل الزاهر.. ومن الأخطار القاتلة والاجراءات المميتة أن يُصبح المسلمون علمانيين في عصر الدين والتدين ولاسيما المغرب الذي كان مسلماً ولن يكون إلا مُسلماً فذلك قدره وتلك رسالته.
وعلى ما تبقى من العلماء أن يكونوا في مستوى المسؤولية ويهبوا لانقاذ بلادهم بالتعاون مع أولي الأمر قبل فوات الأوان.
ومن تساهل في الحبل فليكن على يقين أن يفقد الدابة بما لها وما عليها..
وإن بعث الدراسات الدينية بالمغرب لا تُناقض الحداثة التي معناها الحقيقي كما يقول المفكرون والعقلاء : الحرية واحترام الانسان وحقوقه المشروعة وامتلاك التكنولوجية وأحدث النظم الادراية وأقوم طرق التسيير وأتقن أساليب التكوين وأنجع مناهج التعليم بل إننا في حاجة ماسة لأمثال ابن رشد وابن زهر وغيرهما ممن كانوا علماء في الشريعة وراسخين في الطب والتبحر في علوم الآخرين كالفلسفة، بل أبدعوا في ذلك وأصبحوا قادة العالم وذلك بسبب واحد : أنهم كانوا صورة للمناهج التربوية والتعليمية الاسلامية العظيمة التي كانت تمثل إذاك قمة الحداثة والتقدم والحضارة..