باسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك انت العليم الحكيم، اللهم لا فهم لنا إلا ما فهمتنا إنك أنت الجواد الكريم، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد.
أما بعد:
فالمهم والذي يجب أن نتحدث فيه عن الجالية المغربية التي حملها رب العزة للبحث عن رزقها في بعض الدول الأوربية وخاصة منها الدولة التي وفقنا الله لزيارتها ونشر ما استطعنا فيها من كلام الله وأحاديث رسول الله وهي الدولة الهولندية، ولقد سافرنا إليها منذ سنوات متعددة بداية من 1979 إلى غاية 1992، فعاشرنا الجالية المغربية بجميع شرائحها من سوس ومن الريف ومن نواحي فاس ومكناس والدار البيضاء واكادير ومراكش، أنواع كلها الله تبارك وتعالى كتب لها رزقها في تلك الديار وهي تعمل ما في استطاعتها لكسب رزقها، لكن يبقى ما هو الواجب على الدولة المغربية أو أهل الدعوة وأهل الجرائد والمجلات في المغرب، ما هو واجبهم نحو هذه الجالية؟ فهي ابتعدت عن وطنها وابتعدت عن أشياء كثيرة كانت تعيشها في وطنها، من طقوس دينية ومسائل اجتماعية ومسائل أسرية ومسائل الحوار، وغيرذلك فهي انتقلت إلى دار جديدة وهي دار الغربة، لكن يبقى على الدولة المغربية أو العلماء المغاربة أن يهتموا بهذه الجالية اهتماما كبيرا، وحسب ما لا حظته وعشته أن الجالية في حاجة إلى :
الدين:
لأن الله سبحانه وتعالى ما خلق هذا الانسان إلا ليكون طائعا لربه لتطبيق قوله تعالى ٍ{وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} ونحن نعلم أن أغلبية الجالية انتقلت من بلدها ومعها شيء قليل من دينها، وربما هناك أناس لم يكن معهم من الدين إلا الاسم، ولكن لما انتقلوا إلى هذه الديار وجدوا الفراغ كبيراً من ناحية الدين، فإذن يجب على الدولة المغربية أن تعتني بهم وبأمر دينهم، وحسب نظري وما لا حظته يجب أن يكون لهم من يعلمهم الدين ، ويجب أن يكون معهم دائما، لكن نحن نرى وهذا عشناه أن الدولة المغربية ترسل بعثات من العلماء والأساتذة مرة في كل عام أي في شهر رمضان هذا الشهر يقوم خلاله الأستاذ بدرس واحد أو اثنين في المسجد، وهو أمر غير كاف للجالية البعيدة عن دينها، فهذا الدرس أو الدرسان لا يفيان بالغرض، فيجب أن يكون معهم الواعظ الديني أو المعلم الديني طيلة السنة لا حتياجهم إليهم في كل أحوالهم المعيشية وأحوالهم الدينية وأحوالهم الأسرية….
ففي هذا الباب يجب على الدولة المغربية أو أهل الصلاح أو أهل الإعلام أن يعنوا بها اعتناءا كبيرا، ثم تبليغ الدين حسب نظري يتطلب أن يتم بأربع لغات أي اللغة العربية الفصحى أي ذكر ما قاله الله أو الرسول باللغة العربية ثم تشرح الآية أو الحديث باللغة الدارجة أو اللغة الأمازيغية. كذلك اللغة الأجنبية بالنسبة لأبناء هذا الجيل.
الارتباط الأسري:
فنحن نرى أن الأسرة قد تفككت في الديار الأوربية لأنها وجدت هناك الحرية الكاملة للمرأة دون قيود شرعية، فالمرأة لها الحق في تسيير شؤون البيت بما فيه، حتى الزوج يكون تحت رحمتها، هنا تنسلخ المرأة المغربية عن دينها وتتمسك بالدين الأوروبي وتطبق القانون الأجنبي وكثيرا ما تتسبب هذه المرأة في تشتيت أسرتها من أبنائها وزوجها، وهي تتحكم في الزوج والأبناء. أما الأبناء إذا بلغوا سن الرشد، لم يبق لهم أي واعظ لا من جهة الأب ولا من جهة الأم فيصبحون أحرارا يتصرفون في جميع شؤونهم بما يحلو لهم، وخلافا لما أمر به الشرع الاسلامي، فالشرع يقول : {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} فالمسلم مطالب بأن يبقى محافظا على الأمر الأول وهو ارتباطه بالله والأمر الثاني أن يحسن إلى والديه كيفما كان الحال. فهذه المسألة يجب الاعتناء بها كثيرا والبحث عن الأسر المغربية كيف تعيش في ديار الغربة، كيف يعيش الزوج مع زوجته وكيف تعيش الزوجة مع زوجها وأبنائها وجيرانها.
الجانب الأخلاقي فيالمعاملات:
فالرسول يقول: “من غشنا فليس منا” ونحن نرى أن الغش قد انتشر بطريقة فاحشة بحيث لم يعد يخاف الناس عقاب رب العالمين، حيث يمكن أن تجد مثلا من يطلق زوجته في البلدية الهولندية أو البلدية البلجيكية أو البلدية الفرنسية ويبقى مرتبطا بزوجته لا لشيء إلا لأن كل واحد منهما يتقاضى أجرة مستقلة، فيقومان بجمع المال ببعدهم عن دينهم، فهم ينسون الدين تماما. والدين هو الذي يمكن أن يضبط سلوكهم، بينهم وبين ربهم، وبينهم وبين كتابه وبينهم وبين نبيه، وبينهم وبين أزواجهم وبينهم وبين جيرانهم، وبينهم وبين الدولة التي يعيشون فيها.
ولقد لا حظت وبحثتع الدولةُ الهولندية وغيرها عن أسباب هذا الغش، ووجدته قد انتشر بين العمال من كل صنف، إلا من أخذ الله بيده.
يجب أن تكون هذه الجالية نصب أعيننا في كل وقت وخاصة في بعض المناسبات، كشهر رمضان وعيد الفطر، وعيد الأضحى وفي مناسبة الاسراء والمعراج ومناسبة المولد النبوي، هذه المناسبات يجب أن تكون لها عناية خاصة، ويجب أن يكون الواعظ الديني مع الجالية المغربية في كل بلد في أوربا في هذه المناسبات بالخصوص. أما المطلوب شرعا فهو أن يتواجد معهم على مدار السنة.
أما بعد أحداث شتنبر، فالآن تغيرت الحالة عما كانت عليه قبل أحداث 11 شتنبر، فأصبحت الدعوة الاسلامية لها قميص جديد فبعد هذه الأحداث المذكورة ورغم كونها حدثت في أمريكا، فإن جميع الأنظار اتجهت إلى المسلمين بصفة عامة. حيث أصبحوا متهمين بالارهاب، وهذا ما جعل الجالية المغربية وغير المغربية تضيق ذرعا، في جميع الدول الأوربية بدون استثناء، وهذا يوجب الالتفات لأهل الدعوة في جميع الدول المسلمة أن يفكروا ويبحثوا في دواء ناجع لا ستدراك ما تعيش عليه الجالية الآن ويكون أهل العلم وأهل التقوى مع الجالية العربية بصفة عامة والمسلمة في جميع الدول لترشيدهم ولتذكيرهم، ولربطهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم .إنه حان الوقت الآن لنقول إنه لا دواء لنا ولا شفاء لنا إلا بالرجوع إلى دراسة كتاب الله وسنة رسوله دراسة وافية، ثم عقد العزم على تطبيق ما ندرس، ويكون هذا بطريقة سهلة وميسرة للجالية المغربية خاصة للجيل الصاعد الآن، الذي يجب أن نبين له ونشرح له الواجب عليه في حياته، فالواجب على المسلم أن يكون عبداً لله لا لغيره، وأن يطبق أوامر ربه التي جاءت في سورة النساء طبقا لقوله تعالى : {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} هذا الارتباط يجب التركيز عليه لكي يكون المؤمن في ديار الغربة عالما بأن له إلاه وهو عبد ويجب أن ينفذ أوامر الله ونواهيه كيفما كان الحال في مرضه، في صحته، في سفره، في حضره، في أكله، في شربه، أن يكون دائما عبدا لله وحده ثم أن يكون تبليغ الرسالة الاسلامية بعد أحداث شتنير بطريقة واضحة لكي يرى الدين الآن على طريقة جديدة وهي طبقا لقوله تعالى : {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} فإن لم نعتصم بالله فسنكون قد ضيعنا حياتنا الدنيا وسنضيع حياتنا في الآخرة كذلك. أما الحياة الدنيا فهي قصيرة طبقا لحديث رسول الله >عش ما شئت فإنك ميت واصحب من شئت فإنك مفارقه واجمع ما شئت فإنك تاركه واعمل ما شئت فإنك مجزي عنه< وهذا الحديث يجب أن يشرح بطريقة واضحة وسهلة للمسلمين في ديار الغربة لكي يعلموا أنهم غير دائمين في هذه الدنيا، وأنهم عندما سينتقلون سيحاسبون على ما أكلوا وما شربوا وما لبسوا وما قالوا وما فعلوا.
…”واصحب من شئت” لا بد من الفراق مع الزوجة ومع الولد ومع الصديق والحبيب مع الجميع لا بد من الفراق والاجتماع سيكون إما في الجنة أو في النار، فإذا كنا من أهل الخيرفسيجمعنا ربنا مع أهل الخير وإذا كنا من أهل الشر فسيجمعنا ربنا مع أهل الشر. “واجمع ما شئت..” فليعلم المسلم المؤمن أنه ما جمع من دنياه من مال أو متاع أو دورأو مغانم فهي سيتركها من وراءه وما ذا سيأخذ معه، سطل من الماء وخرقة من ثوب، والباقي سيحاسب عليه، إن ترك خيرا جزاه الله عنه خيرا وإن ترك شرا فسيعاقبه الله عقابا شديدا . “واعمل ما شئت فإنك مجزي عنه” إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
ثم ختاما لهذه النقط التي يجب غربلتها وجعلها في قالب جديد واضح لتكون نبراسا وهداية ورشدا طبقا لقوله تعالى : {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمونِ} {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} والهداية بيد الله {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} لكن الواجب الآن أن نهتم بأمر الجالية اهتماما كبيرا لأننا نرى أنه لم يبق لهم مكان بين أهل الغرب، فلو استطاعوا لمحقوهم عن آخرهم، لو لم تكن لهم مصلحة فيهم لما تركوهم في بلادهم ولو للحظة وحدة، فليعلم المؤمن أن الله تبارك وتعالى كتب له رزقه هناك أحب من أحب وكره من كره، فليأخذ رزقه وليعبد ربه حق العبادة ولينتقل إليه والله راض عنه {رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}.